المغتربون السوريون... العودة أو الزيارة رهن الاستتباب الأمني

20 فبراير 2025
عناق بعد سنوات من الغياب في دمشق، 21 ديسمبر 2024 (كريس ماكراث/Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- يترقب السوريون في دول الاغتراب تحسن الأوضاع الأمنية والمعيشية في سورية، مع توقعات بعودة أعداد كبيرة من المغتربين خلال الصيف المقبل، لكن الأوضاع الأمنية والخدمات المدمرة تشكل عوائق كبيرة.

- اللاجئون السوريون في أوروبا ودول أخرى يفكرون في زيارة سورية بعد استقرار الأوضاع الأمنية، بينما يترقب رجال الأعمال القوانين التي تضمن أمان استثماراتهم.

- شهدت سورية عودة أكثر من مليون شخص منذ سقوط النظام، لكن الأوضاع الاقتصادية الصعبة والمخاوف الأمنية تدفع العديد للبحث عن فرص عمل خارج البلاد.

ينتظر المغتربون السوريون أينما حلوا استتباب الواقع الأمني في سورية للعودة أو الزيارة، ويرجحون أن يكون الصيف المقبل حافلاً بالعائدين

تتجه أنظار السوريين في دول الاغتراب والشتات إلى ما ستؤول إليه الأوضاع الأمنية والمعيشية في سورية، وسط توقعات بأن يكون صيف سورية المقبل مزدهراً بأعداد العائدين والزوار من المغتربين السوريين. 
وتشكل الأوضاع الأمنية الهاجس الأول والعائق الأهم أمام العودة والاستقرار في سورية مجدداً أو مجرد الزيارة، وما يتبعها من عوائق أخرى تتعلق بتأمين الخدمات والأوضاع المعيشية، وصولاً إلى البنية التحتية المدمرة في العديد من المناطق السورية. 
حمزة نصر، اللاجئ في هولندا منذ تسعة أعوام، يقول لـ العربي الجديد" إن نجاح الثورة السورية أزاح من أمام الشباب أهم عوائق العودة أو الزيارة، وهي الخدمة الإلزامية التي كانت سبباً للهجرة واللجوء، والخوف من الاعتقال والابتزاز وأعمال النهب والإذلال على الحواجز الأمنية والمعابر. ويؤكد أن هذا في حد ذاته سبب للتفكير في العودة أو الزيارات المتكررة على أقل تقدير. 
أما عن الاستقرار في سورية، يضيف نصر: "من المبكر الحسم في مثل هذه القرارات. لا تزال البلاد تعاني وضعاً اقتصادياً ومعيشياً سيئاً، وتنتشر فيها البطالة التي تهدد الاستقرار وتؤدي إلى تفشي أعمال السرقة والخطف والعنف بشكل كبير، وخصوصاً أن الأجهزة الأمنية لا تزال في طور التشكيل. والأصح في مثل هذا الواقع ألا يشكل المغتربون عبئاً إضافياً على البلاد، بل المطلوب الاستمرار في أماكن اللجوء والعمل والمساهمة في دعم الأسرة ريثما تستطيع الحكومة العمل على إيجاد حلول للأوضاع الأمنية والاقتصادية". 
وكانت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين قد بينت في مسح أجرته، ارتفاع نسبة اللاجئين السوريين الراغبين بالعودة إلى بلداتهم بعد سقوط النظام السابق، إلى 27% مقارنة بـ 1.7% قبل سقوط النظام. وأكدت أن أعدادا كبيرة من السوريين ما زالوا مترددين في اتخاذ قرار العودة أمام الاحتياجات الأساسية وسبل الاستقرار والتي لا تزال غير واضحة. 

من جهته، يقول محسن النعسان المقيم في ألمانيا، لـ "العربي الجديد": "لا يزال قرار العودة صعباً ومستحيلاً أحياناً، وخصوصاً بالنسبة لمعظم الأسر التي فقدت منازلها، ولم تعد تملك في سورية مأوى صالحا للعيش، أو مكانا يستقبلها، علماً أن حالها أفضل من مئات آلاف النازحين في المخيمات. ووجدت هذه العائلات والأفراد في دول اللجوء المأوى اللائق والخدمات الإنسانية التي كانت تفتقدها في سورية ولا تزال، مثل المياه والكهرباء والتدفئة، وحتى سبل العيش المناسبة والتعليم". 
يضيف: "معظم اللاجئين في دول أوروبا يفكرون بالزيارة بعد أن تستقر الأوضاع الأمنية وتتضح معالم الحكم الجديد، وتحديداً القضاء وما يضمن أمن وسلامة العائد. ولا يزال العديد من السوريين يخشون أعمال العنف والانتقام وخصوصاً في المناطق التي لا تزال تشهد أحداثاً امنية". 
مع هذا، يرى أن الصيف المقبل سيشهد توافداً ضخماً للسوريين بقصد الزيارة والاطلاع على ما آلت إليه البلاد، والأمر سيتوقف بطبيعة الحال على إنجازات الحكومة والقيادة الجديدة وقدرتها على تذليل الصعوبات وتهيئة الوضع المناسب. 
أما رجال الأعمال السوريون والمستثمرون في دول الاغتراب وحتى أصحاب رؤوس الأموال الصغيرة العاملون في دول الخليج العربي والسعودية، فلا يزالون يترقبون القوانين والتشريعات الصادرة عن الحكومة التي تحقق لاستثماراتهم الحد المناسب من الأمان والاستمرارية. 

