استمع إلى الملخص
- الثقافة والمسرح في زمن الحرب: الحرب دفعت المسرح والفنون إلى الابتكار، حيث استغل الفنانون الفرصة لإعادة تعريف هويتهم الثقافية والفنية، مما أدى إلى ظهور أعمال جديدة تعكس الواقع اللبناني المعقد.
- التحولات الفكرية والاجتماعية: الحرب كانت محفزًا للتغيير الفكري والاجتماعي، حيث ساهمت في تحطيم الأفكار القديمة وإعادة تشكيل الوعي الجماعي، مما خلق بيئة ثقافية حيوية ومبتكرة.
(إلى داريو، كل شيء انعقد وارتبط بك. أنت الحاء، أنت الباء)
ثمة من يظن أن لا تذكُّر، أن لا قيامة في الحرب. لا شبه بين الحروب، ذلك أن الحرب الأهلية حرب شوارع، في حين أن الحروب بين الدول حروب جبهات. في الحالين، يظن من يظن، يظن رواة القصص ذات الغرابة، أن الحروب لا تستقر إلا في الملاجئ، ميادين لا توحي لا بالاسترخاء ولا بالثقافة، مخازن أسلحة، مدافن مقاتلين. هذا وجه من وجوه الحرب، لأن الحرب، لأن في الحرب لهفة البقاء. لن يتردد أحد في الدوران حول هذا المفهوم، من يموت ومن يبقى على قيد الحياة. بالبقاء حديث وافترار وتعرض للخطر يؤدي إلى وجود المعاضل ثم حلها بالطرق المباشرة. لم تجرّ الحرب أذيالها في الجمهورية اللبنانية فقط بل امتدّت على تغيرات وئيدة، امتدّت على تغيرات سريعة، وقدمت بدلاً من الحياة حيوات وهي تخصب الحياة بالإقتراب من خطوات ما حلم بها ناس الجمهورية. سقوط ما يعرفونه بصالح ما لا يعرفونه، ودفعهم بعيداً من التشابه، لأن في التشابه الموت. إذاك، أضحت المدارس الداخلية أكاديميات عسكرية. ثمة فاشي على هذا الطرف. ثمة ديمقراطي على الطرف الآخر. ما جمع من يقف على هذا الطرف وذاك ديمقراطية تراجيدية ذات علاقة بنيوية بما أراده الجمهور على الضفتين. الديمقراطية نظام صنع القرار لدى القوى السياسية، لا لدى الدولة. ذلك أن الحرب الأهلية ترجمت نفسها بسقوط الدولة واختفائها وسط القوى المتصارعة. حصص متساوية من السلطة، سلطة في المنطقة الشرقية، سلطة في المنطقة الغربية. أدى الإيقاع الناتج عن الحرب إلى تقديم الأفعال بمذاقات مختلفة، بالأخص في المنطقة الغربية، لأنها منطقة تعددية، لأنها منطقة تنوع، في حين لم تنفصل المنطقة الشرقية عن حقيقتها في تأكيد الصفاء الطائفي، ما وجد كامناً لا ظاهراً، خلال أعوام ما سبق الحرب.
