المخيم الأزرق شماليّ سورية: ذاكرة نزوح وندبة على جسد الوطن
استمع إلى الملخص
- يعيش أحمد عبد الرزاق المحمد، الذي فقد بصره بسبب غارة روسية، مع عائلته في المخيم، حيث يواجهون نقصاً في المساعدات، ويأملون في إعادة إعمار منزلهم المدمر في اللطامنة.
- رغم عودة بعض العائلات، لا تزال آلاف العائلات عالقة في المخيمات بسبب دمار المنازل، المخاطر الأمنية، وغياب البنى التحتية، حيث يعيش نحو مليوني نازح في شمال غربي سورية.
على الطريق الواصل بين إدلب ومعرة مصرين شمال غربيّ سورية، يمتد شريط من أشجار الزيتون يرافق المسافر من بدايته حتى نهايته. وعلى جانب هذا الطريق، قرب مدينة معرة مصرين، كانت تنتشر مئات الخيام في ما كان يُعرف بـ"المخيم الأزرق". لكن معظم قاطنيه عادوا إلى مدنهم وقراهم، تاركين وراءهم مشهداً مغايراً؛ تراباً أحمر تتوزع فوقه مستطيلات إسمنتية وبقايا طوب وخيام، كأنها ندبة على جسد الوطن خلّفتها الحرب.
في داخل هذا المكان، ما زالت بضع خيام متلاصقة قائمة، تتكئ على جدران من الطوب وبعض القماش المهترئ. في واحدة منها يعيش الشاب أحمد عبد الرزاق المحمد (25 عاماً) مع عائلته، الذي فقد بصره بسبب غارة جوية روسية.
ينحدر أحمد من قرية اللطامنة في ريف حماة الشمالي، ووفق ما أوضح لـ"العربي الجديد"، فقد بدأ حياة النزوح والتهجير مع عائلته مع بداية الثورة السورية، وتوزعت تنقلاتهم بين مراكز إيواء ومخيمات ومنازل بالأجرة، حسب الظروف المتوفرة آنذاك، حتى استقرت بهم الحياة في المخيم الأزرق منذ ست سنوات، وهي أطول فترة استقروا فيها في مكان واحد.
كان أحمد معافى تماماً حتى فجر 25 سبتمبر/أيلول 2017، حين تعرضت عائلته لغارة جوية في الساعة الثالثة فجراً شنها سلاح الجو الروسي على مدينة خان شيخون جنوبي إدلب، ففقد بصره، وقُتل صهره، وبُترت إحدى قدمي شقيقته، التي تعيش حالياً مع أحمد ووالديهما.
غادر معظم سكان المخيم، وبات المكان أشبه بخرابة موحشة، وانقطعت المساعدات تقريباً، واقتصرت على ربطة خبز يومياً لكل عائلة تقدمها إحدى المنظمات العاملة في المنطقة. لكن أحمد وعائلته لم يقرروا العودة حتى الآن، لأن منزلهم في قرية اللطامنة سُوِّي بالأرض بفعل قصف قوات الأسد خلال الحرب السورية. يقول أحمد: "آمل أن تتكفل أية منظمة بإعادة إعمار منزل القرية، ولكن إن لم يحصل هذا، فسنضطر إلى نقل هذه الخيام إلى مكان منزلنا المهدم في القرية، فقد أصبحت الحياة هنا أقسى من الأيام السابقة". مضيفاً: "فقدت بصري بسبب إجرام بشار الأسد وروسيا، لكنني سعيد جداً بالنصر وتحرير سورية، وخلال فترة النصر رُزقت أول طفلة، أطلقت عليها اسم شام".
رغم عودة الكثير من العائلات النازحة إلى مدنها وقراها خلال الأشهر القليلة الماضية، تعذرت مغادرة آلاف العائلات لمخيماتها، ليس فقط بسبب دمار منازلها، بل أيضاً بسبب استمرار مخاطر المخلفات الحربية، وغياب البنى التحتية والخدمات الأساسية، وارتفاع تكاليف البناء أو الترميم أو الاستئجار.
من ناحية أخرى، ضم شمال غربي سورية أعداداً كبيرة من النازحين في مخيماته المنظمة والعشوائية، التي وصل عددها إلى قرابة ألفي مخيم، تركز معظمها في المناطق الأكثر أمناً قرب الشريط الحدودي بين سورية وتركيا. وسكن في هذه المخيمات، وفق الإحصائيات الصادرة عن الفرق الإنسانية، ومنها فريق "منسقو استجابة سورية"، قرابة مليوني شخص، غادرت أعداد منهم عائدة إلى مدنها وبلداتها، بينما بقيت أعداد أخرى، لكنها تواجه شحاً في المساعدات الإنسانية وظروفاً معيشية صعبة.