المياه المعبأة تهدد صحة الليبيين

المياه المعبأة تهدد صحة الليبيين

02 نوفمبر 2020
متوفرة بأشكال مختلفة في المتاجر (محمود تركية/ فرانس برس)
+ الخط -

حذر خبراء ليبيون من الاستهلاك الواسع لمياه الشرب المعبأة في قوارير بلاستيكية وزجاجية، في ظل تراجع الرقابة الرسمية على مصانع إنتاجها، مع وجود مؤشرات حول احتوائها على مواد لا تسمح بها الضوابط والقوانين ما يعرض صحة المواطن للخطر.
وتغرق المحال التجارية بعشرات من العلامات التجارية لمياه الشرب المعبأة "من دون الأخذ بالمعايير القياسية المعتمدة من الجهات الحكومية" بحسب الباحث محسن سلامة. ويذهب الأكاديمي المتخصص في علوم التغذية، الى أبعد من ذلك، متهماً السلطات بـ"عدم تطوير المواصفات القياسية الخاصة بمياه الشرب المعبأة" مشيراً إلى أنّ مشروع تطوير المواصفات ما زال محفوظاً في الأدراج، بالرغم من جهوزيته منذ عام 2016".

قضايا وناس
التحديثات الحية

ومنذ نوفمبر 2017، حذرت بلدية العاصمة طرابلس، من مخاطر استهلاك مياه الشرب المعبأة، كاشفة عن نتائج تحاليل بعض العينات من مياه الشرب المعبأة ومياه الآبار، أجريت في مختبر تحليل المياه بمقر البلدية. وأكدت نتائجها أنّ ثلاث عينات من أصل ثماني عشرة من المياه المعبأة غير مطابقة للمواصفات، كما أكدت أنّها أحالت النتائج إلى جهاز الحرس البلدي، لاتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة كافة. لكنّ عبد الفتاح الباشا، المسؤول في جهاز الحرس البلدي، يعزو عجز السلطات عن الحدّ من هذه التجاوزات بالأوضاع الامنية والانقسامات التي تعانيها البلاد، مشيراً إلى أنّ بعض مصانع المياه الكبرى تعمل في أراضٍ خارج سيطرة حكومة الوفاق المعترف بها دولياً. ويلفت الباشا "العربي الجديد" إلى أنّ حملات التوعية والتحذير من مخاطر المياه المعبأة التي تنفذها جهات تطوعية أو رسمية لا تلقى تجاوباً بسبب أزمة المياه التي تعانيها البلاد.
في المقابل، يرى طارق مناع، وهو من سكان طرابلس، في كلام المسؤول بالحرس البلدي "تهرباً من المسؤولية، فلا يمكن لمواطن أن يرمي بنفسه للمرض والخطر". ويشرح مناع أسباب اعتراضه بالقول لـ"العربي الجديد": "على الجهات المعنية تحديد أسماء العلامات التجارية المحظورة حتى يمكنني كمواطن مقاطعتها، لكنّ التحذير بشكل عام يفقده مصداقيته الرسمية".
يتفق سلامة مع أسباب اعتراض هذا المواطن، لكنّه يؤكد من جانب آخر على عدم وجود وعي لدى المواطن الذي يقبل على استهلاك مياه تُطرح في المحال، مؤكداً أنّ أغلب المطروح للاستهلاك لا تتوفر فيه المطابقة الرسمية للمواصفات بالرغم من حصول معظمه على تراخيص رسمية. ويلفت سلامة، في إطار اهتمامه بقضية تلوث المياه في البلاد، إلى أنّ السلطات لم تعتمد حتى الآن مشروع المواصفات الجديد المعدّ منذ عام 2016 وأعلن عنه في ندوة رسمية شارك فيها عدد كبير من الخبراء، لتبقى التراخيص الممنوحة معتمدة على مواصفات قديمة وتعتريها هي الأخرى تجاوزات. وبتفصيل أكثر، يقول إنّ "المختبرات الرسمية التي من الضروري أن تعتمد الموافقات الرسمية على أساسها، متوقفة عن العمل منذ سنوات طويلة، وبالتالي يجري الاعتماد على مختبرات خاصة معظمها لا يختبر الجانب البيولوجي ويتوقف فقد عند الجانب الكيميائي". ويؤكد أنّ بيان بلدية طرابلس عام 2017 اعتمد على تحاليل مختبرات خاصة تقتصر على التحليل الكيميائي فقط. بدوره، يؤكد مناع أنّه شاهد مواد راسبة واضحة بالعين المجردة داخل عبوات البلاستيك الكبيرة للمياه المعبأة، كما يؤكد أنّ درجة الحرارة المرتفعة في فصل الصيف تؤثر بشكل مباشر على عبوة البلاستيك وتغير من طعم الماء فيها.
يتحدث سلامة عن تجاوزات كبيرة رصدها أثناء بحوثه الميدانية داخل مصانع المياه خلال مراحل التصنيع التي تجري من دون أيّ رقابة، موضحا أنّها "تبدأ من مرحلة الفلترة لتصفية المياه الجوفية من شوائبها، مروراً بمرحلة التعقيم التي تتم عادة بأشعة لا يتوفر حدّ المسموح فيها والممنوع لدى أغلب المصانع، أما أهم المراحل وهي مرحلة التعبئة فتجري في الغالب من قبل عمال لا يمتلكون بالضرورة سجلاً طبياً نظيفاً.

حول مضاعفات تجاوزات مصانع المياه المعبأة على صحة المواطن تؤكد الطبيبة عائشة الصغير، أنّ مخاطر وجود  جزيئات بلاستيكية في مياه الشرب مشكلة تتجاوز البلاد فهي مشكلة عالمية ناقشتها دول عدة، لكنّها تؤكد على  خطر النقص الحاد في أملاح المياه المعبأة على صحة الإنسان. وتقول الصغير لـ"العربي الجديد" إنّ "نقص الأملاح مضرّ بالأجنة بالدرجة الأولى، فظاهرة نقص الأملاح لدى المواليد الجدد يمكن رصدها بوضوح في السنوات الماضية". وتقول إنّ "الماء إذا لم يتوفر على أملاح لإذابتها فسيضطر لإذابة الأملاح في جسم المستهلك وسيؤدي إلى نتائج ضارة جداً بمرور الوقت". لكنّها تلفت إلى مخاطر قريبة بسبب اعتماد أغلب مصانع المياه المعبأة على المياه الجوفية التي تأكد تلوثها بشكل كبير بالمخلفات الصناعية والمواد الصلبة ومياه الصرف الصحي.