القبار السوري... ثروة زراعية مهملة رغم أهميتها ومنافعها

10 يونيو 2025
القبار.. مصدر قوته اليومي (العربي الجديد)
+ الخط -
اظهر الملخص
- التحديات والفرص الاقتصادية: تنمو نبتة القبار في البيئات القاحلة بسوريا، وتُعتبر مصدر رزق مهم لأصحاب الدخل المحدود. تواجه تحديات مثل الشوك الدقيق والأسعار غير العادلة، لكنها تُمثل فرصة اقتصادية لتحسين الاقتصاد المحلي إذا استُثمرت بشكل صحيح.

- الفوائد الطبية والبيئية: تحتوي القبار على مركبات مضادة للأكسدة وتُستخدم لعلاج أمراض مختلفة. تُعتبر النبتة مقاومة للجفاف والملوحة، مما يجعلها مناسبة للزراعة المرنة ويساعد في تخزين المياه ومنع التصحر.

- الحفاظ والاستدامة: يحذر الخبراء من القطاف العشوائي الذي يهدد وجود النبتة، ويدعون إلى زراعة ممنهجة للحفاظ عليها كمورد اقتصادي مستدام ودعم الاقتصاد الريفي في سوريا.

تكافح نبتة القبار أو الشفلح في سورية العوامل المناخية وتنمو بصلابة بين الصخور والتربة المالحة. فوائدها الطبية والاقتصادية تحتّم رؤيةً استثمارية تنهض بالقطاع

يصحو قاطفو نبتة القبار في سورية، أو ما يُعرف محلياً بنبتة الشفلح مع ساعات الفجر، خلال موسمٍ صيفي يمتد عادة من شهر إبريل/نيسان وحتى سبتمبر/أيلول، ليجنوا براعمه قبل تفتّحها. وبين الصخور والتربة المالحة، إذ لا تحتمل معظم النباتات البقاء، ينبت القبار أو الشفلح بصلابة نادرة، ورغم أن شكل القبار الخارجي لا يوحي بالكثير، إلّا أنه يحمل في شوكه فوائد طبية واقتصادية حوّلته من نبتة مهملة إلى سلعة عالمية.
في قرية كفر سجنة في الريف الجنوبي لمحافظة إدلب، يشرح حمدو الوليد (55 عاماً)، وهو أحد القاطفين القدامى، تفاصيل المهنة الشاقة، ويقول لـ"العربي الجديد": "النبتة خادعة، شوكها الدقيق يخترق القفازات الرقيقة، والبراعم الصغيرة تتخفّى بين الأوراق، لكنّني عازم على قطافها رغم الصعوبات، فهي مصدر رزق جيّد خلال الصيف لأصحاب الدخل المحدود، إذ إنّني أجني يوميّاً كيلوغرامَين أبيعهما بمئة ليرة تركية (أقل من ثلاثة دولارات أميركية)".
وتؤكد حسنة النجم، من قرية حلفايا شمال مدينة حماة، التي تعيل أسرتها من خلال جمع وتجفيف الشفلح، أهمية التوقيت بالنسبة لقطاف هذه النبتة، وتقول لـ"العربي الجديد": "نقطف البراعم قبل تفتّحها ثم ننشرها في الظل، وهي نبتة تساهم في تغطية بعض مصاريف الأولاد ومستلزمات الشهر، فقد أطعمت أولادي في سنوات الحرب، ولم تخذلنا يوماً"، وتتابع: "بعض النساء يربحن 900 ألف ليرة سورية شهرياً (نحو 97 دولاراً أميركيّاً)، النبتة علّمتنا كيف نخلق فرصاً بأيدينا".  

حسنة، لا تجمع القبار فحسب، بل تشتريه من أهالي القرية والأطفال الذين يجمعونه لتبيع الكيلوغرام الواحد من النوع الجيّد والصغير بسعر دولارين، وتبيع النوع المتوسّط بدولار واحد، فيما تُباع نفس النوعيات والجودة في الأسواق العالمية بعشرات الدولارات، وتقول: "نتعب في جمعه ونجفّفه بعناية، لكن لا أحد يشتريه بسعر عادل، التجار هم الرابحون ونحن نحصل على الفتات"، وتشير إلى أن "التربة الفقيرة مناسبة لنبتة الشفلح، لكن التجارب توقفت بسبب نقص التمويل، ولو استثمرناها، لفتحنا سوق تصدير بملايين الدولارات".

