استمع إلى الملخص
- رغم مرور 22 سنة على ترسيم "تيفيناغ"، يستمر الجدل حول ملاءمته لتعليم الأمازيغية، لكن دراسة حديثة تشير إلى أنه لا يشكل عائقاً، مما يدعم موقف المدافعين عنه.
- تصريحات بعض قياديي الأحزاب حول اعتماد الحرف العربي أثارت تساؤلات حول مواقفهم السابقة، وتعتبر محاولة لتبرير فشل السياسات المتعلقة بتفعيل الأمازيغية.
يشهد المغرب سجالاً ليس جديداً على خلفية الدعوة إلى اعتماد الحرف العربي إلى جانب حرف "تيفيناغ" لضمان انتشار اللغة الأمازيغية وتعليمها للمغاربة، إذ يرى البعض أن الحرف يشكل عائقاً أمام تعلم الأمازيغية
عاد الجدال بشأن الطريقة التي تكتب بها اللغة الأمازيغية في المغرب، بعدما برزت بشكل لافت دعوة أحد قادة حزب الاستقلال المشارك في الائتلاف الحكومي الحالي إلى اعتماد الحرف العربي إلى جانب حرف "تيفيناغ" لضمان انتشار اللغة الأمازيغية وتعليمها للمغاربة. ويأتي هذا الجدال بالتزامن مع الاحتفال الرسمي بالسنة الأمازيغية بعد إقرارها لأول مرة العام الماضي، وتصاعد مطالب الحركة الأمازيغية بتسريع وتيرة النهوض باللغة الأمازيغية في مختلف مناحي الحياة العامة.
ورغم ترسيم حرف "تيفيناغ" لما يقارب 22 سنة، إلا أنه لا يزال حتى الساعة يثير الجدل بين من يدافع عن هذا الحرف ويُحمّل الدولة مسؤولية عدم تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية، وبين من يعتبر أن هذا الحرف يشكل عائقاً أمام تعلم اللغة الأمازيغية كون الأطفال المغاربة يجدون أنفسهم مضطرين، خلافاً لعموم أطفال العالم، إلى تعلم ثلاث لغات بثلاثة أحرف مختلفة.
ودعا القيادي في حزب الاستقلال المشارك في الحكومة الحالية نور الدين مضيان، خلال الحفل الافتتاحي للدورة الحادية عشرة من مهرجان "باشيخ" للسنة الأمازيغية، الذي تنظمه جمعية أمازيغ صنهاجة الريف بمدينة طنجة، إلى اعتماد الحرف العربي إلى جانب حرف "تيفيناغ" لضمان انتشار اللغة الأمازيغية وتعليمها للمغاربة، معتبراً أن اعتماد ذلك الحرف "سيضمن لكل المغاربة تعلمها مع الاحتفاظ بحرف "تيفيناغ"، لأن لذلك دلالات تاريخية. لكن من أجل تمكين المغاربة، لا بد من اعتماد الحرف العربي".
تابع: "المغاربة كلهم أمازيغ، وفي الوقت نفسه كلّهم عرب، بمعنى أنه ليس هناك دليل قاطع يؤكد أو يثبت أن هذا عربي أو أمازيغي مائة في المائة"، معتبراً أن سر قوة المغاربة يكمن في "اختلافنا واختلاف لساننا، لكننا متشبثون جميعاً بشعارات ومبادئ الوحدة وهي: الله الوطن الملك، وهذا ما يجمعنا".
و"تيفيناغ" أبجدية استخدمها الأمازيغ في منطقة شمال أفريقيا في عصور ما قبل الميلاد لكتابة لغتهم والتعبير عن طقوسهم وشعائرهم الدينية، واختفت لاحقاً قروناً طويلة فانحسر وجودها إلى الفضاء الثقافي والعرقي لشعب الطوارق في الصحراء الكبرى.
وفي فبراير 2003 توافق المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية ( مؤسسة حكومية) والملك محمد السادس والأحزاب السياسية على إقرار حرف "تيفيناغ" لكتابة الأمازيغية ليتم توقيع اتفاقية شراكة وتعاون بين المعهد ووزارة التربية الوطنية والتعليم العالي وتكوين الأطر والبحث العلمي آنذاك، تلاها دمج اللغة الأمازيغية في المدرسة العمومية بدءاً من السنة عينها.
حصل هذا الحرف على اعتراف دولي عام 2006 من قبل اتحاد "يونيكود"، بعد بذل فريق البحث في اللسانيات الأمازيغية بالمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، وفريق مهندسي المعلومات جهوداً كبيرة في العمل عليه لملاءمته مع مقتضيات الحاسوب والتعليم العصري.
