المجالس المحلية... بدائل من الدولة الغائبة في الشمال السوري

المجالس المحلية... بدائل من الدولة الغائبة في الشمال السوري

27 مارس 2022
إعادة إعمار في الشمال السوري (عارف وتد/ فرانس برس)
+ الخط -

تؤدّي المجالس المحلية دوراً أساسياً في المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة في شمال سورية وشمال غربها، من خلال التنظيم العمراني والبنى التحتية والضبط المجتمعي، وترسّخ دورها كمؤسسات مجتمع مدني تتيح للمواطن المساهمة في دوره المجتمعي، وهي البديل الحقيقي المرن من مجالس البلديات والمدن التي كانت يديرها النظام قبل عام 2011.
عبدو أحمد صبرة، مدير المجلس المحلي في بلدة حربنوش بريف إدلب، يحكي لـ"العربي الجديد" عن المجالس المحلية ومهامها، موضحاً أنّ "دورها مهمّ جداً وضروري ومميّز إذ من شأنها أن تخفّف عن الأهالي، فيما تُعَدّ مرجعية رسمية لهم وللجهات الخارجية بالتعاون، وهي صلة وصل ما بين الوافدين إلى المنطقة والجهات الخارجية في ما يتعلّق بالإغاثة والخدمات وما شابه. وهي الأبرز من الناحية الخدمية، إذ هي شريان الحياة الذي يوفّر خدمات عديدة للمواطنين. ويقع على عاتق هذه المجالس تأمين مياه الشرب، ودعم الخبز إذا كان ذلك ممكناً كونه من المواد الأساسية، وتقديم خدمات النظافة وتوفير شبكات الصرف الصحي وإزالة النفايات، وكلّها من الأمور الضرورية". كذلك يشرف المجلس المحلي بحسب ما يبيّن صبرة على "التنظيم العمراني. ومنذ عام وحتى الآن، يُفعَّل المكتب الفني في المجالس، المسؤول عن مراقبة حركة البناء ومنع التجاوزات على الشوارع والأملاك العامة".

لكنّ صبرة يشير إلى "مشكلات تتلخّص بضعف الإمكانات وتوفّر المعدّات. فنحن نعمل اليوم بالمتاح. أحياناً، تكون لدينا أعطال من دون أن نملك إمكانية ودعماً مادياً لمعالجة الخلل في الأساس، فنلجأ إلى حلول مؤقتة لإدامة خدمة الناس والمستفيدين". ويؤكد صبرة أنّ "الإمكانات تحدّ من قدرة المجلس المحلي. فثمّة أعمال كثيرة منها تحسين الطرقات والأرصفة بالإضافة إلى مشاريع التنمية الصغيرة والاستثمارات كتشغيل الأيدي العاملة وتأمين فرص العمل لدعم سبل العيش، كلّها مرتبطة بالإمكانات المتوفّرة لدى المجلس. ويعيق التمويل كذلك العمل على التنظيم العمراني".
يضيف صبرة أنّ "المجلس المحلي أو البلدي يتحمّل مسؤولية وضع حساس ومهم هو الوضع الاجتماعي، خصوصاً بعد النزوح الكبير واستقرار المهجّرين في البلدة. فثمّة ثقافات متنوّعة واختلاف في الآراء والعادات والتقاليد. ويتوجّب على المهجّر كما على ابن البلدة أن يعودا إلى المجلس المحلي. وقد اضطلع المجلس بدور فعلي للحفاظ على القوانين وانضباط المجتمع قدر المستطاع من خلال الإرشادات والتعميمات على الغرف المشتركة ومحاولة حلّ المشكلات من دون تبعات. وفي مواقف كثيرة، لجأنا إلى الغرامات والعقوبات، على الرغم من أنّنا نفضّل تطبيقها بالقناعة".