إذاً، كل أفكار الإتصال تضحي متاحة في منطقة اللانسق الاجتماعي والسياسي بوجود الأحزاب والحركة الوطنية اللبنانية والمقاومة الفلسطينية. مجموعة لن تخطط، حين استنبطت وسائل التحدي المباشر في اكتشاف الأساليب الشخصية والعمومية، لحماية النفس مما رأته على الناحية الأخرى. خلقت الحرب ماهية العناصر الثقافية الجديدة من خلال الخروج على التحاليل الكيميائية القديمة. لأن الحرب لم تسمح بوجود العلاقة بين التحليل والعمليات، ذلك أن العمليات أخفت التحليل حتى وقعت نهايات العمليات. هكذا، اندفعت الثقافة إلى معانيها غير المتوقعة، في أيام أوسع، فكر أوسع، حياة أوسع، في رحلة البحث عن مخارج الفرد والجماعة من الذاكرة إلى الواقع ومن الواقع إلى الذاكرة الجديدة. إنها مرحلة تحدي الأمثلة. صوّب المسرحيون على المسرح كما لو أنهم يعرفون أن مصيرهم واحد. لا مشاعر تمضي أمام الذكرى. ذكرى الألم لا البهجة من تسلط طبقة على طبقات. لا علاقة للصراع الطبقي بالأمر. خروج من المناطق الرطبة إلى مناطق اللحم والدم. مناطق ساخنة، أشد سخونة من الجبهات العسكرية. قدرة على التدخل في الأحداث بالطريق إلى الإعتراف بسيادة المسرح الآخر. المسرح الجديد. لا مسرح منير أبو دبس ولا المسرح الثقافي من روى القصص وهو مبهور ومغوي بالتجربة الأوروبية والأميركية. حكي يدير الظهر للنفس. ما عاد الأمر من نصيب المسرحيين في المنطقة الغربية من بيروت لأنها لم تعد خاضعة لمجموعة الصور المكرسة من خلال المواد الملهمة القديمة. سقطت الأخيرة في العمل على البحث عن الهوية. هذا ما يسمى الاتصال المضغوط بالأهداف الحرة. نوع من التناقض الإيجابي، ذلك أن التناقض سمة من سمات الحروب الداخلية، تزيد الاحتمالات في الأعماق لا على السطوح. قصص معقدة لم ترَ في الحرب صور المنازلات وحدها. صوَّت الشعب في الشوارع بدون أدنى اهتمام بتشريع القوانين وإجراء المحاكمات. ديمقراطية تمثيلية مباشرة، لعب المسرح في تركيباتها دوره الريادي في فضاء من الحرية، بعيداً من إغراءات العروش، لأن العروش أضحت فارغة. فراغها من حرية كلية شقت مسارها من دون توقعات عاقلة. تغير في العقليات، تغير في السلوك، تغير في الممارسة. ما عاد البحر مساحة، أضحى البحر أفق البحر. لن تتكرر تلك المرحلة من الارتفاع. لا شيء يقف عند حد النظر. حسمت الوجوه غرباتها، بعد أن اتصلت باحات المنازل. ميزة أخرجت الفنانين والمثقفين من الأنماط الجاهزة إلى حركة التغيير الواسعة. خرجت التجارب الثقافية (في المسرح والسينما والفن التشكيلي والرواية والقص والشعر والنحت) على كل المصطلحات. المصطلحات المحددة للهويات، بغير معناها المعاصر.
حطّمت الحرب الكثير من الأفكار وحطمت مصابيح المسرح الأوروبي القديمة
أعطى الموت المعنى المختلف لكل الأشياء. لم ينفتح لبنان فجأة على العالم. علاقة لبنان بالعالم أشبه بعلاقة الجمهور بأشكال التعبير خلال مرحلة ما قبل الحرب الأهلية. استطاع الجمهور في تلك المرحلة أن يرى ما يراه بدون أن يراه في سيادة الأنماط القدرية. لا شيء سوى بيكت وبريشت ويونسكو واداموف. لا شيء إلا أصحاب المهنة في الفن. لم تعد المهنة أساساً في الانفجار المدوي في البلد، في الانفجار المدوي في المسرح، حيث بلغت التجارب مساراتها الجديدة في أرضها الجديدة. أرض خصبتها الحرب بكشفها طواطمها بأشد الطرق فضائحية. لا فنون جاهزة بعد في حركة الانسحاب من أحواض العالم، أحواض كونت التقاليد المسرحية. يزرع العالم تراب حدائقه واللبنانيون يسقونها. نشر المسرح كنشر العدوى. إنها نهاية هذا الأداء. خروج على دروس الهندسة بعد تورم اللبنانيين بها. وقوع في الدائرة، والدائرة لا تسمح بالابتكار لأنها الأكثر اكتمالاً. تبدأ بنفسها وتنتهي بها. لا مسرح باربا ولا نصوص تشيخوف. لا مسرح غروتوفسكي ولا نصوص ماياكوفسكي. لا مناهج جاهزة بعد، حتى من بروك. هذا ما قاد إلى أداء رائع في نشأة عشيرة مسرحية لا تذكر بالأسلاف. لا علاقة للأمر بتقوية الشوق أو تخفيفه من أجل التميز. خروج الطاقات المدفونة إلى وعودها الأخرى بعيداً من اللامبالاة القديمة. لم يخلُ الأمر من الفخاخ الجوهرية، كالوقوع في الأيديولوجيات، ما قفز المسرحيون من فوقها بعد لأنهم عرفوا أنها تلطخ وتعوق، لكنها لا تزيل الالتزام بالحياة الجديدة. حياة خطرة ولكنها حياة حرة. لن تمحو الفخاخ التفرد بالتفاعل مع الحرب من خلال المحيط. الأجهزة العصبية في أعلى اشتغالاتها، لن ينمحي شيء فيها لأنها الأصدق.