وطوال السنوات الماضية، تفجر الجدال حول مدى ملاءمة حرف "تيفيناغ" لكتابة اللغة الأمازيغية، ودعوة بعض الأطراف إلى إعادة النظر في هذه المسألة بدعوى أن التلميذ المغربي يتعلم بثلاثة حروف (العربي، تيفيناغ، اللاتيني). غير أن نتائج دراسة حديثة قدمها المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية في فبراير/ شباط الماضي، أظهرت أن حرف "تيفيناغ" لا يشكل أي عائق أمام تعلم التلاميذ اللغة الأمازيغية.
وتعليقاً على دعوة القيادي الاستقلالي، قال رئيس العصبة الأمازيغية لحقوق الإنسان، بوبكر أونغير، إن "المغرب والمغاربة حسموا قرارهم في اعتماد حرف "تيفيناغ" حرفاً لتدريس ونشر اللغة الأمازيغية"، موضحاً أن هذا الاختيار المحسوم سلفاً من قبل المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية عبر التحكيم الملكي له تبرير علمي واضح، وهو أن "تيفيناغ" حرف أصيل قديم أثبتته الأبحاث العلمية الأثرية وكل الأبحاث اللسانية الرصينة.
وأوضح أونغير، في حديث لـ"العربي الجديد"، أنه "لا يعقل أن ندرس لغة أصلية مهددة بالاندثار بلغة أخرى بدعوى إمكانية نشرها بشكل كبير"، معتبراً أن ذلك القول مردود عليه بل هو موقف متجاوز نظراً لما قطعته الأمازيغية اليوم من خطوات أساسية، إذ إن الآلاف من الأطفال المغاربة اليوم يتقنون الأمازيغية قراءة وكتابة بالحرف الأمازيغي الأصيل. ورأى أن موقف القيادي الاستقلالي "مفارق للواقع وتجاوزته الوقائع خصوصاً أن القضية الأمازيغية أصبحت اليوم قضية تجمع جميع الشعوب المغاربية، وأصبح حرف تيفيناغ جامعاً موحداً".
وتابع متسائلاً: "كيف يمكن عزل الأمازيغ المغاربة عن أشقائهم المغاربيين؟ وهل يقبل القيادي الاستقلالي تعميم الدارجة المغربية من أجل تسهيل التواصل بين المغاربة، علماً أنها وبحسب الإحصاء السكاني الأخير يعرفها معظم المغاربة أم أنه يتبنى موقف إقصاء الأمازيغية من موقف إيديولوجي والسعي لاعتبارها لغة ثانوية، والهدف منها تحسين تدريس وتعلم العربية فقط أي للاستئناس؟".
من جهته، رأى الناشط الأمازيغي ورئيس مؤسسة درعة تافيلالت للعيش المشترك، عبد الواحد درويش، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن تصريح القيادي في حزب الاستقلال يتقاطع مع تصريح مماثل صدر في نفس الوقت لأمين عام حزب العدالة والتنمية عبد الإله بنكيران، معتبراً أن هذه التصريحات تطرح استفهامات عديدة وتعيد للأذهان مواقف الحزبين (حزب الاستقلال وحزب العدالة والتنمية) من الأمازيغية قبل تكريسها في دستور المملكة لغة رسمية عام 2011، وقبل ذلك في ما يسمى بـ "معركة حرف كتابة الأمازيغية" التي وقعت في 2003 بين من كان يساند الحرف العربي/الآرامي ومن كان يتمسك بالحرف اللاتيني قبل أن يصدر القرار التحكيمي الملكي الذي انتصر لحرف "تيفيناغ" حرفاً أصيلاً لكتابة اللغة الأمازيغية.
ولفت إلى أنه "بعد أكثر من 20 سنة، يحاول نفس الحزبين وعلى لسان قياديين معروفين بمواقفهم من الأمازيغية تبرير فشل السياسات العمومية المتعلقة بتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية، والتي أشرف عليها الحزبان طوال المدة التي كانا فيها في الحكومات المتعاقبة". وقال درويش إن المواقف التي عبر عنها كل من نور الدين مضيان وعبد الإله بنكيران لا تنتمي للزمن الدستوري الحالي الذي أقر الأمازيغية لغة رسمية، كما أنها مواقف تعاكس القرار التحكيمي الملكي الذي أقر تيفيناغ حرفا رسميا لكتابة الأمازيغية.