الهجوم على "العديد".. هذا ما عاشه المواطنون والمقيمون في قطر

24 يونيو 2025
مشهد من الدوحة في خلال الهجوم الصاروخي على قاعدة العديد بقطر، 23 يونيو 2025 (رويترز)
+ الخط -
اظهر الملخص
- تعرضت قاعدة العديد العسكرية في قطر لهجوم صاروخي إيراني، مما أدى إلى إغلاق مؤقت للمجال الجوي كإجراء احترازي، مع تأكيد وزارة الخارجية القطرية على مراقبة الوضع بالتنسيق مع الشركاء.
- نجحت الدفاعات الجوية القطرية في اعتراض الصواريخ، وأكدت وزارة الدفاع أن الأجواء آمنة والقوات المسلحة في حالة تأهب، بينما دعت وزارة الداخلية للاعتماد على المعلومات الرسمية.
- تعاملت السلطات بجدية مع الأزمة، حيث لم تقع إصابات أو خسائر بشرية، وتم اتخاذ إجراءات احترازية مثل تعليق الملاحة الجوية، مما يعكس الجاهزية العالية للقوات المسلحة.

مساء أمس الاثنين، شنّت إيران هجوماً صاروخياً على قاعدة العديد العسكرية الأميركية في قطر، وذلك في ردّ على الضربات التي كانت قد وجّهتها واشنطن إلى طهران فجر الأحد الماضي. وهذا ما عاشه المواطنون والمقيمون بقطر في هذا الظرف الاستثنائي.

عاش المواطنون القطريون والمقيمون في دولة قطر ساعات معدودة من التوتّر والخوف، على خلفيّة الهجوم الصاروخي الإيراني الذي استهدف قاعدة العديد العسكرية الأميركية الواقعة إلى جنوب غرب الدوحة، مساء الاثنين. وكان الهجوم قد وقع بعد نحو 75 دقيقة من بيان أصدرته وزارة الخارجية القطرية، أعلنت فيه توقّف حركة الملاحة الجوية مؤقتاً في أجواء الدولة، وذلك من ضمن مجموعة من الإجراءات الاحترازية المتّخَذة استناداً إلى المستجدّات في المنطقة، في إطار حرص الدولة على سلامة المواطنين والمقيمين والزائرين.

وتضمّن البيان القطري المذكور تطمينات بأنّ "الجهات الرسمية تراقب الوضع عن كثب وبشكل مستمرّ، وتقوم بتقييم المستجدات بالتنسيق مع الشركاء الإقليميين والدوليين، وستوافي الرأي العام بالمعلومات المستجدّة في حينها عبر القنوات الرسمية". يُذكر أنّ الهجوم على قاعدة العديد العسكرية الأميركية أتى في اليوم الحادي عشر من العدوان الإسرائيلي على إيران الذي انطلق في 13 يونيو/ حزيران الجاري، قبل أن تردّ الأخيرة ثمّ تتدخّل الولايات المتحدة الأميركية وتقصف أهدافاً إيرانية محدّدة في 22 يونيو، الأمر الذي جعل طهران تستهدف مصالح أميركية في منطقة الخليج، من بينها قاعد العديد على الأراضي القطرية.

وأفاد مواطنون ومقيمون في دولة قطر "العربي الجديد" بأنّ بيان إغلاق الأجواء القطرية ساهم في التقليل من شعورهم بالرعب، عندما راحت تُسمَع أصوات انفجارات قوية متتالية بُعيد الساعة السابعة والنصف مساء، اتّضح أنّها ناجمة عن تصدّي الدفاعات الجوية القطرية للصواريخ الإيرانية. وقد صعد عدد منهم إلى أسطح المنازل، وراحوا يشاهدون الأجسام المضيئة وهي تعبر الأجواء. يُذكر أنّ تسجيلات فيديو راحت تُتداوَل، وقد أظهرت حالة من الفوضى والذعر بين مرتادي مركز "فيلاجيو" التجاري في الدوحة، في خلال الهجوم الصاروخي الإيراني.