الصورة
معالجة نفايات في الشمال السوري (محمد الرفاعي/ Getty)
رفع النفايات ومعالجتها من الخدمات التي تقدّمها المجالس المحلية (محمد الرفاعي/ Getty)

مهام بالجملة
من جهته، يوضح محمد رمضان عرب، رئيس المجلس المحلي في بلدة دارة عزة بريف حلب الغربي، لـ"العربي الجديد" أنّ "المجلس المحلي يركّز حالياً على الخدمات الأساسية، من خلال تجهيز شبكات الصرف الصحي وإزالة النفايات والمحافظة على نظافة المدينة، وتأمين مياه الشرب التي تمثّل مشكلة للسكان، والعمل على الطرقات، وتوفير دعم إغاثي. أمّا المشكلات
فكثيرة أبرزها ضعف المردود المادي، وقلّة عدد المنظمات العاملة على الأرض، والكلفة المادية الكبيرة لأيّ مشروع وعدم تناسبه مع الواردات، بالإضافة إلى غلاء الوقود اللازم لتشغيل الآليات".
ويشير عرب إلى أنّ "المجالس المحلية سهّلت سبل العيش على المواطنين من خلال تأمين الخدمات وبعض متطلبات الحياة. وفي حال توفّرت الإمكانات للمجالس المحلية، من الممكن أن تقدّم خدمات كثيرة بشكل أفضل، في مقدّمتها مياه الشرب،  فضلاً عن تحسّن أداء المجالس". ويشدّد عرب على أنّه "لا بدّ من دعم المجالس مادياً، للمساعدة في تقديم الخدمات للسكان، خصوصاً أنّ وضع المعيشة سيئ في المناطق غير الخاضعة لسيطرة النظام السوري، بسبب شحّ المال".
في سياق متصل، يقول الدكتور عصام جمعة، أمين عام المجلس المحلي في مدينة جرابلس، لـ"العربي الجديد" إنّ "المجالس المحلية تشكّلت في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة السورية لإدارتها وتقديم الخدمات بشكل جيد ومفيد للمجتمع". يضيف جمعة أنّه "من خلال تجربتنا في مجلس جرابلس، تمكنّا من إعادة هيكلة المؤسسات التي تعرّضت للتخريب والدمار، واستطعنا أن نفعّل التعليم بشكل أساسي وكذلك الخدمات الصحية، بالإضافة إلى إنشاء جهاز الشرطة والأمن العام لضبط الأمن في منطقتنا. وهذه الأمور كلها تمّت بتضافر جهود الفعاليات المدنية".
ويوضح جمعة أنّ "المنطقة اكتظت بالنازحين من مناطقهم، وهذا التهجير وهذه الموجات من النزوح شكّلا عبئاً كبيراً على المنطقة. لذا فإنّ التعاون ما بين المجلس المحلي والهلال الأحمر التركي ومنظمة آفاد (إدارة الكوارث والطوارئ التركية) والمنظمات الإنسانية أسهم في التغلّب على كثير من المصاعب، خصوصاً في تقديم الخدمات والمساعدات للنازحين في المخيّمات". ويتابع جمعة: "نحن كمجلس محلي عملنا على توثيق روابط الأخوّة والتعاون بين المهجّرين وأهل المنطقة الأصليين. وأكثر ما يهمّنا هو إيجاد فرص عمل للشباب، وذلك من خلال تنشيط الحركة الاقتصادية بدعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة". ويكمل جمعة "وبالتأكيد عملنا على موضوع الصرف الصحي وإعادة تعبيد الطرقات بالإسفلت ورصف بعضها بالحجارة، وأعدنا ربط المياه الصالحة للشرب بالشبكة، وزوّدنا المنطقة بالكهرباء المستجرّة من تركيا".

الصورة
نشاطات اجتماعية في الشمال السوري (إسراء حاجي أوغلو/ الأناضول)
المجالس المحلية تتحمّل مسؤولية الوضع الاجتماعي الحساس بعد النزوح (إسراء حاجي أوغلو/ الأناضول)

