القمار في بريطانيا... إزهاق للأرواح ودعم للاقتصاد

القمار في بريطانيا... إزهاق للأرواح ودعم للاقتصاد

31 اغسطس 2021
داخل كازينو (ماتيو هوروورد/ Getty)
+ الخط -

"خسرت عشرات الآلاف من الجنيهات في القمار على مرّ السنين"، يقول أحد المقامرين البالغ 44 عاماً، والذي أطلق على نفسه اسم ديفي (اسم مستعار). يضيف: "حاولت الابتعاد عن هذه الآفة، وسجّلت اسمي على لائحة الممنوعين من دخول أي كازينو في بريطانيا لمدة عشر سنوات، لأنني عاجز فعلياً عن التوقف. لكن المشكلة استمرّت، لأنّ تسجيل اسمي على لائحة الممنوعين من دخول أي كازينو لم يمنعني من زيارة أماكن أخرى للقمار منتشرة بكثرة، مثل ويليام هيل وبادي باور، وغيرها".
يعترف ديفي بأنه مدمن على القمار، وبأنه كلما مرّ قرب أحد أماكنه يحاول الجري بسرعة للابتعاد عنها، لكنها كثيرة، لذا يفشل أحياناً كثيرة في تجاوزها كلها، ويعود إليها ليخسر مزيداً من الأموال، ويواجه الإرهاق النفسي ووخز الضمير الذي يشعر به كل مرة، ما يجعله يُقسم على عدم العودة إليها. ويقول: "تتواجد لافتات في هذه الأماكن مكتوب عليها: قامر بمسؤولية، أو عبارات تشبهها، لكنني أعتبرها سخيفة وأشبه بمن يقدّم مخدّرات لمدمن، مع تحذيره من تناولها".

أكثر من السوبرماركت
واللافت أن تقريراً حديثاً كشف أن بريطانيا تضم أماكن قمار أكثر من عدد متاجر السوبرماركت. وأورد أنه "حتى تشرين الثاني/نوفمبر 2020، كانت أماكن القمار أكثر من عدد المتاجر التي تديرها أكبر ثماني مجموعات سوبرماركت".
كذلك، أوضحت دراسة أجرتها جامعة "بريستول" بالتعاون مع مؤسسة "ستاندرد لايف"، أن نسبة 21 في المائة من أماكن المقامرة، خصوصاً متاجر المراهنات، تتواجد في أكثر المناطق حرماناً، و2 في المائة فقط في المناطق الأكثر ثراءً، ما أثار مخاوف جدية بالنسبة إلى المناطق الأكثر فقراً، خصوصاً أن المقامرة في المملكة المتحدة، حتى بمبالغ منخفضة نسبياً، ترتبط بمشاكل مالية.

وسلّطت الدراسة الضوء على عدم توافر وسائل راحة مناسبة في شوارع يعيش فيها أشخاص في مجتمعات محرومة، مقارنة بالمرافق المتاحة في المناطق الأكثر ثراءً.
يذكر أن أكبر عدد من متاجر المراهنات تتواجد في العاصمة الاسكتلندية غلاسكو ومدينتي ليفربول وميدلسبره، وأجزاء من العاصمة لندن.

في انتظار تشريعات
وفيما وجد باحثون أن نصف مراكز معالجة إدمان القمار في المملكة المتحدة ابتعدت مسافة قليلة عن أقرب متجر مراهنات لها، يشرح المدير التنفيذي لجمعية "المقامرة بالأرواح" (Gambling With Lives)" ويل بروشاسكا لـ"العربي الجديد"، بأن "عائلات فقدت أحباء لها بسبب المقامرة أنشأت الجمعية"، مشيراً إلى أن بين 250 شخصاً و600 شخص ينتحرون سنوياً في المملكة المتحدة بسبب القمار.
ويحدد أولوية الجمعية "بتقديم دعم للعائلات التي انتحر أحد أفرادها ومساعدتهم في تأمين تمويل للدعاوى القانونية المرفوعة ضد مشغلي أماكن القمار، أو تقديم شكاوى إلى لجنة المقامرة، الجهة المنظمة للقطاع في المملكة المتحدة. كما نوفّر العلاج النفسي عبر أطباء متعاقدين مع الجمعية. وفيما يتعلّق بالمدمنين على القمار لا برامج لدينا لمساندتهم، لكننا نحوّلهم إلى شركاء لنا متخصصين في معالجة هذه المشكلة، في حين تشمل مهماتنا تنفيذ حملات للمطالبة بتبديل التشريعات، خصوصاً على صعيد إعلانات الترويج. ونضغط على الحكومة حالياً لنشر الكتاب الأبيض، وهو عبارة عن مسوّدة للتشريعات، وذلك بحلول ديسمبر/كانون الأول المقبل".

