الهجرة السرية من دول الساحل.. معاناة تؤرق المغرب

17 فبراير 2025
يمنع المغرب مئات المهاجرين السريين من العبور نحو أوروبا، سبتة، 19 يناير 2025 (Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تزايد الهجرة السرية وأسبابها: تتزايد الهجرة السرية من دول الساحل الأفريقي نحو أوروبا بسبب الجفاف، وتغير المناخ، والتوترات الأمنية. تعاني هذه الدول من نقص في الحقوق والأمن، مما يدفع المواطنين للهجرة بحثاً عن حياة أفضل.

- دور المغرب في إدارة الهجرة: يشكل المغرب نقطة عبور رئيسية للمهاجرين، حيث أحبطت السلطات 78,685 محاولة هجرة في 2024. يعتمد المغرب نهجاً إنسانياً ويعقد اجتماعات دولية لمناقشة قضايا الهجرة.

- السياسات الأوروبية وانتقاداتها: يواجه الخطاب الأوروبي انتقادات لتضخيمه قضية الهجرة. يدعو المغرب إلى تعاون مشترك لحلول فعالة، ويعمل على مشاريع تنموية لمعالجة جذور الهجرة.

تتزايد موجات الهجرة السرية من دول الساحل الأفريقي نحو شمال القارة وأوروبا، مدفوعة بالجفاف، وتغير المناخ، والتوترات الأمنية المرتبطة بالجريمة المنظّمة والإرهاب. وتُعد المنطقة من أكثر مناطق العالم تضرراً من الإرهاب، إذ سجلت خلال السنوات الماضية أعلى معدلات الضحايا عالمياً، وفق إحصاءات الأمم المتحدة.

ويشكل المغرب نقطة عبور واستقرار رئيسية لعشرات آلاف المهاجرين السريين، وأحبطت السلطات 78 ألفاً و685 محاولة هجرة سرية في عام 2024، منهم 58% من بلدان غرب أفريقيا، كما تواصل الحكومة المغربية تنظيم اجتماعات دولية لمناقشة هذه القضية، كان آخرها اجتماع مجموعة العمل حول الهجرة، واجتماع آخر مع المنظمة الدولية للهجرة.

ما هي أسباب الهجرة من دول الساحل؟

الباحث المغربي المهتم بقضايا الهجرة عبد الفتاح الزين، انتقد الوضع بدول الساحل (موريتانيا ومالي وبوركينا فاسو وتشاد والنيجر)، قائلاً إنها "لا توفّر لمواطنيها مقومات الحياة الكريمة"، وأوضح: "تفتقد هذه الدول للحقوق السياسة والاجتماعية والاقتصادية، فضلاً عن غياب الأمن للعديد من المواطنين، وهو ما يجعل الكثير منهم يهاجرون"، واصفاً تلك البلدان بـ "المناطق غير الآمنة لمواطنيها وللأجانب، فضلاً عن غياب الديمقراطية السياسية، وغياب مقومات الحياة الاجتماعية والثقافية، وضعف الاستفادة من خدمات وخيرات هذه البلدان، وغياب حرية التعبير والتظاهر فيها". 

واتفق الزين مع ما ذهبت إليه رئيسة المجلس الوطني لحقوق الإنسان (غير حكومية) آمنة بوعياش، التي قالت إنّ منطقة شمال أفريقيا تحوّلت إلى نقطة انطلاق رئيسية لآلاف المهاجرين في رحلة محفوفة بالمخاطر، وقالت عياش التي تترأس مجموعة العمل حول الهجرة التابعة لشبكة المؤسسات الوطنية الأفريقية لحقوق الإنسان، في اجتماع بالرباط نهاية يناير/ كانون الثاني الماضي، إن شمال أفريقيا يحتل مكانة محورية باعتباره ملتقى للهجرة، وأشارت إلى أن أكثر من عشرين ألف شخص لقوا حتفهم أو اعتُبروا في عداد المفقودين بعد محاولتهم عبور البحر الأبيض المتوسط بين 2014 و2022.

عبد الفتاح الزين: السلطات المغربية تعيد توزيع المهاجرين داخل البلاد لمنع الضغط على المناطق الحدودية

وشهدت بعض دول الساحل انقلابات عسكرية، مثل مالي (2020)، وبوركينا فاسو (2022)، والنيجر (2023)، مما زاد حالةَ عدم الاستقرار. وفي هذا السياق، أكدت أمينة محمد، نائبة الأمين العام للأمم المتحدة، أن أفريقيا باتت مركزاً للإرهاب العالمي، كون منطقة الساحل مثّلت نقطة البداية لواحدة من أكثر الأزمات وحشية في العالم، وأوضحت أنه على مدى ثلاث سنوات متتالية، شكل عدد الوفيات المرتبطة بالإرهاب في تلك المنطقة أكثر من نصف إجمالي الوفيات في العالم، وأضافت المسؤولة الأممية، في إحاطة لها بمجلس الأمن في يناير 2025، أن بوركينا فاسو تتصدر دول العالم في عدد الوفيات الناجمة عن الإرهاب بنسبة زيادة بلغت 68%.

