النبطية ترفع غبار الحرب... مقدرات مفقودة وآمال محطمة

23 ديسمبر 2024
شارع في النبطية بعد إعلان وقف إطلاق النار، 30 نوفمبر 2024 (فضل عيتاني/Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تعاني مدينة النبطية من دمار شامل أثر على الأرواح والمباني والسوق التاريخي، مما أدى إلى فقدان السكان لممتلكاتهم وذكرياتهم، مثل الشاب عباس قهماز الذي يواجه صعوبات مالية كبيرة.
- يعبر أصحاب المحال التجارية مثل فاطمة نعمة وزوجها محمد عفيف عن خيبة أملهم بعد تدمير استثماراتهم، بينما يطالب وسيم غندور بإعادة إعمار المدينة مع الحفاظ على تراثها.
- يواجه السكان تحديات كبيرة، مثل استغلال قانون الإيجارات وتجدد الحرب، حيث يحاول الوافدون مثل علي صادق وندين دحنون إعادة بناء حياتهم بعد خسائر كبيرة.

لا تقتصر خسارة أهالي مدينة النبطية على الأرواح والمباني والمحلات التجارية، بل تشمل السوق التاريخي العريق الذي دمرته إسرائيل بالكامل. ومن تمثال حسن كامل الصباح إلى ساحة النبطية وشارع محمود فقيه، يتأثر كل شخص يمر بمشاهد الدمار وتنهال الدموع لدى استرجاع الذكريات. 
على ركام مبنى مدمر يجلس الشاب عباس قهماز، ويقول لـ"العربي الجديد": "أجلس على ركام مصالحي التجارية. أملك قهوة صغيرة ومغسلاً للسيارات ومحلاً لتحويل الأموال. نزحنا إلى شمالي لبنان خلال العدوان، ولم أستطع إعادة عائلتي إلى المدينة لأن أضراراً كبيرة لحقت بالمنزل، ولا أملك القدرة على إجراء إصلاحات، كما لم أستطع تسجيل أطفالي في المدرسة لأني غير قادر على دفع الأقساط بعدما أنفقت كل مدخراتي خلال فترة النزوح".
من جهتها تبكي فاطمة نعمة، على مشهد تضرر المتجر الذي أسسته مع زوجها بعد عودتهما من الولايات المتحدة في عام 2017، وتقول: "هذا مشهد نكبة وقهر. خسرنا رزق العمر، وتحطمت آمالنا". ويقول زوجها محمد عفيف: "كلّف مشروعنا نحو 500 ألف دولار، وكان يساهم في عيش خمس عائلات. يبدو أننا سنكمل حياتنا بعد الحرب بتناول أدوية الأعصاب. تركت الغربة بعد 22 عاماً كي نؤسس عملاً في النبطية ونربي أطفالنا في لبنان. ربما تعيدنا هذه الحرب إلى الغربة. نحتاج إلى دعم في حين لم يسأل أحد عن أحوالنا، وبدأ الاستغلال المادي عبر رفع الأسعار، بينما لا أزال أسدد الأقساط الشهرية للمنزل الذي اشتريته قبل سنوات". 
ويقول جمال الصبوري لـ"العربي الجديد": "المدينة كلها حزينة. محطة الوقود التي أملكها في وسط النبطية سوّيت بالأرض. عمرها 65 سنة، وحالياً أنفذ أعمال رفع الركام على نفقتي الخاصة". 
ويشير وسيم غندور لـ"العربي الجديد"، إلى أن "إسرائيل دمّرت تاريخ النبطية، والآن وقت إعادة الحياة إلى المدينة، ويجب أن يتعاون الجميع، لكني أتخوف أن تحصل إعادة الإعمار بطريقة تجارية لا تراعي العمران التاريخي. يجب الاستعانة بمستشارين من التنظيم المدني للحفاظ على تراث المدينة، وتجنب البناء العشوائي. غياب دور الدولة وصمة عار". 
على أنقاض مكتبة حجازي في الوسط التجاري بالنبطية، يلملم العم حجازي ما تبقى من كتب وروايات ظهرت بين الركام. ويقول: "عمر مكتبتي 70 عاماً، وتحتوي على كتب نادرة. حالنا مزرية، وقد يشفق علينا البعض في حين لم نعتد أن نشحذ، لكننا لا نستطيع البدء من جديد وحدنا، فهل سيأتي أحد للسؤال عن أحوالنا وتعويضنا؟". 