الصورة
مراقبة صواريخ الهجوم الإيراني على قاعدة العديد العسكرية الأميركية من الدوحة - قطر - 23 يونيو 2025 (فرانس برس)
في خلال مراقبة الهجوم الصاروخي على قاعد العديد الأميركية في قطر، الدوحة، 23 يونيو 2025 (فرانس برس)

وقال المواطن القطري محسن جاسم، من سكان مدينة الوكرة القريبة من قاعدة العديد العسكرية الأميركية، إنّ الصواريخ كانت أشبه "بنيازك في السماء، ما خرع (أخاف) الأطفال لبعض الوقت". لكنّه أكد لـ"العربي الجديد" إنّ الحياة "عادت إلى طبيعتها من دون منغّصات تذكر بعد ذلك"، لافتاً إلى أنّه لم يشعر بأيّ قلق يدفعه إلى تخزين مؤن غذائية مثلما يحصل في العادة في مثل هذه الظروف، بل أمضى ليلته مع أسرته وأولادته يتابع الأخبار على التلفزيون القطري.

بدوره، خلّف بيان أصدرته وزارة الدفاع القطرية في وقت لاحق، مساء الاثنين، طمأنينة في النفوس وبدّد مشاعر الخوف والقلق. وقد أوضحت الوزارة أنّ الدفاعات الجوية القطرية نجحت في اعتراض هجمة صاروخية استهدفت قاعدة العديد الجوية، و"بفضل الله ويقظة عناصر القوات المسلحة والإجراءات الاحترازية التي تمّ اتّخاذها، لم ينتج من الحادث أيّ وفيات أو إصابات". أضافت، في بيان، أنّ أجواء دولة قطر وأراضيها آمنة وأنّ القوات المسلحة القطرية على أهبّة الاستعداد دائماً للتعامل مع أيّ خطر، ونصحت المواطنين والمقيمين باعتماد التوجيهات من المصادر الرسمية. وشدّدت وزارة الدفاع على أنّ أمن جميع الأفراد وسلامتهم على أراضي قطر يبقيان أولوية قصوى، وأنّ الدولة لن تتوانى عن اتّخاذ ما يلزم من تدابير وقائية في هذا الإطار.

وعند انتهاء الهجوم، كانت لـ"العربي الجديد" جولة ميدانية شملت مجموعة من المحال التجارية والمجمّعات التجارية، بيّنت أنّ حركة الأسواق طبيعية في غياب أيّ ازدحام قد يحصل في أوضاع مشابهة. في مجمّع "مول إزدان الوكرة"، اتّفق متسوّقون ومتسوّقات على أنّ الضربة حصلت وانتهت ولا خسائر بشرية أو مادية"، مؤكّدين أنّ الأمر انتهى عند هذا الحد ولا داعي للخوف أو القلق.

من جهته، أخبر المقيم السوري زياد الخالد "العربي الجديد": "عندما كنت أتابع الأخبار عبر شاشة التلفزيون، سمعت أصوات انفجارات تشبه أصوات المفرقعات والألعاب النارية التي تُطلق عادةً في الاحتفالات والمهرجانات الكبرى والأعياد، لكنّها كانت أقوى". أضاف أنّ "أولادي نزلوا على الفور إلى الطبقة الأرضية وقد أخافتهم الأصوات، وسألوني عمّا يحدث. فأجبتهم أنّها صواريخ إيرانية على قاعدة العديد"، مشيراً إلى أنّه توقّع "هذا الهجوم بعد إغلاق حركة المطار وأجواء قطر اليوم بصورة مؤقتة". ولم يخفِ الخالد أنّ أفراد عائلته عاشوا "لحظات مرعبة"، موضحاً أنّه شعر بالقلق إذ إنّ "ابنتي الصغيرة التي كانت تستعدّ لامتحان مادة اللغة العربية (اليوم الثلاثاء) شكت من أنّها نسيت ما سبق أن درسته بسبب خوفها. لذا رحتُ أدفعها إلى الاسترخاء، وأطلب منها عدم التفكير بالامتحان نهائياً". وتابع الخالد أنّ "رسالة وصلت عبر تطبيق واتساب، أعلنت من خلالها وزارة التربية والتعليم إلغاء الدوام في المدارس الثلاثاء. فسارعت إلى تطمين صغيرتي".

بخلاف زياد الخالد، لم يكن المقيم المصري حسن عبد الرحمن في منزله عند حدوث الهجوم الصاروخي الإيراني. وقال عبد الرحمن لـ"العربي الجديد" إنّه كان يقود مركبته حينها، "وقد شاهدته بأمّ عيني صواريخ يجري اعتراضها وتنفجر في الأجواء". ولم يخفِ أنّه "حينها، شعرت بالذعر وخشيت أن تصيبني شظايا صاروخ. فقرّرت أن أعود أدراجي لأكون بين افراد أسرتي وأطفالي"، لافتاً إلى أنّ "الاتصالات بدأت تردنا من الأقارب في مصر للاطمئنان علينا".