وأعلن مركز مكافحة الإرهاب التابع للاتحاد الأفريقي، في بيان سابق، تسجيله أكثر من 3200 هجوم إرهابي، و8400 ضحية مدنية بين يناير وسبتمبر 2024 بالقارة. 

ومن محركات الهجرة أيضاً، وفق بوعياش، التأثيرات المدمّرة للتغيرات المناخية، وأوضحت أنّه بجانب النزاعات المسلحة وانعدام الاستقرار السياسي في بعض مناطق القارة، تعد تأثيرات تغير المناخ من بين الأسباب العميقة لحركات الهجرة، وأضافت أن "الجفاف الشديد في شرق أفريقيا خلال سنة 2023 أثر على ما يزيد عن 27 مليون شخص، ما فاقم الأوضاع المتردية أساساً جرّاء النزاعات وعدم الاستقرار الإقليمي".

كل هذه العوامل تدفع الشباب الطامحين إلى حياة أفضل نحو خيار الهجرة، فيجد البعض أنفسهم عالقين في شمال أفريقيا، ما يزيد الضغط على دولها، بينما يخوض آخرون رحلة بحرية محفوفة بالمخاطر، قد تنتهي إما بالوصول إلى أوروبا أو بالموت في عرض البحر.

السياسة المغربية في التعامل مع المهاجرين

أكد الباحث عبد الفتاح الزين أن "المغرب يعتمد نهجاً إنسانياً في التعامل مع المهاجرين غير النظاميين ضمن إطار احترام حقوق الإنسان، إذ لا يطردهم من البلاد، لكنه يمنعهم من العبور نحو أوروبا عبر سبتة ومليلية (خاضعتان للإدارة الإسبانية وتطالب الرباط باسترجاعهما) أو البحر المتوسط"، وأشار إلى أن المملكة تتبع مقاربةً ثلاثية الأبعاد تشمل التعاون بين دول المصدر، والعبور، والاستقبال، ما يجعلها تلعب دوراً محورياً في إدارة هذه الظاهرة. وأضاف أن السلطات المغربية تقوم بإعادة توزيع المهاجرين داخل البلاد لمنع الضغط على المناطق الحدودية، لكنها لا تلجأ إلى طردهم خارج البلاد، نظراً لتبنيها نهجاً إنسانياً يأخذ بعين الاعتبار الظروف القاسية التي دفعتهم للهجرة. 

توظيف أوروبا لورقة الهجرة

وجه الباحثون المغاربة انتقادات حادة للخطاب الأوروبي تجاه الهجرة، إذ وصف الزين السياسات الأوروبية بأنها "تضخم القضية لأغراض سياسية وانتخابية، خاصة من التيارات اليمينية، وهو خطاب تسايره فيه أحزاب اليسار بحثاً عن الوصول إلى السلطة"، مضيفا إن "أوروبا تتخلى عن حقوق المهاجرين، الذي هو جزء أساسي من حقوق الإنسان".

وفي أكتوبر الماضي، أكد وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة أن الدول الأوروبية حوّلت قضية الهجرة إلى ورقة سياسية وتجارية، تسهم في تأجيج المخاوف، مشيراً إلى أن الهجرة الأفريقية تمثل نسبة صغيرة من الظاهرة العالمية، وأوضح أن المهاجرين الأفارقة لا "يغزون" أوروبا كما يروّج البعض، بل إن الهجرة السرية الأفريقية لا تشكل سوى 0.23% من إجمالي الهجرة العالمية، كما شدّد على أن إيجاد حلول فعالة للهجرة يتطلب تعاوناً مشتركاً بين دول المصدر والعبور والاستقبال، بدلاً من الضغط على دول العبور وحدها.

وأكد الباحث عبد الفتاح الزين أن المغرب يعمل على إيجاد حلول تنموية لمعالجة جذور الهجرة، عبر إطلاق مبادرتين رئيسيتين هما "مبادرة الأطلسي، وأنبوب الغاز المغرب- نيجيريا". 

وفي ديسمبر 2023، اتفق وزراء دول الساحل الأفريقي، بمدينة مراكش المغربية، على إنشاء فريق عمل وطني في كل دولة لإعداد واقتراح سبل تفعيل مبادرة دولية للملك محمد السادس، لاستفادة بلدان الساحل من المحيط الأطلسي، وفي 2016، وخلال زيارة دولة قام بها العاهل المغربي إلى نيجيريا، جرى الاتفاق على إحداث مشروع أنبوب للغاز يربط بين البلدين، ويمر بكل من بنين وتوغو وغانا وكوت ديفوار وليبيريا وسيراليون، بالإضافة إلى غينيا وغينيا بيساو وغامبيا والسنغال وموريتانيا، وسيمتد أنبوب الغاز على طول يناهز 5660 كيلومتراً، وسيشيّدُ على عدة مراحل ليستجيب للحاجة المتزايدة سواء للبلدان التي سيعبر منها أو لأوروبا.

ويرى الزين أن هذه المبادرات يمكن أن تساعد في الحدّ من التوترات والصراعات في الساحل، عبر توفير فرص العمل والتنمية الاقتصادية، ما يسهم في تقليل دوافع الهجرة السرية.

(الأناضول، العربي الجديد)

المساهمون