النفايات "رزق" أطفال فقراء اللاذقية

النفايات "رزق" أطفال فقراء اللاذقية

24 أكتوبر 2021
طفل وسط النفايات (عامر المهيباني/ الأناضول)
+ الخط -

يؤثر الفقر بشكل ملحوظ في العوائل السورية. ووصل ذلك إلى الأطفال في مدن الساحل، وتحديداً اللاذقية، فقبل سنوات، كان سكان المدينة التي تقع شمال غربي سورية يسخرون من جمع أطفال القمامة، لكن اليوم بات مشهد جر طفل لا يتجاوز الـ14 من العمر عربة خلفها كيس كبير من أجل جمع أشياء ملقاة في حاويات القمامة، من كرتون ومواد تصلح لإعادة التدوير، اعتيادياً ومألوفاً.
وفيما تكشف تقارير الأمم المتحدة أن أكثر من 90 بالمائة من السوريين يعانون من العيش تحت خط الفقر، ما يجعل البلاد تتصدر اللائحة العالمية لمعدل الفقر وفق ما يفيد موقع "وورد باي ماب"، تدل كل المؤشرات على أن الفقراء يزدادون فقراً في اللاذقية ويتدهور وضعهم، في حين يتمتع أغنياؤها بنفوذ وقوة. 
يقول الموظف في مدينة جبلة عبد الله أبو الورد لـ"العربي الجديد": "ينتشر في الساحل السوري عمل جمع البلاستيك والمخلفات التي تباع لمعامل إعادة التدوير، ويمارسه كبار وصغار وحتى نساء، لكن الأطفال يشكلون العدد الأكبر، ربما لأن أجسادهم أنحف، ويملكون الحيوية المطلوبة لجرّ العربات والانتقال من مستوعب نفايات إلى آخر".

قضايا وناس
التحديثات الحية

يضيف: "بالطبع، السبب الرئيسي في انتشار هذا العمل هو الفقر، وقلة فرص الحصول على المال، وربما انعدامها، إضافة إلى وجود نازحين كثيرين، بعضهم بلا معيل أو سند. كما تراجع دور الجمعيات الخيرية في دعم المحتاجين، علماً أن لا مردود كبيراً للعمل في جمع مخلفات القمامة، لكنه يساهم في إعالة العاملين فيه، ويساعدهم في سد رمق الحاجة الأدنى إلى الغذاء على أقل تقدير".
ويلفت عبد الله إلى أن "غياب مؤسسات الدولة عن رعاية الأطفال وتسرّبهم من المدارس عززا انتشار هذا العمل"، معبراً عن حزنه على الواقع المستجد الذي "لم يكن أمراً مألوفاً قبل سنوات، لكن الحرب أنهكت الجميع".
ويواجه مزاولو هذا العمل ظروفاً صعبة، بينها ارتفاع درجة الحرارة في الصيف وانخفاضها الشديد في فصل الشتاء. ويتعرضون للإصابة بأمراض معدية خطرة بسبب البحث في القمامة عن مواد تمكن إعادة تدويرها، مثل مخلفات البلاستيك والكرتون. وهم قد ينقلون هذه الأمراض إلى عائلاتهم.
لم يتجاوز فاروق المقيم في مدينة جبلة جنوب اللاذقية، والذي يزاول هذا العمل، الـ16 من العمر. يقول لـ"العربي الجديد": "ما دفعني لهذا العمل هو غياب الفرص وعدم توفر مبلغ مالي يسمح لي بأن أفتح مشروعاً خاصاً. يعمل والدي في الإنشاءات، وأنا أساعده من خلال عملي في تأمين لوازم المنزل، علماً أن المردود اليومي لعملي لا يتجاوز 1000 ليرة سورية (30 سنتاً) يومياً، لكن تلبية مصاريف الحياة تجبرني على مزاولته، لذا آمل في أن أعثر على غيره في أقرب وقت".

الصورة
جمع النفايات يشمل أيضاً جمع الرصاص (عارف وتاد/ فرانس برس)
جمع النفايات يشمل أيضاً جمع الرصاص (عارف وتاد/ فرانس برس)

وعن أسلوبه في العمل، يوضح فاروق أنه يستعمل خطافاً صنعه من قضيب معدني، كي يستطيع تفحص الحاوية ويعرف ماذا يستطيع أن ينتشل منها، مشيراً إلى أنه يعمل غالباً بلا ارتداء قفازات لأن ثمنها مرتفع، ويعاني من الروائح الكريهة التي يجبر على تحملها لدى بحثه في الحاويات وتحريكها.
ويشرح: "بعد البحث والتنقيب، أجرّ العربة إلى حاوية ثانية، كي أعيد الكرّة مجدداً عبر قلب أكياس النايلون وجمع بقايا صحون مصنوعة من كرتون، وعبوات بلاستيك. أحياناً أفكر أن ما قد ينقذني من الفقر هو العثور على كنز أو مبلغ مالي ضخم موضوع في حقيبة توجد أسفل الحاوية، ثم أقول في نفسي إنها مجرد أحلام لا أكثر". 
لا شك في أن معظم العاملين في جمع النفايات من أبناء أحياء فقيرة في مدينتي اللاذقية وجبلة. ويحدد الناشط الإعلامي حسام جبلاوي لـ"العربي الجديد" أن المناطق الشعبية الفقيرة في جبلة هي حي الفيض الشعبي الذي يقع جنوبها وتسكنه غالبية من النازحين والفقراء، وحي الصليبة. أما في مدينة اللاذقية، فهناك حي الرمل الجنوبي الفقير جداً وحي الطابيات.
ويؤكد جبلاوي أن الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 13 و17 عاماً يشكلون القسم الأكبر من ممارسي هذا العمل، في وقت يواجهون قلة فرص العمل في مهن أخرى، قد لا تمنحهم أيضاً دخلاً أفضل بسبب عمرهم الصغير الذي يحتم دفع أجور قليلة لهم لا تسمح بتوفيرهم المساعدات المطلوبة لعائلاتهم. 
ويشير إلى أن "المدارس والمسؤولين في محافظة اللاذقية لا يسألون عن الأطفال المتسربين ولا يتابعون أحوالهم وأوضاعهم، في حين أن العمل في جمع القمامة قد يساعد الأطفال الفقراء، لأنهم يزاولونه قرب مناطقهم حيث تتوافر معامل لإعادة التدوير التي تأخذ ما يجمعونه. لكن هذا الواقع يفقد الأطفال الحق في التعليم، علماً أن دفعهم العربات للعمل يتسبب في أوجاع وإصابات جسدية لهم قد تصبح دائمة، لأن هذا العمل لا يتناسب مع أعمارهم. ولا بدّ من الإشارة أيضاً إلى أن هذا العمل ذو تأثير سلبي اجتماعي كبير باعتباره غير منتشر كثيراً في سورية. من هنا، ينظر إلى العاملين نظرة تمييزية، ما يترك أثراً نفسياً بالغاً لدى الأطفال، ويؤثر في مستقبلهم".

ويشير جبلاوي إلى أنه "إضافة إلى هذا العمل المرتبط بالفقر الشديد، ينتشر في أسواق الفواكه والخضار أطفال يحملون صناديق لجمع بقايا الخضار والفواكه التالفة. وفي الساحل السوري، توجد نسبة كبيرة من النازحين الغرباء عن المنطقة، وبينهم أطفال فقدوا آباءهم أو معيلهم في الأسر، ما نقل هذا الدور إليهم".

المساهمون