الكويت تشدد عقوبات جرائم الشرف وترفع سن الزواج

18 مارس 2025   |  آخر تحديث: 15:30 (توقيت القدس)
من احتجاج نسوي في الكويت، 22 إبريل 2021 (جابر عبد الخالق/الأناضول)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- ألغت الكويت المادة 153 من قانون الجزاء، التي كانت تمنح أحكاماً مخففة لمرتكبي "جرائم الشرف"، تعزيزاً للمساواة بين الجنسين وامتثالاً للالتزامات الدولية.

- تم تعديل قانون الأحوال الشخصية لرفع سن الزواج إلى 18 سنة، بهدف حماية الأسرة وتعزيز استقلال الأفراد، خاصة النساء، بما يتماشى مع اتفاقية حقوق الطفل.

- تعكس هذه التعديلات تحولاً في النظرة إلى قضايا الزواج والعدالة الجنائية، مما يساهم في بناء مجتمع أكثر توازناً واستقراراً في الكويت.

دخل قانونان جديدان حيز التنفيذ في الكويت، الأحد الماضي، الأول يقضي بإلغاء المادة 153 من قانون الجزاء الكويتي، والتي كانت تنص على أحكام "مُخففة" ضد الرجل الذي يرتكب ما يُعرف بـ"جرائم الشرف"، والآخر يرفع الحد الأدنى لسن الزواج إلى 18 سنة، بعد نشرهما في الجريدة الرسمية.
وكانت المادة 153 المُلغاة من قانون الجزاء الكويتي الصادر عام 1960، تنص على أن "من فاجأ زوجته حال تلبّسها بالزنا، أو فاجأ ابنته أو أمه أو أخته حال تلبّسها بمواقعة رجل لها، وقتلها في الحال أو قتل من يزني بها أو قتلهما معاً، يعاقب بالحبس مدة لا تجاوز ثلاث سنوات، وبغرامة لا تجاوز ثلاثة آلاف روبية (عملة الكويت قبل الاستقلال)، أو بإحدى هاتين العقوبتين".
وجاء في المذكرة الإيضاحية للمرسوم بقانون بشأن إلغاء هذه المادة، أنه يأتي اتساقاً مع المادة 29 من الدستور الكويتي، التي نصّت على أن "الناس سواسية في الكرامة الإنسانية، وهم متساوون لدى القانون في الحقوق والواجبات العامة، لا تمييز بينهم في ذلك بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين"، وأن "قصر العقوبة على الرجل من دون المرأة يُشكّل تمييزاً بينهما بسبب الجنس، على سند من استفزاز مشاعر الرجل من هذه الجريمة، رغم أن المرأة لديها المشاعر ذاتها، ولا سيما أن تخفيف العقوبة عن هذه الجريمة يُساهم في انتشارها".
كما أكّدت المذكرة الإيضاحية أن الإلغاء يأتي انسجاماً مع "التزامات الكويت المقررة وفقاً للمواثيق والاتفاقيات الدولية، وبالأخص الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، واتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو)".

إلغاء المادة 153 خطوة نحو تقليص فجوة التمييز بين الجنسين

وأثارت المادة 153 لسنوات طويلة جدلاً اجتماعياً وسياسياً واسعاً، وتصدّر مطالب نشطاء حقوق المرأة، وشهد أوجّه خلال عام 2021، بعد وقوع عدد من جرائم قتل النساء التي ارُتكبت من قبل أقارب لهنّ، وانتقل إلى أروقة مجلس الأمة (البرلمان)، والذي شهد مواقف متشددة ضد الإلغاء في ظل سيطرة النوّاب الإسلاميين رفقة زملائهم القبليين على تركيبة البرلمان.
وشهدت السنوات الأخيرة تطوراً لافتاً في حراك المرأة الكويتية، تصدّرته مجموعة من النسويات اللواتي يصنّفنَ أنفسهن على أنّهن غير مرتبطات بجمعيات النفع العام النسائية، واللاتي عملن على قيادة حملات توعية وضغط من أجل نساء الطبقات الدُنيا المُنتميات إلى المجتمعات القبلية، ومن بين مطالبهن إلغاء المادة 153 من قانون الجزاء، كما خرجن إلى الشارع أكثر من مرة للاحتجاج نتيجة تزايد جرائم العنف ضد المرأة في البلاد.