سقطت الفكرة التي تفيد بأن وراء العروض إنتاج العروض في الحرب الأهلية. أضحت التحدث إلى العالم بالألسنة الخاصة، مع فرق وأسماء. الحكواتي، السندباد، محترف المنارة المسرحي. توغلت تجارب الهواة في الواقع. قال من قال، وهم كثر، إن المتولد من خلال اللامبالاة يجعل المتولد أكثر قبحاً. قال روجيه عساف ويعقوب الشدراوي وزياد الرحباني ونضال الأشقر وفؤاد نعيم ورفيق علي أحمد ورئيف كرم وعادل فاخوري في المسرح لا في الشعر، مشهور مصطفى ونقولا دانيال وعادل شاهين وأحمد الزعزع وغيرهم، قالوا جميعهم إن اللغة من يحكي مع المتفرجين، لا تذاكر الأسلاف. عمليات لا علاقة لها بالجراحة. انتشرت فكرة الشفاء من الأمراض على الطرف الآخر بالخروج على الأصول القديمة، لأن اللغة لا تنتظر حتى ولو وجد بعض البشر الشر لدى البعض الآخر. هكذا وجدت الفرضيات الدراماتورجية الأخرى لدى كبار المخرجين في المنطقة الشرقية، من ريمون جبارة إلى أنطوان ولطيفة ملتقى وجلال خوري وشكيب خوري وجوزيف بو نصار، حتى أن الناقد تقدم ليهز المسرح والمسرحيين، ليهز المتفرجين. حرية المدينة وحرية المسرح. ركب المسرحيون سفنهم على الماء، ولكن بعيداً من جِلد المسرح في أوروبا وأميركا. حدث هذا منذ أواخر الخمسينيات وحتى أواخر الستينيات. ركوب سفن جاهزة. المسرح "جغل" المرحلة. أنيقٌ لا يقصد الزقاق ولا السوق ولا يقع بالحب الإصطناعي. ثم، قرعٌ على الأبواب وعلى الجدران. زحام المسرح يؤكد ذلك. سقط محفل الزهور القديم والعطوف الصاخب، إذ لم يصنع أولاد طبيعيين يراهم المسرح بمعتقداتهم. "جحا في القرى الأمامية" لجلال خوري واحدة من أشهر عائلة القروش المسرحية في الستينيات من القرن العشرين، ما عادت تستطيع أن تدفع تكاليف سكنها في حجرتها. مدمنة تغريب تعرت حين تحرك المسرح بعيداً من التغريب والتبعيد والواقعية الفجة والسوريالية. مجهزة بالأدوات لكنها غير مجهزة بالمسارات. مسرحية فقيرة لم يرها من رآها حبلى باستخدام فنون الخيال بعد الانفجار المدوي.
