استمع إلى الملخص
- ارتفعت أسعار الأراضي الزراعية بعد قرار التحويل، واستغلت جهات سياسية ومسلحة الوضع للسيطرة على الأراضي وبيعها، مما أدى إلى فوضى في التوزيع السكاني وتراجع المساحات الخضراء.
- تعهدت الحكومة بحل الأزمة من خلال مشاريع جديدة بالتعاون مع القطاع الخاص، لكن التحديات مستمرة بسبب الاعتماد على النفط وتجاهل الزراعة كركيزة اقتصادية.
لا يبدو أنّ الحكومة العراقية تملك أية خيارات لحل أزمة السكن في البلاد، إلا من خلال شرعنة بناء منازل على الأراضي الزراعية، وتحويل البساتين والحقول زراعية إلى أراضٍ سكنية، من دون الالتفات إلى الأضرار البيئية. وترى الحكومة أن هذا الحل قد يساهم في حلحلة أزمة السكن، ولو قليلاً. في المقابل، يؤكد مراقبون أن أزمة السكن إلى اتساع مستمر بسبب الزيادة السكانية من جهة، وارتفاع أسعار الأراضي والعقارات السكنية من جهة أخرى.
ومؤخّراً، أعلنت وزارة الزراعة العراقية تحويل تسع مناطق زراعية في بغداد إلى سند 25، وهي الصيغة القانونية لتحويل المساحات الزراعية والبساتين إلى أحياء سكنية. ونقلت وكالة الأنباء العراقية الرسمية (واع) عن مدير عام دائرة الأراضي الزراعية في الوزارة، علي الشمري، قوله إن "القرار واضح وصريح لتمليك الأراضي الزراعية المتجاوز عليها في السكن، بالإضافة إلى الضوابط التي ظهرت عام 2023، والتي أوضحت آلية التمليك".
أضاف أن الوزارة "في مرحلة الجرد والإجراءات الأخرى كالتصميم، فهي المتعلقة بأمانة بغداد ودوائر البلديات، وأن المناطق التسع التي جرى الانتهاء من تحويلها (زراعي إلى سكني) تقع في مناطق البو عيثة والزوراء والبلديات والدورة والتاجيات والصابيات وحي الكوفة، وأخرى على طريق مطار بغداد، وعلى مقربة من منطقة المدائن. وخلال هذا العام، سيتم الانتهاء من تحويل الأراضي المشمولة بالتحويل".
وفي نوفمبر/ تشرين الثاني 2022، أصدر مجلس الوزراء العراقي قراراً يقضي بتحويل الأراضي الزراعية إلى سكنية، في إطار قرارات معالجة أزمة السكن في البلاد. وواجه هذا القرار اعتراضات واسعة من قبل الناشطين في مجال البيئة، والمزارعين، كونه يساهم في القضاء على الزراعة في البلاد، وخصوصاً أنها تتراجع في ظل تغير المناخ وشح المياه.
إثر القرار، شهدت أسعار الأراضي الزراعية في العراق ارتفاعاً، إذ أتاحت الخطوة الحكومية للمواطنين تسجيل منازلهم التي شيدوها على أراضٍ زراعية خلال السنوات العشرين الماضية، علماً أن جهات سياسية وأخرى مسلحة سيطرت خلال السنوات الماضية على مساحات زراعية واسعة على أطراف المدن، وتحديداً العاصمة بغداد، وأقدمت على تقسيمها من دون استشارات هندسية، وبيعها على شكل مساحات سكينة.
وتفيد مصادر محلية في العاصمة بغداد، بأنّ الأخيرة شهدت خلال السنوات العشر الماضية سيطرة لجماعات مسلحة مدعومة من أحزاب، وقد فرت لها مبالغ مالية كبيرة جرّاء تقسيم مساحات واسعة من البساتين والمزارع. ورغم أن الفرصة تبدو جيدة للشرائح الفقيرة، إلا أنها ساهمت بخلق فوضى جديدة لناحية التوزيع السكاني، بالإضافة إلى الإضرار بالبيئة وتراجع المساحات الخضراء التي تؤدي إلى مشاكل بيئية ومناخية.
وصرفت الحكومات العراقية النظر عن هذا التشوه في التقسيم الإداري للعاصمة بغداد، بالإضافة إلى إنهاء الأحزمة الخضراء والمساحات المفتوحة من بساتين ومزارع. من جهته، يشير علي ستار، وهو أحد أعضاء فريق "إنقاذ المناخ" في بغداد، إلى أن "تجريف البساتين واستغلال التربة الصالحة للزراعة لأغراض السكن يمثلان جريمة بحق الزراعة في العراق، وكان يتوجب الحكومة إيقاف ومحاسبة المعتدين على الأراضي الزراعية، وليس اعتماد وسائل تؤثر سلباً على الزراعة والمناخ".
ويوضح في حديث لـ "العربي الجديد"، أن "العقلية الحاكمة في العراق لا تعترف بأهمية الزراعة، وهي عقلية مستهلكة وغير منتجة وتعتقد أن بقاء الاعتماد على النفط كوسيلة للتمويل هي التي تنقذ الأوضاع. إلا أن كل التخبطات التي تشهدها الحكومة الحالية أو حتى الحكومات السابقة، ستظهر مع استفحال تغير المناخ وانخفاض أسعار النفط".
أما الباحث في الشؤون البيئية والزراعية، عادل المختار، فيوضح أن "التجاوزات على الأراضي الزراعية مدانة في كل دول العالم، إلا في العراق، فهي تحظى باهتمام السلطات التي تعمل على تمكين المتجاوزين، علماً أن الزراعة هي أساس الاقتصاد الوطني". يضيف في حديث لـ "العربي الجديد"، أن "العراق يتحول تدريجياً إلى أرض بلا غطاء نباتي، ويهمل حتى القوانين التي تنص على تجريف الأراضي الزراعية أو نقل أتربة منها، ولا يبادر إلى اتخاذ إجراءات رادعة ضدهم".
ويعاني العراق بسبب أزمة السكن في جميع المحافظات، ويحتاج إلى أكثر من 2.5 مليون وحدة سكنية حالياً، في وقت يعيش أكثر من 3.6 ملايين نسمة في المناطق والأحياء العشوائية التي لم تدخل ضمن الحدود البلدية للوحدات الإدارية التابعة للمحافظات.
وتعهدت الحكومة العراقية بحل مشكلة السكن في العراق من خلال إطلاق مشاريع عدة، كان آخرها مشروع المطور العقاري الذي أعلن عنه رئيس الحكومة محمد شياع السوداني في وقتٍ سابق، ويتضمن تهيئة أراضٍ سكنية بأسعار رمزية عبر الشراكة مع القطاع الخاص. وأشار السوداني إلى أن التوجه لإنشاء المدن السكنية سيؤسس لنشوء صناعة وطنية تؤمن ما تحتاجه السوق المحلية من المواد الإنشائية.