حافلات وشاحنات تحمل نازحين سوريين عائدين إلى الديار، 10 فبراير 2025 (لؤي بشارة/فرانس برس)
حافلات وشاحنات تحمل نازحين سوريين عائدين إلى الديار، 10 فبراير 2025 (لؤي بشارة/فرانس برس)

عماد الدوارة المقيم في السعودية منذ أكثر من 35 عاماً، يتحدث لـ "العربي الجديد" عن زيارته القصيرة للبلاد عقب غياب قسري دام 15 عاماً عن سورية. زار عدداً من المدن بعد التحرير، واختلطت لديه المشاعر بين الفرح والقلق. ويقول إن أمام الحكومة الجديدة والشعب السوري الكثير من العمل لترميم الخراب الهائل الذي أحدثه النظام البائد. 
يضيف: "أكاد لا أصدق أن هذا البلد استطاع تجاوز شهرين من سقوط نظام الأسد من دون حرب أهلية، وبأقل ما يمكن من الحوادث الأمنية. وما أذهلني أن غالبية السوريين وبكل المكونات والاتجاهات الفكرية والعقائدية، يأملون في بداية جديدة ومصالحة وطنية ويسعون إلى السلم الأهلي رغم الجراح والشرخ الذي صنعه نظام الأسد الأب وأججه وعمقه الأسد الابن". 
أما التفكير في الاستثمار والاستقرار في سورية، "فيتطلب أرضية آمنة وتشريعات ضامنة، ومن المبكر التفكير في الأمر. لا تزال الحكومة المؤقتة تسعى إلى ضبط السلاح العشوائي والانفلات الأمني بحسب الأولويات، وأمامها عمل شاق لتأهيل البنية التحتية المناسبة للاستثمار والاستقرار، وهذا يتطلب تكاتفاً في الجهود بين السلطة والمجتمع، ويحتاج في حده الأدنى إلى أشهر طويلة وربما إلى أعوام". 

وتُظهر إحصائيات غير رسمية توافد أعداد كبيرة من الشبان السوريين للزيارة، وتحديداً أولئك الذين كانت الخدمة الإلزامية تمنعهم من دخول البلاد خلال فترة نظام الأسد. 
ويقول كريم جموّل، العامل في دولة الإمارات العربية المتحدة، لـ "العربي الجديد": "هناك أولويات وضرورات لا بد أن يعيها معظم السوريين، منها الحفاظ على السلم الأهلي بين مكونات الشعب السوري في الداخل. فهذا مفتاح الاستقرار وعودة السوريين والاستثمار والنهوض في البلاد". ويرى أن من واجبات الحكومة بعد ضبط الأمن وتشريع القوانين الناظمة للحياة العامة وتحقيق العدالة الانتقالية، تحفيز رأس المال السوري في دول الاغتراب والكفاءات العلمية والحرفية من أجل بناء قاعدة أعمال تمنح السوريين فرص عمل وتحثهم على الإنتاج، ما يحقق العيش الكريم والاستقرار. ولا يزال الشباب السوري يسعى للسفر والاغتراب بهدف تغيير الواقع الاقتصادي والمعيشي الصعب". 
يتابع جمّول أن "آلاف السوريين ممن وجدوا أنفسهم خارج الخدمة في الجيش والقوى الأمنية، أو ممن طاولتهم قرارات الفصل من مؤسسات الدولة، بدأوا جميعاً البحث عن فرص عمل خارج البلاد، وخصوصاً أولائك الذين يخشون الملاحقات الأمنية من النظام الحديد. وأخشى أن يشهد العالم نزوحاً سورياً آخر لا يقل خطورة عمّا سبقه من نزوح وهجرة خلال السنوات الماضية".                                                      وأعلنت الأمم المتحدة، أول من أمس الثلاثاء، عودة أكثر من مليون سوري، من بينهم 800 ألف نازح داخلي، و280 ألف لاجئ في الخارج، إلى ديارهم منذ سقوط بشار الأسد في الثامن من ديسمبر/ كانون الأول الماضي. وكتب المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، فيليبو غراندي، على "إكس": "منذ سقوط النظام في سورية، نقدر أن 280 ألف لاجئ سوري وأكثر من 800 ألف نازح عادوا إلى ديارهم".

المساهمون