نبتة منسية رغم أهميتها (العربي الجديد)
نبتة منسية رغم أهميتها (العربي الجديد)

وينمو الشفلح طبيعياً في المناطق الجافة، ويقتصر دور المزارعين على القطاف، وفق ما يوضح تاجر الأعشاب رامي زيدان، ويقول لـ"العربي الجديد": "في ظلّ تدهور الاقتصاد السوري وتراجع الزراعة التقليدية، بدأت بعض العائلات بالعودة إلى جمع نبات القبار وتجفيفه وبيعه، سواء للأسواق المحلية أو للتصدير، إذ يشيع استخدامه في المطبخ الأوروبي بوصفه مخلّلاً"، ويكشف أن "البراعم المجففة تُصدّر إلى أوروبا موادَّ أولية، إذ يزداد الطلب على الشفلح، خصوصاً بعد اتجاه العالم نحو الأدوية الطبيعية، كما أنه يدخل في صناعة المخلّلات الفاخرة، ويصل سعر الكيلو المجفّف منه إلى 10 دولارات أميركيّة".  
ورغم القيمة المتزايدة للقبار، يحذّر الخبير الزراعي الأكاديمي أنور عز الدين، من مخاطر القطاف العشوائي، ويقول: "النبات يحتوي على مركّبات فلافونويد المضادّة للأكسدة، لكن عدم تنظيم القطاف يهدّد وجوده. نحتاج إلى زراعة ممنهجة بدلاً من الاعتماد على المصادر البرية، لتتحول هذه النبتة "المتوحشة" إلى نموذج للثروات المهملة في سورية، التي تحتاج فقط إلى رؤية استثمارية تحفظ بقاءها، وتوظفها رافعةً اقتصاديةً للمجتمعات الريفية".  

لا يكترث للشوك (العربي الجديد)
لا يكترث للشوك (العربي الجديد)

ويلفت إلى أنّ "القبار نبات صحراوي متين، يزدهر حيث تفشل معظم المحاصيل، إذ إنّ تحمّله للجفاف والملوحة يجعله مثالاً للزراعة المرنة في ظل التغير المناخي، لكنّنا نتعامل معه مورداً ناضباً بدلاً من تطوير زراعته. ولو خصّصنا 10% من الأراضي الهامشية في السويداء ودرعا وإدلب لزراعته، لتمكّنا من خلق اقتصاد دائري يعالج البطالة ويجذب الاستثمار".  
ويوضح الخبير الزراعي أن "القبار يُستخدم تقليدياً لعلاج أمراض الكبد والروماتيزم واضطرابات الجهاز الهضمي وتنظيم مستويات السكر في الدم، وكذلك تقوية الجهاز المناعي"، ومع الاهتمام العالمي بالنباتات الطبية والمستدامة، يعتقد عز الدين أن "القبار يمكن أن يصبح جزءاً من خطة نهوض زراعي في سورية، لا سيّما في ظل التغير المناخي وتراجع المحاصيل المروية". وعن أماكن انتشاره، يكشف أن "القبار ينمو في البيئات القاحلة وشبه القاحلة، ويُعدّ نباتاً مقاوماً للجفاف، وهو ينتشر كثيراً في مناطق سورية عدة، أبرزها الجزيرة السورية (الحسكة والرقة)، حيث تشكل الأراضي البازلتية بيئة مثالية لنمو النبات، وفي منطقة البادية خصوصاً في ريف تدمر وشرق حمص، إضافة إلى الجنوب السوري مثل درعا والسويداء وريف حلب وإدلب، إذ شهدت في السنوات الأخيرة تزايداً في الاعتماد على القبار مصدرَ دخل موسمي".

ويشير الخبير الزراعي إلى أن "جذور الشفلح تمتد ثلاثة أمتار تحت الأرض، ما يجعلها مخزناً للمياه الجوفية ومانعاً طبيعياً للتصحّر، غير أن القطاف الجائر، خصوصاً اقتلاع الجذور لبيعها في السوق السوداء، يدمّر النظام البيئي الهشّ أساساً ويدمر النبتة"، ويدعو عز الدين المعنيين إلى "منع قطاف الجذور وترك جزء من البراعم لضمان تجدّد النبتة ونموّها، لأنها نبتة تستحق أن تعيش".
ورغم أن نبتة القبار لا تزال تنمو بصمت على أطراف الحقول وبين الصخور، إلّا أن قصتها لم تعد مجرد حكاية نبات بري، في بلد أنهكته تداعيات الحرب والجفاف والأزمات. وفيما تظلّ عيون المزارعين شاخصة نحو السماء في انتظار المطر، يبقى الأمل معلقاً أيضاً بالأرض، التي ما زالت تخبّئ في عمقها حلولاً بسيطة، وطبيعية، وربما منسية.

المساهمون