وتعاملت السلطات القطرية بجدية وشفافية عالية مع الهجوم الصاروخي الإيراني على قاعدة العديد العسكرية الأميركية، ولا سيّما من خلال البيانات التي راحت تصدر عن وزارات الخارجية والدفاع والداخلية. في هذا الإطار، أفادت وزارة الخارجية القطرية، في بيان بعيد الهجوم، بعدم وقوع أيّ إصابات أو خسائر بشرية جرّاءه، مؤكدةً أنّ "الدفاعات الجوية القطرية أحبطت الهجوم وتصدّت للصواريخ الإيرانية بنجاح"، فيما أشارت إلى أنّ الدوحة "تحتفظ بحقّ الردّ المباشر بما يتناسب مع شكل هذا الاعتداء السافر وحجمه وبما يتوافق والقانون الدولي".

الصورة
من بقايا صاروخ إيراني أسقطته الدفاعات القطرية في خلال الهجوم على قاعدة العديد - 23 يونيو 2025 (فرانس برس)
بقايا صاروخ أسقطته الدفاعات القطرية في خلال الهجوم الأغيراني على قاعدة العديد الأميركية، 23 يونيو 2025 (فرانس برس)

وقد بيّنت وزارة الدفاع القطرية أنّ "أجواء دولة قطر وأراضيها آمنة وأنّ القوات المسلحة القطرية على أهبّة الاستعداد دائما للتعامل مع أيّ خطر". وتضمّن بيان وزارة الداخلية القطرية رسائل الطمأنينة الكبرى، إذ أكّد أنّ "الأوضاع الأمنية في البلاد مستقرّة، ولا يوجد ما يدعو للقلق". وناشدت الداخلية الجميع بـ"التحلّي بالمسؤولية المجتمعية، من خلال الامتناع عن تداول أيّ معلومات غير صادرة عن الجهات الرسمية أو إعادة نشرها، وتحرّي الدقّة واستقاء المعلومات من القنوات الرسمية المعتمدة"، مع التأكيد على استعداد الوزارة وجهوزيتها التامة لمتابعة المستجدّات واتّخاذ ما يلزم لضمان سلامة المواطنين والمقيمين واستمرار الحياة العامة بصورة طبيعية.

ومن بين المقيمين الذين تواصلت "العربي الجديد" معهم، المقيم السوري ناجي ياسين الذي أفاد بأنّه كان "في المنزل مع عائلتي عندما سمعنا أصوات انفجارات عنيفة"، مشيراً إلى أنّ ذلك أمر "يحدث للمرّة الأولى منذ إقامتي في قطر منذ نحو 20 عاماً". أضاف أنّه علم، بعد متابعته الأخبار، أنّها مرتبطة بهجوم صاروخي إيراني على قاعدة العديد العسكرية الأميركية بالقرب من الوكرة، ثمّ "رحت أطمئن أطفالي وأفراد أسرتي الذين أصابهم الهلع، فيما يتابعون عبور الصواريخ الأجواء والانفجارات الناجمة عن التصدّي لها". وتابع أنّ الأمر "استمرّ لدقائق قليلة انقضت سريعاً، قبل أن نجلس لمتابعة الأخبار على القنوات القطرية الرسمية لمعرفة حقيقة الهجوم وأثره".

من جهتها، لم تخفِ المقيمة الفيليبينية آنجي، التي تحفّظت عن الكشف عن هويتها كاملة، لـ"العربي الجديد" أنّها عرفت "لحظات مرعبة". وقالت: "كنت أمارس عملي في صالون للسيدات، عندما سمعنا دويّ انفجارات ثلاثة متتالية، بين الواحد والآخر دقيقة أو اثنتان. فشعرت بالخوف، كذلك سيطر الخوف على المكان ومَن فيه. خرجنا لاستطلاع الأمر، لكنّنا لم نلاحظ أيّ أمر غريب". أضافت أنّ "بعد دقائق، وصل إلي أخبار عبر تطبيقات تفيد بإسقاط صواريخ في السماء. فكّرت حينها بالنزول إلى مواقف السيارات، لكنّ إحدى النساء العربيات التي كانت تصفّف شعرها طمأنتنا بأنّ لا داعي لذلك، وأكدت أنّ الخطر انتهى وأنّ الدفاعات الجوية القطرية نجحت في إفشال الهجموم، التي يستهدف في الأساس قاعدة عسكرية أميركية بعيدة عن الدوحة".