دمار كبير في النبطية، 30 نوفمبر 2024 (فضل عيتاني/ Getty)
دمار كبير في النبطية، 30 نوفمبر 2024 (فضل عيتاني/Getty)

يقف العديد من أصحاب المحال أمام الدمار. يلقون التحية على المارة ويواسون بعضهم البعض. ويبدي محمد الأمين الذي يملك محل حلويات لـ"العربي الجديد"، قلقه من "احتمال استغلال قانون الإيجارات، وانقضاض أصحاب الأملاك على أرزاق بنيناها على امتداد سنوات، وأن يبيعوا الأماكن ويحولوها إلى مشاريع لا تتلاءم مع تاريخ وتراث المدينة. محلي تعتاش منه 15 عائلة، ونحاول ألا نفقد الموظفين الذين يعملون معنا منذ سنوات، إذ نشعر بأننا مسؤولون تجاههم". 
وتتحدث والدة الأمين بحسرة عن فقدان جنى عمر العائلة، وتقول: "لا يقتصر عملنا على الحلويات فلدينا العديد من المحال التجارية. عائلتنا لا تعرف سوى العمل في التجارة، والنبطية يمكن وصف حالها بأنها مبكية. لا أزال مرعوبة من تجدد الحرب، لذا لم نترك المنزل الذي نزحنا إليه في جزين، ولا نزال ندفع أجرته، فلدي أحفاد أخاف عليهم". 
في شارع الراهبات، خسر العديد من أبناء الحي محال تجارية وبيوتاً كما تضررت المدرسة ما يمنع عودة التلاميذ إليها. يقول يحيى بدر الدين: "تدمّر منزلي بالكامل، ونزحت عائلتي إلى سورية، ثم عادت بعد توقف الحرب، وقد استأجرنا منزلاً جديداً في منطقة حاروف. محالي الخمسة سويت بالأرض، ولم أرسل منذ شهرين أموالاً لابني الذي يدرس في الخارج من أجل دفع مستحقاته الجامعية ومصاريف السكن والأكل. حتى اليوم لم يأتِ أحد ليقول لنا الحمد لله على السلامة، وقد أصلحت منزلي على نفقتي الخاصة". 

ويعيش في مدينة النبطية وافدون من الجنوب. من بينهم علي صادق الذي نزح من بلدة الخيام، وأسس عيادته المتخصصة في التغذية، واشترى منزلاً في المدينة. يقول لـ"العربي الجديد": "اختبرت كل أنواع النزوح، ولا أعرف حتى اليوم مصير منزلي في الخيام. اعتقدت أن النبطية ستكون آمنة، ثم نزحت في سبتمبر/ أيلول الماضي مجدداً إلى بيروت، حيث عشت ظروفاً صعبة. خسرت منزلي وتضررت عيادتي في النبطية، ولا أعلم من أين أبدأ، وكيف أؤسس حياتي ومستقبلي من جديد؟ وهل سأملك القدرة المادية على تغطية الأضرار؟". 
من جهتها، تنهمك ندين دحنون في تنظيف منزلها، ومحاولة إصلاح ما تبقى من أثاث، وتؤكد أنها نجت من غارة استهدفت محيط منزلها، ثم عادت إليه في الأيام الأولى لوقف إطلاق النار، ونامت داخله رغم أنه كان مليئاً بالزجاج وبلا كهرباء.

المساهمون