كلام المسرح في الحرب الاهلية كلام خاص موجه إلى كل متفرج، لا إلى الجمهور كتلةً عامة. بهذه الطريقة المتناقضة أضحت الأصول أصول مستقبل. حدث الانتقال نتيجة الغريزة الحاضرة في كلٍّ مهدد بالحرب. ذلك أن الأخيرة قدمت غرابة التأثير وغرابة الاستثناء. هكذا هرب روجيه عساف من المألوف، كمثال. شكل من أجيال مختبراته في محترف بيروت للمسرح وتجربته في عيناتا الجنوبية والمقاصد الصيدواية والمخيمات الفلسطينية تجربة الحكواتي بتفاعلها مع الواقع والمحيط. ثم، في ابتعادها عن بريشت الألماني ومنوشكين الفرنسية، في نوع من الإضطراب السحري بحيث أقام عروض الفرقة على تأدية وعود الحكواتي في السهرات الشعبية في القرى. تولد من الولادات القديمة. ما نقص سوى مأوى الروح. الحرب مأواها بدون الانتماء إلى فكرة تمجيد الحرب. إنها حاضرة، ما على المسرحي إلا اكتشاف طاقاته في صفائحها المدفونة، المرفوعة على صوت الرصاص والقذائف وهي تظهر من دون شكوك بعيداً من انعدام التكافؤ. قدم عساف في "الحكواتي" ثلاث مسرحيات. ثلاثة أعمال مسرحية هي "بالعبر والإبر"، "من حكايات العام ١٩٣٦"، "أيام الخيام". في الأخيرة ترجمة صوت القص الشعبي بعيداً من عطور الإيهام. شيء لا يقبل الترجمة ولا غربة المسرحي عن واقعه ومحيطه. لم يعد المسرح قارة مقدسة، وأضحى ألغازه الجذابة.
دلق كولونيا لبنانية الصنع على أشجار اصطناعية، أضحى شعاراً قديماً. لن يتكرر الاصطناع، إذ جعل المسرحيون من مغامراتهم على المنصات، مغامرات كبرى. السفن جاهزة، يتبعها الغاوون المسرحيون وهم مؤمنون بأشكالها المنجورة من جهودهم الإبداعية القائمة على ربط المعاني، معنى المسرح ومعنى الحياة. لا خرائط جاهزة، فالحواس ملكة المرحلة. تعاون لامباشر على إنقاذ السفن من شغب الحشائش، ومن المخاطر المحسوسة الأخرى، بأمل ألا يتجمد من استقلها إذا ما واجهت جبال جليد أو خطر المثلثات المائية. المسرح بيضة المرحلة. خرجت منها العصافير والنعام الملون. معركة حاسمة مع ما اعتبر تصالحاً مع المسرح/الوصية. قفزٌ فوق جري الأشياء بالكلمات الجاهزة. فن شعبي وفن اجتماعي. نقطة على السطر. مسرح شعبي ومسرح ثقافي. نقطة على السطر، من خلال الاصطدام بالمعتقدات القديمة. لا أشجار دردار، لأن شجر الدردار تشابه الشجرة بالأخرى، كما لو أن الشجرة بنية دلالية بحد ذاتها. انتهى زمن دفع الثمن العقائدي للمناهج المسرحية. إنه زمن المعنى ذي المغزى. معنى المعنى في حل تناقضات المعنى النهائي للحياة. لا وجود بعد للطرازات الأولية في المسرح. لا تطابق ولا مصوغات لا تقود سوى إلى الميراث. انتهى عهد استعمال المناهج الخرافية، ما أضحى خرافياً أمام العمارات الجديدة. انتهى واجب سداد الدين في التوتر بخلق الفرضيات الجديدة من التوتر. لكل مسرحي طريقة في قمة من التسلسل التكويني. بدا المسرح القديم في الحرب كنبتة كافرة، ذلك أن الحرب سلسلة لانهائية من فصول متنوعة المظاهر والظواهر. أفاد الكثيرون في الحرب من قراءة الفصول الباردة السالفة، من أجل كتابة الصفات المؤثرة الجديدة. وعيٌ جديدٌ عبر مقاربات طرقت أعلى أبواب اللغة المنتظرة. لغة مشهدية لم تنفق حضورها إلا على ما يستأهل الإنفاق. حياة الناس، فضاء الناس، تم إخراجها من أحيازها النطقية إلى أحياز نطقية تنشئ رؤية مقلوبة. أحياز تثري وتغير. سيَّل خدم المرحلة القديمة العناصر القديمة بالمسرحيات الجديدة بعيداً من التراتيل الحزينة. تراتيل تشكو كل وجود على الأرض. هكذا تحولت عناصر التغيير والتجديد والإثراء، في ستينيات القرن العشرين إلى سارية فكرة عظيمة بسقوط العمود الفقري القديم. عمود متكلس. تكلست بعض الفقرات أو ماتت المواد الحية بين بعض الفقرات، بحيث دق الوجع أصحابها، كما تدق الساعة القديمة على جدار رطب. رجال وحيدون يعبرون تحت الأشجار المبلولة بالشك، بعد أن أزرقت شرايينهم. بعد أن ترسبت بالدم كل العلامات الدالة على الخضوع الهادئ. ثم إن الحرب فضحت فقر الدم في تجارب مؤسسة، كتجربة منير أبو دبس، الكورالي في نوع من الإقليمية اليونانية البعيدة من فلسفات الاختلاف سوى في زمانها.