وعند الساعة الحادية عشرة من قبل منتصف ليل الاثنين-الثلاثاء، نقل تلفزيون قطر والتلفزيون العربي وقناة الجزيرة وقائع مؤتمر صحافي لمسؤولين في وزارات الخارجية والدفاع والداخلية تناولوا فيه الهجوم الصاروخي الإيراني وكيفية تعامل القوات المسلحة القطرية معه وما نجم عن ذلك. وقد أفاد المتحدّث الرسمي باسم وزارة الداخلية العقيد جبر النعيمي بأنّ الوضع الأمني في قطر مستقرّ كلياً، وبأنّ كلّ الجهات المعنية تعمل بتناغم تام لضمان أمن المواطنين والمقيمين والزائرين وسلامتهم. أضاف: "تلقّينا بلاغات عدّة تفيد بسقوط بعض الشظايا على مناطق سكنية، وقد جرى التعامل معها باستجابة سريعة"، مشيراً إلى أنّ تلك الشظايا تسبّبت في "حرائق صغيرة تمّت السيطرة عليها، من دون تسجيل أيّ إصابات".

في سياق متصل، قالت سيّدة الأعمال القطرية ميرفت إبراهيم، لـ"العربي الجديد" إنّه "في خضمّ المشهد الجيوسياسي المتغيّر والتحديات المتزايدة، تبرز دولة قطر نموذجاً يُحتذى به في التخطيط الاستراتيجي والتأهب الشامل لمواجهة أيّ طارئ"، مشيرةً إلى أنّ "الاهتمام العميق بالفرد، سواء أكان مواطناً أم مقيماً، ينسج نسيجاً متيناً من الثقة والأمان يشعر به الجميع في كلّ زاوية من زوايا هذا الوطن". وأوضحت إبراهيم أنّ "الشعور العام بالأمن والأمان الذي يسود قطر هو نتاج لجهود دؤوبة واستباقية، وتجلّت هذه الجهود بوضوح في الظروف الأخيرة، إذ اتّخذت الدولة إجراءات حازمة وسريعة لضمان سلامة الجميع. ولعلّ أبرز هذه الإجراءات كان تعليق الملاحة الجوية بوصفه إجراءً احترازياً، وهو قرار يعكس بجلاء الأولوية القصوى التي تمنحها الدولة للأرواح البشرية وراحتهم النفسية". وتابعت أنّ "هذا الاهتمام لم يقتصر على الجانب الأمني فقط، بل امتدّ ليشمل الجانب التعليمي، إذ تقرّر تأجيل امتحانات الثلاثاء إلى يوم آخر، الأمر الذي يؤكّد الحرص على توفير بيئة تعليمية هادئة ومستقرّة".

وشدّدت سيّدة الأعمال القطرية على أنّ "هذه الإجراءات، وإن بدت بسيطة في ظاهرها، إلا أنّها تحمل في طيّاتها رسائل عميقة عن مدى حرص الدولة على كلّ فرد يعيش على أرضها. والإجراءات الاستباقية التي اتّخذتها الدولة تبرهن أنّ تأهّب قطر لا يقتصر على الجاهزية العسكرية فحسب، بل يمتدّ ليشمل جوانب الحياة كافة، مع التركيز المحوري على الإنسان أولاً. وعن نجاح القوات المسلحة القطرية في التصدي للصواريخ الإيرانية، أكدت إبراهيم أنّ "الجيش القطري تعامل بقوة وقدرة فائقة جعلتنا نشعر بالفخر، فقد تمكّنت القوات المسلحة القطرية من إسقاط الصواريخ، باستثناء واحد فقط سقط على قاعدة العديد من دون أن يسفر عن أيّ خسائر مادية أو بشرية". ورأت أنّ "هذا الإنجاز ليس مجرّد دليل على كفاءة الدفاعات الجوية القطرية، بل هو شهادة على التنسيق العالي والجاهزية المستمرة للقوات المسلحة، المدعومة بأحدث التقنيات العسكرية والتدريب المتواصل وفقاً لأعلى المعايير الدولية، وتمثّل درعاً حصيناً يحمي قطر جواً وبحراً وبراً".

المساهمون