يتابع: "نطالب الحكومة أيضاً باتباع نهج الصحة العامة للمقامرة في المنزل، وندعو إلى التعامل مع المنتجات الأكثر خطورة في السوق، لأن تنوّع ألعاب المقامرة يهدّد بمخاطر مختلفة، فعلى سبيل المثال يعدّ اليانصيب الوطني الذي يلعب على أساس أسبوعي بحوالي 2 جنيه إسترليني (الجنيه= 1.37 دولار أميركي) آمناً نسبياً، لكنّ المراهنة على الإنترنت بآلاف الجنيهات كل دقيقتين أمر خطر جداً. ونحن نرغب في إخراج بعض المنتجات أو أدوات القمار من السوق، وإجراء تغييرات أو تعديلات على أخرى".

واجهة لأحد محلات "وليام هيل" للقمار (بول ايليس/ فرانس برس)
واجهة لأحد محلات "وليام هيل" للقمار (بول ايليس/ فرانس برس)

ويشير بروشاسكا إلى أن "الجمعيات التي تتصدى للمقامرة وتحاول معالجة تأثيراتها، لا تستطيع أن تطلب إيقاف المراهنات عبر المواقع الإلكترونية، رغم أن هذا الأمر يجنّب الناس الكثير من الأذى. من هنا نكتفي بالدعوة إلى إدخال تغييرات عليها، بينها عدم إمكان المراهنة بأكثر من 2 جنيه في كل مرة، وهو ما فعلته الحكومة قبل سنوات في عدد من متاجر القمار. كما نطالب بفحص القدرة على تحمّل الفرد تكاليف المقامرة، من أجل تجنيبه المقامرة بمبالغ تفوق طاقته. ونطالب بمنع كل أنواع الإعلانات، لأننا نعتقد بأن القمار لا يجب أن يكون منتجاً يُسمح بترويجه".

فائدة اقتصادية
في المقابل، يشدّد مجلس المراهنات والألعاب على أن متاجر المراهنات والكازينوهات تقدّم "مساهمة اقتصادية ضخمة" للمملكة المتحدة. ويقول متحدث باسمه: "يدعم مجلس المراهنات والألعاب نشاطات المقامرة التي تشغّل 119 ألف شخص، وتقدّم 4.5 مليارات جنيه إسترليني (6.1 مليارات دولار) كضرائب لدفع تكاليف الخدمات العامة الحيوية، كما تساهم بـ7.7 مليارات جنيه إسترليني (10.5 مليارات دولار) في إجمالي القيمة المضافة للاقتصاد".
يضيف: "توظف محلات المراهنات وحدها حوالي 46 ألف شخص في أنحاء البلاد، وتدفع مليار جنيه إسترليني (مليار و376 مليون دولار) كضرائب للخزينة، إضافة إلى 60 مليون جنيه إسترليني (82.3 مليون دولار) للمجالس المحلية. أما الكازينوهات فتوظف 11 ألف شخص، وتدفع 500 مليون جنيه إسترليني (686.3 مليون دولار) ضرائب سنوياً".

أماكن الفقر للقمار 
يقول الباحث الأول المشارك في الدراسة التي أجرتها جامعة "بريستول"، جيمي إيفانز: "تكشف الدراسة عدم توافق واضح بين وسائل الراحة المتاحة في المناطق المحرومة، مقارنة بتلك الأكثر ثراءً. وعلى سبيل المثال، تقع 10 في المائة فقط من متاجر المواد الغذائية في المناطق الأكثر فقراً التي تعتبر في الوقت ذاته موطن حوالى 34 في المائة من أروقة القمار، و30 في المائة من أماكن لعبة البينغو، و29 في المائة من مراكز ألعاب الكبار. وبخلاف ذلك، تظهر الدراسة أن البلدات والمدن الأكثر ثراءً لديها انتشار أكثر بكثير للخدمات، مثل المكتبات والسوبرماركت".
يتابع: "يمكن العثور على نصف مراكز علاج المقامرة في المملكة المتحدة على بعد خمس دقائق سيراً على الأقدام لمسافة 250 متراً من أقرب مكان للمقامرة، في حين هناك مكان للمقامرة يبعد خمس دقائق سيراً على الأقدام من حوالي 10 في المائة من المدارس، ما يؤثر على 742 ألف تلميذ في أكثر من ألفي مدرسة في أنحاء البلاد".

المساهمون