حطّمت الحرب الكثير من الأفكار. حطمت مصابيح المسرح الأوروبي القديمة وحررت الكثير من الأفكار، بحيث غمرتها بنور العقل. لم تحرر الحرب الآلهة بل صنعتها. عبرت الأمثلة كغرة ترقص على جبين صبية لم تخضع إلا لفكرة الاقتران بهدف أعلى، لا برجل. وجد روجيه عساف نفسه غريباً بين أبناء حيه القديم. هكذا، نجا بروحه وهو يصعد على وميضه في الجامعة اللبنانية ــ معهد الفنون الجميلة. لا عناصر سردية خطابية في كليات الفنون. سخرية من المواد القديمة. في السخرية كل أشكال التناقض على ما يقول شليغل. اشتعلت الجامعات في نسيجها المعقد بالمعاني الخفية. بقي بعض المسرحيين على شجرهم. شجر تفاح أسودَّ تفاحه من كثرة الشم. وجدوا وهم يتنفسون بصعوبة، وسط الأمواج العاتية، وجدوا وهم لا يزالون يسبحون في دواخل جماجمهم ذات النحو الرومنطيقي لا الاختلافي. لمَّا أن لا نجاة إلا بالخروج من الكتلة الصلبة إلى أرض بيت النار لكي يتطهروا بناره. لا تخبط بعد اليوم، حين خرج وجه الحرب بلا تردد ولا حيرة، متأججاً بالإصرار، من حجرة الجسد إلى الواقع، ساحة المعركة الجديدة.
انفجرت الحرب داخل كل حي. توحد البشر بدون تخبط على الانفتاح بعد التجلي، من داخل التجاويف البلدية، بقلوبهم الخالية من الخوف. رقص بعض المسرحيين حول شجرة النار الجديدة. اشتعلوا كما اشتعلت. وجدوا كلسان ناري لا يوفر لمحة من لمحات الحياة. تلك مرحلة لا تتكرر ولن تتكرر. قيامة لا تتكرر. أضحى الجمع كالنبات الغض، لا يبحث إلا عن النور، لا لكي يستقر فيه بل لكي يخرج من جنسه، لكي يخرج من درجات الجهل إلى أقصى درجات المعرفة. ترفع المسرحيون عن ما أنجزوه قافزين من وسط السكون العميق، فوق شموخ الهاوية، إلى الطريق الجديد. وإذ فعلوا، فتحوا فتحاً لم يحصل مفهوم سابق على أوضاعه. محاربة الحدود بالقوى المضيئة. طوّعت الحرب المادة، وطوع المسرحيون الحرب. هكذا أوجدوا المجال الجديد. قبول مجال أولاً، ثم العودة من النقطة هذه إلى التباين مع عمومية القبول بالدخول في إلغاء الزمن القديم وعموميات المكان فيه. بات بالإمكان الكلام الواسع الحر. وحين تتكلم الجمادات تحدث التحولات.