استمع إلى الملخص
- تمر صناعة القشابية بعدة مراحل تقليدية، وتُعتبر "مدفأة متنقلة"، بينما يُستخدم البرنوس في المناسبات. تختلف الأسعار بناءً على نوعية النسيج، حيث تصل أسعار القشابية إلى 160 ألف دينار جزائري.
- يُشدد الحرفيون على أهمية الحفاظ على القشابية والبرنوس كجزء من التراث الثقافي، ويُطالبون بترويجها لدعم التنمية الاقتصادية المحلية وتعزيز الاقتصاد من خلال تصديرها كمنتجات جزائرية أصيلة.
مع انخفاض درجات الحرارة وتساقط الأمطار والثلوج في الجزائر، يأنس المواطنون، خصوصاً في المدن الداخلية، بارتداء القشابية والبرنوس، وهما من الأزياء التقليدية التي تلجأ الناس إليها في البرد القارس، ويحظيان بإقبال من الرجال لمقاومة البرد.
ورغم الشكل المتقارب، إلا أنّ قشابية "مسعد" في ولاية الجلفة غربي العاصمة الجزائرية، وقشابية منطقة "الشاوية" شرقي البلاد، هما من الأنواع التي ذاع صيتها، ويتوارثها السكان من جيل إلى آخر. يقول الشيخ عبد العزيز بوصوفة (71 سنة) إن القشابية بنية اللون هي "زينة الرجال" مثلها مثل البرنوس الأبيض في منطقته بو حمامة بولاية خنشلة (شرق)، وغيرها من المناطق المتاخمة لجبال الأوراس. ويوضح لـ "العربي الجديد" أنه قبل عقدين من الزمن، ورث القشابية بنية اللون عن والده المتوفى، وظلت رفيقته الدائمة مع حلول فصل الشتاء والبرد، كما ينوي أن يورثها لابنه.
تُصنع القشابية من وبر الإبل أو من صوف الأغنام. ويقول بوصوفة إنه كلما خفّ وزنها زاد سعرها، والسبب أنها تُصنع بالحياكة التقليدية عن طريق المنسج الخشبي أو بآلات حديثة في معامل النسيج، ونظراً إلى توفّر الثروة الحيوانية، اشتهرت مناطق جزائرية عدة بحرفة دباغة الجلود، وصناعة الملابس التقليدية النسيجية، خصوصاً القشابية والبرنوس، وهما من أهم وأغلى السلع المتداولة في العديد من المناطق، كما تقول الحرفية خديجة حدو من منطقة سيدي لعجال بولاية الجلفة، وتوضح لـ "العربي الجديد" أنّ صناعة النسيج هي من أكثر الحرف التقليدية انتشاراً، ويعتمد العديد من الحرفيين على النسيج اليدوي في صناعة الملابس الشتوية.
تضيف أن صناعة القشابية تمرّ بمراحل عدة؛ إذ تنتقي المرأة الوبر الذي يُؤخذ من الإبل، ويتميز بالمتانة والخفة وحفاظه على الحرارة ونعومة الملمس ولونه البني المتدرج نحو الاصفرار بحسب عُمْر الإبل، وغالباً ما يكون الوبر الخالص من صغار الجِمال "المَخلُول" ويطلق عليه "وبر العقيقة"، ويلي الانتقاء مرحلة تنقية الوبر مما علق به، ثم معالجته بمشط تقليدي بُغية تليينه وتهيئته ليصبح صالحاً ليكون على شكل قطع ملفوفة تسمى في العديد من المناطق بـ "الرِّيط"، ثم مرحلة "الغَزل" لجعل الوبر على شكل خيوط رقيقة لتصبح سهلة للحياكة.
لا تتوقف العملية على المراحل السابقة، وتعتبر عملية الحَبْكْ من أهم الخطوات التي تقوم بها المرأة، وتعني حبك الخيوط المدعّمة، وتسمّى باللهجة الجزائرية "القْيام". وتعني بمزيد من التفاصيل تصفيف الخيوط عمودياً في مقابل جعل خيوط أخرى أفقية ومتقاطعة معها بما يسمى عملية "السُّدوة"، لتواصل تركيب تلك الخيوط على آلة المنسج. وتهتم المرأة بجعل الخيوط المغزولة بين الخيوط الأفقية ومتقاطعة معها، ودكها بآلة "الخْلالة" لرصها فوق بعضها البعض رصاً إلى النهاية، مع حك وترطيب كل جزء منسوج بآلة تسمى "الكُرْنافة".
