الموقد بديل عن الغاز في مناطق النظام السوري

الموقد بديل عن الغاز في مناطق النظام السوري

19 نوفمبر 2020
اضطرت إلى هذا البديل منذ أيام الحصار (سامر بويضاني/ Getty)
+ الخط -

الغاز وحده لا يكفي للطبخ في مناطق النظام السوري، فالحصة المقدمة تنفد سريعاً، فيلجأ السكان إلى بدائل منها الموقد

تجهز أم أحمد الأعواد الجافة والأخشاب التي جمعتها بالقرب من الموقد الذي صنعته من الطين في فسحة دارها، للطبخ لأطفالها وزوجها، مستغلة فترة قبل الظهر لتنجز أعمالاً أخرى عندما يعود التيار الكهربائي. هناك أسباب تدفعها مراراً لاستخدام الموقد، كما تقول ربة المنزل المقيمة في منطقة الحولة شمالي حمص، لـ"العربي الجديد"، ومن هذه الأسباب نفاد الغاز لديها قبل أيام ولا يمكن الحصول على أسطوانة أخرى إلا بعد انقضاء شهرين على اليوم الذي نالت فيه العائلة حصتها. غالباً ما يساعدها أحد الأطفال في الطبخ كما تقول، وتوضح أنّ البطاقة الذكية، أو كما تسميها "البطاقة الغبية"، كانت كارثة عليها وعلى عائلتها، كون أسطوانة الغاز التي تحصل عليها بالكاد تكفي شهراً واحداً. والبطاقة تابعة لمنظومة دعم خاصة بالعائلات في مناطق النظام السوري، في ظلّ الأزمة الاقتصادية الكبيرة. وتقول أم أحمد لـ"العربي الجديد": "خلال فترة الحصار، كنا نعيش كلّ الأزمات باعتبارها واقعاً مفروضاً علينا، لكنّ الواقع حينها كان أفضل من الوقت الحالي، إذ كنا نستغل فترة توفر الكهرباء، فنطهو الطعام خلالها، أما في هذه الأيام فتتوفر الكهرباء في المنطقة ساعة وينقطع تيارها ثلاث ساعات، فلا تفيدنا بشيء. وهو ما اضطرنا للعودة إلى الموقد وما فيه من شحار (سخام) وإلى الدخان الذي يعمي العيون، وصار الموقد جزءاً من حياة المعاناة التي نعيشها".

يعيش السكان في مناطق سيطرة النظام السوري تحت وطأة العديد من الأزمات، ويعانون من الاستغلال، فالمدة المخصصة لأسطوانة غاز منزلي واحدة لكلّ عائلة والتي تبلغ شهرين هي مدة طويلة جداً، إذ لا يمكن للغاز أن يدوم فيها. ومن جهة أخرى، هناك تجار يبيعون الأسطوانات في السوق السوداء، بأسعار باهظة، تجعلها متاحة فقط لفئة محددة من السكان. يقول عيسى (41 عاماً): "في العاصمة دمشق، لا يختلف حال السكان عن باقي المناطق، فأسطوانة الغاز بالكاد تكفي، نستخدمها للأغراض الضرورية فقط كإعداد الشاي والقهوة وخلال تحضير الفطور صباحاً، وفي حال وصل التيار الكهربائي نحاول أن   نقتصد في ما لدينا من غاز". يضيف عيسى لـ"العربي الجديد": "الأسطوانة عندما تنتهي، يبقى وزنها ثقيلاً والسبب أنّ نصفها مياه آسنة، ففي إحدى المرات جربت أن أفتح الأسطوانة بعد قلبها وبالفعل خرج منها ماء قاتم اللون رائحته كريهة. عرفت حينها سبب نفاد الأسطوانة السريع. لو كنت أسكن في طابق أرضي فيه مساحة أمامية، لكان الأمر أسهل علينا، إذ سنتمكن عندها من طهو الطعام على الموقد، لكن، حتى الموقد غير متاح بالنسبة لنا". ويتساءل عيسى عن طول المدة التي ستمرّ على هذه الحال مع عائلته، خاتماً حديثه بعبارة: "أصبحنا كسوريين مبدعين في التوفير والاقتصاد وتدبر البدائل، ولا يمكن لأحد منافستنا".
ويلجأ السكان في المدن مثل دمشق إلى توفيق وقت الطبخ مع فترة التغذية الكهرائية، خصوصاً في الفترة الحالية، كما يقول مصعب أبو فادي لـ"العربي الجديد"، موضحاً أنّه يقيم في دمشق بحكم عمله. ويتابع أبو فادي: "في المدن كدمشق لا مكان للموقد، لذلك فالبديل هو جهاز الطباخ الكهربائي، وهكذا نستغل توفر الكهرباء ونطهو الطعام باستخدامه. أحياناً، أزور أهلي في مدينة السويداء، وهم أيضاً يعتمدون الطريقة نفسها، وبالنسبة لأقاربي في ريف السويداء، فإنّ لديهم مواقد يعتمدون عليها بشكل رئيسي في إعداد الطعام، وهي البديل الفعلي، لأنّ التيار الكهربائي بالكاد يصل إلى ساعة، ثم ينقطع ثلاث ساعات، وهي مسألة مربكة".
على الخط نفسه، يشير مصدر مطلع من العاصمة دمشق، لـ"العربي الجديد" إلى أنّ النظام وحكومته يتخذان قرارات لا تمّت للواقع بصلة، إما بقصد الضغط على الناس أو لأنّ هناك انفصالاً عن الواقع لديهما. يتابع أنّ هناك حلولاً كثيرة يمكن من خلالها توفير وسائل طهو الطعام، منها تحديد ساعات التغذية الكهربائية في كلّ منطقة، ما يتيح للأهالي استغلالها. وتنظيف أسطوانات الغاز من الأوساخ المتراكمة فيها منذ سنوات، ومراعاة عدد أفراد كلّ عائلة في التوزيع بحسب نظام الحصص.
بالعودة إلى الحولة، فقد اعتادت بدرية على استخدام الموقد منذ بدء حصار المنطقة، أواخر عام 2012، إذ تقول لـ"العربي الجديد": "عندما كانت المنطقة محاصرة، نزحنا إلى بيت ليست فيه نوافذ أو أبواب، فعشنا فيه فترة، واعتدت الطهو على الموقد والخبز على الصاج، فقد تعلمت طريقة إعداد خبز الصاج من والدتي". تتابع: "منذ ذلك الحين، لم يتغيّر شيء، بل زادت الأمور سوءاً، فأنا الآن أسخّن ماء الاستحمام لأطفالي على الموقد، وأقلي البطاطا أيضاً عليه، فيما أستخدم أسطوانة الغاز فقط لإعداد الشاي والقهوة، وفي بعض الأوقات نلجأ للبابور (سخان يعمل على زيت الكاز، أو الكيروسين) فهو أيضاً منقذ لنا".

ولجأ الأهالي في المناطق التي حاصرتها قوات النظام لفترات طويلة، ومن بينها منطقة الحولة بريف حمص الشمالي، للطهو على المواقد، واستمروا على هذه الحال حتى بعد سيطرة النظام على المنطقة، ما يعني أنّ سيطرة النظام لم تحلّ الأزمات التي يعاني منها المواطنون، بل إنّها ما زالت تطوقهم وتزداد تفاقماً.

المساهمون