النفايات والحشرات تهدد حياة عشرات آلاف النازحين في الشمال السوري

26 مايو 2025   |  آخر تحديث: 17:27 (توقيت القدس)
تعاني مخيمات الشمال السوري بسبب نقص المياه النظيفة، 24 يونيو 2024 (رامي السيد/Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تعاني مخيمات الشمال السوري من تدهور الظروف المعيشية مع ارتفاع درجات الحرارة وتراكم النفايات، مما يهدد صحة النازحين بتفشي الأمراض المعوية والجلدية بسبب نقص المياه النظيفة وتوقف دعم منظمات النظافة.
- يواجه النازحون نقصاً حاداً في الأدوية والخدمات الطبية، مما يزيد من معاناتهم مع انتشار الأمراض، خاصة بين الأطفال وكبار السن، في ظل عجز الكوادر الطبية عن تقديم استجابة فورية بسبب نقص التمويل.
- تعتمد أكثر من 3.4 ملايين شخص في شمال غرب سورية على المساعدات الإنسانية، ويزيد الصيف من المخاطر الصحية مع غياب البنية التحتية، مما يستدعي استجابة إنسانية عاجلة لمواجهة الأزمة المتفاقمة.

تتصاعد درجات الحرارة في مخيمات الشمال السوري، لترتفع معها أصوات الاستغاثة القادمة من خيامٍ أنهكها العوز، وبيئة تغزوها الحشرات والروائح الكريهة. ويشكّل تراكم النفايات ونقص المياه النظيفة خطراً داهماً على صحة عشرات الآلاف من النازحين، وسط تحذيرات من تفشّي أمراض معوية وجلدية مع حلول فصل الصيف.

في مخيم كفرلوسين، تقف خديجة الحسين، النازحة من ريف حماه، قرب خيمتها تراقب بقلق طفلها الذي يعاني من إسهال حاد، وتقول بصوتٍ متهدّج: "الذباب لا يفارق الطعام، نعيش بين النفايات، ولا مياه تكفي لغسل الأيدي أو تنظيف أواني الطعام، حتى نقطة الإسعاف لم تعد تستقبل المزيد". تضيف لـ "العربي الجديد": "قضيتُ ليلتين بلا نوم بسبب بكاء طفلتي الأخرى المصابة بطفح جلدي، وأفادنا الطبيب بأنّ الدواء غير متوفر، وكذلك اختصاصيّ الأمراض الجلدية في المنطقة، حتى مياه الاستحمام معدومة ولا تتوفر إلا بالشراء، ونحن بالكاد نجد ما نأكله". وتوضح: "نخشى المرض أكثر من الموت، لا دواء ولا ماء ولا حتى أمل بالخروج من هذه الدائرة الجهنّمية. وما بين خيمة وأخرى، تتكرّر الحكاية وسط نفايات متراكمة، وأجساد تنتظر الفرج القريب".

وتشهد المخيمات المنتشرة على طول الشريط الحدودي شبه انعدام لأعمال إزالة النفايات، بعدما توقفت منظمات عديدة عن دعم خدمات النظافة منذ بداية العام الحالي، فيما تشكل ندرة مياه الشرب والنظافة عبئاً إضافياً يُرغم العائلات على استخدام مصادر غير آمنة، مثل بُرك تجمّع مياه الأمطار أو التقنين الشديد باستخدامات المياه المتوفرة وإعادة تدويرها. وفي ظل هذه الظروف، لا يتوقع السكان أيّ تحسن قريب، فالمخيمات التي شُيّدت أصلاً كحلولٍ مؤقتة باتت مأوى دائماً لآلاف العائلات، من دون بنية تحتية أو خدمات مستدامة.

وتقول مريم عبدو، النازحة من معرّة النعمان: "نستيقظ على رائحة النفايات، الخيمة محاصرة بالذباب والحشرات وخاصة مع قدوم فصل الصيف وارتفاع درجات الحرارة، الأطفال يشكون الحكّة ليل نهار. قدّمنا عشرات الشكاوى لكن ما من مجيبٍ". تضيف لـ "العربي الجديد": "لم نستطع العودة إلى ديارنا بسبب تهدّم منزلنا وعدم قدرتنا على بنائه مرة أخرى، بسبب فقر الحال وقلة مصادر الدخل، بينما لا يمكننا تحمّل حياة الخيام وسط كل تلك النفايات وفقدان الخدمات الأساسية". وتوضح بغصة: "نعيش بين نارين".

لجوء واغتراب
التحديثات الحية

من جهته، يعزو أحمد الزين، وهو عامل سابق في إزالة النفايات من مخيمات دير حسان شمال إدلب، هذا التدهور إلى "الانخفاض الحاد في تمويل برامج الخدمات الأساسية، لا سيما قطاع البيئة والنظافة والصرف الصحي". يضيف لـ "العربي الجديد" أن "الوضع كارثي، فهناك حالات متزايدة من الإسهال والجرب والطفح الجلدي، خصوصاً بين الأطفال وكبار السن الذين يدفعون الثمن الأغلى، وسط مستقبل غامض وموسم واعد بالمزيد من المعاناة، بينما الكوادر الطبية عاجزة عن الاستجابة الفورية في ظل نقص فادح في الأدوية المجانية واللقاحات". ويوضح أن "النازحين في المخيمات يواجهون صيفاً قاتماً، وسط بيئة قاسية لا تتيح لهم حتى الحد الأدنى من مقوّمات الحياة الكريمة، بينما يبقى الأمل معلقاً على استجابة إنسانية عاجلة وشاملة تنقذ ما يمكن إنقاذه قبل المزيد من تفاقم الأزمة الصحية والبيئية".

وتشير تقارير الأمم المتحدة إلى أن أكثر من 3.4 ملايين شخص يعيشون في شمال غرب سورية، نصفهم تقريباً من النازحين داخلياً، يعتمدون بشكل أساسي على المساعدات الإنسانية للبقاء على قيد الحياة، ويشكل الصيف تحدياً إضافياً مع زيادة درجات الحرارة وظهور الحشرات الناقلة للأمراض، ما يزيد من المخاطر الصحية في المخيمات التي تفتقر للبنية التحتية الأساسية كشبكات الصرف الصحي ومرافق النظافة.

كما يحذّر خبراء في الصحة العامة من احتمال تفشّي أوبئة مثل الكوليرا والتيفوئيد والليشمانيا مع استمرار هذه الظروف، لا سيما مع غياب برامج التلقيح المنتظمة ونقص الإمدادات الطبية، لتبقى الحلول المؤقتة، مثل توزيع المياه عبر الصهاريج وتوفير أكياس النفايات، محدودة وغير مستدامة في ظلّ شح التمويل وضعف الاستجابة الدولية.

المساهمون