النظرة إلى "الاستبداد" تتحكم باللقاح

النظرة إلى "الاستبداد" تتحكم باللقاح

17 اغسطس 2021
اشتباك مع معارضين للتطعيم في الولايات المتحدة الأميركية (دافيد ماكنيو/ فرانس برس)
+ الخط -

رغم الجهود الكبيرة التي تبذلها حكومات في العالم لحث مواطنيها على أخذ اللقاح ضد فيروس كورونا، لا تزال شريحة كبيرة غير مقتنعة بمواكبة حملات التطعيم، وتتمسك بفكرة أن قصة الفيروس واللقاح لا تندرج إلا في إطار نظرية المؤامرة
ويلفت مقال رأي كتبته نسرين مالك في صحيفة "ذي غارديان" البريطانية إلى أن "نظرية المؤامرة ليست حكراً على دولة معينة، أو جمهور محدد، بل تشمل دولاً عدة، ما يشير إلى حال من انعدام الثقة بين الجمهور والحكومات يتعدى مدينة أو منطقة أو إقليماً. كما أن الحديث عن نظرية المؤامرة قد لا يقتصر على المناطق الحضرية، بل يمتد إلى أخرى لا تتمتع بأي من أشكال التنمية، ولا توفر حتى أية إمكانات لوصول قسم كبير من الناس إلى الإنترنت أو التلفزيون للاستماع إلى مروجي هذه النظريات.
تكتب مالك أن "الناس يثقون تقريباً في أي مصادر معلومات بخلاف تلك الحكومية، لأنهم ينظرون إلى السلطات باعتبارها مجرد أداة تسلط وعقاب". تتابع: "في مسقط رأسي بالسودان، جرى تطعيم أقل من نسبة واحد في المائة من عدد السكان بالكامل، لأنهم لم يقتنعوا بمجانية منح اللقاح، أو حتى بفاعليته. وهم يسألون بالتالي لماذا توزع الحكومة اللقاح مجاناً. وما هدف ذلك، ما يعني أن التشكيك بعمل الحكومة يمنع السكان من أخذ اللقاح".

وتتكرر القصة نفسها في بلدان أفريقية أخرى عانت لسنوات طويلة من التهميش، وبات لا يمكن إقناع شعوبها فجأة بأن الدول الغربية تسعى إلى تقديم اللقاح مجاناً لها بلا مقابل. 
وتروي مالك في مقالها أن أفراداً من أسرتها رفضوا الحصول على اللقاح لدى إرسال الدفعة الأولى التي تبرعت بها دول للسودان في وقت سابق من العام الجاري، "إذ اعتبروا أن التطعيم قد يتسبب في موتهم، لأنه بلا فاعلية لتوفير مناعة مناسبة ضد الإصابة بالوباء ومكافحته من جهة، ومن جهة أخرى، لأن الحكومات الغربية تريد التخلص من هذه اللقاحات عبر إرسالها إلى السودان".

الصورة
الفرنسيون رفعوا شعار الحرية (آلان بيتون/ Getty)
الفرنسيون رفعوا شعار الحرية (آلان بيتون/ Getty)

وتوضح مالك أنها فشلت في إقناع عائلتها بأهمية اللقاح، إذ اصطدمت بعقبة السيناريو الأسوأ المتمثل في عدم قناعة الناس بفاعليته، وأن لا داعي بالتالي لإعطاء مسألة أخذه أكثر من حجمها. لكنها تستدرك بأن "رفض السكان تناول اللقاح سلوك غير عقلاني رغم أنه واقع يفرض نفسه على الأرض". تتابع أن "الدول ذات الحكم الاستبدادي تعاني من الفساد والرشوة والمحسوبية. وإذا وجدت الخدمات الطبية فقد تكون المستشفيات الخاصة حكراً على السياسيين والموالين لهم، ولا يمكن لعامة الناس دخولها والإفادة من الخدمات التي تقدمها، ولو كانت حالاتهم ملحة وتستدعي تدخلاً طبياً عاجلاً".
وتلفت مالك إلى أن "سكان دول عدة يرون أن المسؤولين يتحدثون عادة إلى الجمهور لتوبيخهم، أو نشر أفكار معينة تخدم بالدرجة الأولى مصالحهم في الحكم وتحقق رغباتهم في توسيع سيطرتهم ونفوذهم، وبالتالي، كيف يمكن أن يثق هؤلاء بعمليات التلقيح وفوائدها على صعيد إكسابهم مناعة مهمة في مواجهة فيروس خطر جداً حصد أرواح الملايين في العالم. وعلى سبيل المثال، اعتقلت السلطات المصرية أطباء عارضوا رواياتها عن الوباء، في حين لم تتخذ أي إجراء لمعالجة مشكلة نفاد مخزون مادة الأوكسجين في وحدات العناية المركزة بمستشفيات في القاهرة".

وتختم مالك مقالها بأن "إقناع شخص بأن توفير لقاحات مجانية وذات فعالية أمر صعب جداً، وقد يكون استثناءً حقيقياً استناداً إلى سلوك حكومات مع شعوبها، فقد اعتادت شعوب عدة على التعايش والتأقلم مع فكرة أن الأنظمة السياسية في دولها تستغلها لتحقيق غاياتها الاستبدادية".

المساهمون