كويتيات يرفعن لا فتات احتجاج، 22 إبريل 2021 (جابر عبد الخالق/الأناضول)
كويتيات يرفعن لافتات احتجاج، 22 إبريل 2021 (جابر عبد الخالق/الأناضول)

تقول الناشطة النسوية سارة المكيمي، لـ"العربي الجديد"، إن "إلغاء المادة 153 من قانون الجزاء خطوة نحو مزيد من العدالة وتقليص فجوة التمييز بين الجنسين. لسنوات طويلة كانت هذه المادة بمثابة وصمة على جبين العدالة، فالخيانة الزوجية وقعها هائل على نفوس البشر، ولا يقتصر الألم والفجيعة على جنس دون آخر، إذ نؤمن بتساوي العقول، وبالتالي تساوي العقوبة، ولا نُريد لأحد، رجلا كان أو امرأة، أن تُخفف عقوبته في حال القتل بعد فجيعة الخيانة الزوجية أو زنا الأقارب، ومسطرة العدالة يجب ألا ترى جنس القاتل، ويجب أن يُعاقب وفقاً لقانون صارم يُطبّق على الجميع".
وتضيف المكيمي أن "المادة 153 كانت تعتبر المرأة مُلكية للرجل، جسدها مُلكه وشرفها مُلكه، وله حق التخفيف إن منحت جسدها لرجل بغير إطار شرعي، بينما المرأة لا تملك جسد زوجها أو ولدها أو أخيها أو والدها، وشرفه بذلك لا يرتبط بها ولا يمتدّ إليها، وبالتالي لا يحق لها الدفاع عن كرامتها عند وقوع الخيانة. لسنا في زمن العبودية، ولا أحد يملك جسد أحد، وكلٌّ يتحمّل مسؤولياته، ومن يقترف جريمة الزنا مُذنب بنظر الله والقانون، وواجبنا التبليغ عليه، وتسليمه إلى الدولة ليأخذ عقوبته بعد نظر المحكمة بالدلائل والبراهين الراسخة، والتأكد أنها بعيدة عن التزوير والتلفيق بغرض الانتقام أو أية أغراض دنيئة أخرى".

رفع سن الزواج يضمن أن يكون الطرفان مؤهلَين لتحمّل المسؤوليات

على صعيد متصل، عُدّل نص المادة 26 من قانون الأحوال الشخصية الكويتي، وبات "يُمنع توثيق عقد الزواج أو المصادقة عليه لمن لم يبلغ من العمر 18 سنة وقت التوثيق"، بينما كانت المادة تنصّ على أن يُمنع التوثيق "ما لم تتم الفتاة الخامسة عشرة، ويتم الفتى السابعة عشرة وقت التوثيق".
ووفق المذكرة الإيضاحية لقانون رفع سن الزواج، فإنه جاء "استناداً إلى دستور دولة الكويت الذي يؤكد حماية الأسرة والأمومة والطفولة"، إضافة إلى مراعاته التزامات البلاد الدولية، خاصة "اتفاقية حقوق الطفل التي تُعرّف الطفل بمن لم يتجاوز الثامنة عشرة، وتُلزم الدول بحمايته من الزواج المبكر، واتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، التي تضمن الموافقة الحرة والكاملة للزوجين وتشجع على تحديد سن أدنى للزواج".

وفي هذا الخصوص، يقول المحامي مشاري الطويل، لـ"العربي الجديد"، إنه "مع صدور قانون الأحوال الشخصية في عام 1984، كان المجتمع الكويتي قائماً على أعراف اجتماعية تسمح بالزواج في سن مبكرة، ولم يكن يُنظر إلى الأمر على أنه مسألة تستدعي تقييداً قانونياً مُشدداً، بل جزء من التقاليد الاجتماعية السائدة، لكن مع مرور العقود، شهد المجتمع تغيرات جوهرية في البُنى الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، ما جعل الزواج المُبكر غير متناسب مع متطلبات العصر".
ويرى الطويل أن من شأن القانون الجديد أن "يُسهم في إرساء بيئة قانونية واجتماعية أكثر استقراراً، ويعزز قدرة الأفراد، خاصة النساء، على استكمال تعليمهن وتحقيق استقلالهن الاقتصادي. في السابق، تمت بعض الزيجات نتيجة ضغوط اجتماعية أو أسرية، ما قلل من حرية اتخاذ القرار لدى الأطراف، والقانون الجديد وضع إطاراً قانونياً يحدّ من هذه الحالات، ما يضمن أن يجري الزواج في سن يكون فيه الطرفان مؤهليَن لتحمّل مسؤولياتهما، وهو ما يحدّ كذلك من المشكلات الناتجة من الزواج المُبكر، والتي اكتظت بها المحاكم وسط حالات طلاق يومية".
ويشدد المحامي الكويتي على أن قانون رفع الحد الأدنى لسن الزواج "يعكس تحولاً في النظرة إلى الزواج، إذ لم يعد يُنظر إليه كالتزام، بل كشراكة تتطلب استعداداً قانونياً واجتماعياً واقتصادياً ونفسياً. أعتقد أنه بمرور الوقت، سيؤدي هذا التعديل إلى بناء أسر أكثر توازناً، حيث يُتخذ قرار الزواج بناءً على نضج وإدراك حقيقيين، ما ينعكس على استقرار الأسرة والمجتمع بشكل عام".

المساهمون