ضعف التمويل مشكلة أساسية
ولا تملك المجالس المحلية مصادر تمويل مستقلة تمنحها إمكانية تقديم الخدمات للمواطنين والمحافظة على ديمومة تلك الخدمات، الأمر الذي يجعلها دائماً رهينة الضغوطات المادية ومحدودية العمل. هذا ما يؤكده باسل عطار، رئيس المجلس المحلي في بلدة معترم بريف إدلب، لـ"العربي الجديد"، لافتاً إلى أنّه "من الممكن دعم المجالس المحلية من خلال تقديم ما يلزم اقتصادياً وإدارياً عن طريق رصد موازنة عامة سنوية للمجالس بهدف تغطية النفقات والأجور من رواتب للموظفين فيها والمتطوّعين، ولتغطية الخدمات اللازمة التي تحتاجها القرية من شبكات وتعبيد طرقات. كذلك من الممكن أن يقدّم المجلس كلّ ما يلزم من خدمات فنية وصحية وتعليمية في حال توفّر الدعم". يضيف عطار أنّ "المجلس في البلدة يتولّى العمل الإغاثي وإزالة النفايات في الوقت الحالي، علماً أنّ المشكلة الأساسية اليوم هي في قلة الإمكانات".
ويتحدّث مدير مجلس محلي اكتفى بالتعريف عن نفسه باسم صالح، عن "تقارب دور المجالس المحلية مع دور البلديات في السابق لجهة الخدمات كالنظافة والتنسيق. وثمّة نواح عدّة لعملها، من بينها تنسيق الجهود بين المنظمات العاملة من ضمن البلدة، والتعاون في ما بين المؤسسات التي تسيّر شؤونها. كذلك يعمل المجلس لمنع المخالفات والإشراف على عقود الإيجار". ويشدّد صالح على أنّ "المجلس في حاجة إلى دعم من قبل المنظمات ليتمكّن من تأدية مهامه، من قبيل إنارة الشوارع وتعبيد الطرقات وإصلاح شبكات الصرف الصحي ودعم مياه الشرب، لا سيّما أنّ دعمها قليل والسكان غير قادرين على توفير حاجتهم من المياه بسبب الكثافة السكانية وقلّة الموارد في عموم شمال غربي سورية".

الصورة
دفاع مدني في الشمال السوري (مصطفى بطحيش/ الأناضول)
الدفاع المدني يخضع للمجالس المحلية (مصطفى بطحيش/ الأناضول)

وبحسب الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية، فإنّ المجالس المحلية تهدف في المرحلة الحالية إلى سدّ الفراغ الذي تركته الدولة الغائبة، من خلال تقديم الخدمات المدنية لأكبر عدد ممكن من الأفراد بأفضل طريقة ممكنة. ولهذه المجالس أهداف من بينها إدارة مناحي الحياة المدنية، وأن يمثّل المجلس الأفراد العاملين في المجال الخدمي المدني بشكل كامل وفي كل المحافظة لمتابعة ومراقبة كلّ الأعمال وضمان جودتها وحسن تنفيذها. كذلك يأتي توزيع المعونات التي تصل إلى المحافظة سواء من أفراد أو جماعات أو دول، من خلال شبكات متخصصة في كلّ مجالات عمل مكاتب المجالس المحلية، من ضمن معايير العدل والشفافية، مع تقديم الخدمات بحسب الحاجات المطلوبة في شتّى المناطق. ومن بين تلك الحاجات الخدمات الإغاثية والطبية والإعلامية والقانونية، وما يتعلّق بالدفاع المدني وإعادة الإعمار والتطوير الإداري، بالإضافة إلى تشكيل نواة البلديات المستقبلية التي سوف ترتبط بالحكومة المؤقتة ثمّ المنتخبة، وبناء وتمتين اللحمة الوطنية في المجتمع، وذلك من خلال العمل المدني البعيد عن أيّ أدلجة أو تحزّب أو بعد سياسي.

ومن التحديات التي تواجه المجالس المحلية بحسب ما ورد على الموقع الرسمي للائتلاف، "ضعف القدرة على التنفيذ، ونقص الخبرة المطلوبة في أداء الخدمات إذ إنّ المجالس المحلية تشكّلت في خلال الأزمة الراهنة، والأشخاص العاملين بها بمعظمهم لم يقوموا بمثل هذه الأعمال سابقاً، والافتقار إلى الهياكل التنظيمية الواضحة في المسؤوليات والصلاحيات، والافتقار إلى آلية اتّخاذ قرارات واضحة، إذ لم تكن ثمّة آلية اتّخاذ قرارات تتّبع معايير محدّدة، بل كانت متروكة للشخص المسؤول أن يقرّر كيف ولمن تقدّم الخدمات أو المعونات".

المساهمون