وفي المرحلة الأخيرة، تجري عملية الخياطة باليد، إذ يعمد البعض إلى الطريقة اليدوية في المنازل لأنها ذات جودة عالية رغم أنها تستغرق وقتاً طويلاً. وتضيف أن القشّابية لباس الرجال، ينتشر استخدامها في عدة ولايات داخلية، إذ تساعدهم على تحمّل قساوة الطبيعة وتحصّنهم من البرد، كما يصفه كثيرون بـ"المدفأة المتنقّلة" التي تحافظ على حرارة الجسم وتمنع تسرب البرد إليه.
أما البرنوس، فيصنع من مادتي الصوف والوبر وينسج بطريقة تقليدية، وهو لباس تقليدي خاص بالرجال يلبس كثيراً في فصل الشتاء، وتكمن أهميته في المناسبات خصوصاً في حفلات الزواج. كما يُجهّز بنفس طريقة حياكة القشابية، والاختلاف الوحيد بينهما هو الشّكل؛ فالقشابية عبارة عن لباس مغلق يحيط بكامل جسم الرجل وله فتحة حول الرقبة وجزء علوي يغطي الرأس، بينما البرنوس يلبس معطفاً طويلاً بغطاء الرأس.
واللافت أن القشّابية والبرنوس نوعان من الملابس التي ارتبطت بالمحاربين في الجبال والقرى إبّان ثورة التحرير الجزائرية (1954-1962)، يقاومون بهما برد الشتاء من جهة، ويستعملونهما لإخفاء الأسلحة وتنفيذ العمليات الفدائية ضد جنود الاحتلال الفرنسي في المدن من جهة أخرى، كما حازت القشابية والبرنوس مكانةً مهمة في المجتمع الجزائري، إذ تشكلان صورة من صور الهوية الثقافية والاجتماعية. ويشترك الكثيرون في تعظيم شأنهما خلال تصدّرهما واجهة الأزياء التقليدية في المناسبات، كما تمثلان وجهاً من أوجه ثقافة المجتمع المحلي الجزائري وأصالته.
وبعيداً عن الأزياء الحديثة، ينصح العديد من الحرفيين على مستوى ولايات باتنة والجلفة والمسيلة بحماية اللباس التقليدي من الاندثار، لأنه إرث الأجداد، ويسعون إلى زيادة انتشاره لدى مختلف شرائح المجتمع، مع إضفاء اللمسة التقليدية التي يحاك بها.
من جهة أخرى، فإن طبيعة الصوف ونوعيته تحددان أسعار الألبسة التقليدية، فبحسب نوعية النسيج والحياكة باليد، قد يتجاوز سعر القشابية مئة ألف دينار جزائري (يساوي الدولار الأميركي 140 ديناراً جزائرياً، ويرتفع إلى مائتي دينار في السوق الموازية)، أما البرنوس، فقد يصل سعره إلى خمسين ألف دينار. وغالباً ما يكون اللون البني هو الغالب على القشابية، والأبيض على البرنوس، وكثيراً ما يرتديه كبار العائلة في المناسبات وحتى العرسان في حفلات الزفاف.
ويؤثر اختلاف النوعية على سعر القشابية والبرنوس، إذ تتراوح الأسعار ما بين 25 ألف دينار و35 ألف دينار، ويرتفع السعر إذا تمت حياكتهما بوبر الجمال، ويصل إلى ما بين 50 ألف دينار و160 ألف دينار.
حافظت العديد من المناطق الجزائرية على اللباس التقليدي، وقاوم الجزائريون الملابس العصرية خصوصاً بين الشباب، ونظراً لقيمته الثقافية في الجزائر، تكثر دعوات المتخصصين في التراث إلى ضرورة تصنيف القشابية والبرنوس ضمن قائمة التراث الثقافي غير المادي. ويقول الباحث في التراث عبد كريم بوديسة (جامعة سطيف)، إن القشابية أو البرنوس يحملان قيمة ثقافية في الجزائر، ويعتبران أحد أسباب الافتخار بأصالة الجزائريين واعتزازهم بهذا الموروث الذي يتنقل من جيل إلى آخر، في ظلّ زحف الموضة.
ويقول لـ "العربي الجديد" إن "هذين الرداءين التقليديين يحملان بُعداً ثقافياً واجتماعياً يصنع التميز لأهميتهما منتجاً محلياً". ويطالب الحرفيون بمواصلة الاعتناء بهذا المنتج وترويجه، إذ بإمكانه المساهمة في التنمية الاقتصادية المحلية بوصفه صناعة جزائرية يمكن تصديرها.