الفلسطينية لطيفة تواجه الترحيل من السويد

الفلسطينية لطيفة تواجه الترحيل من السويد

25 مارس 2021
وقفة سابقة دعماً للفلسطينيين في استوكهولم (جوناثان ناكستراند/ فرانس برس)
+ الخط -

بعد نحو ست سنوات من وجودها في السويد، تجد لطيفة وهي فلسطينية من غزة تبلغ من العمر 68 عاماً، نفسها في مواجهة ترحيل إجباري، إنّما ليس إلى القطاع المحاصر بل إلى مصر. وعلى الرغم من كل الشكاوى التي تقدمت بها أمام السلطات السويدية ووجود أقارب لها في السويد وكذلك في دول الجوار الإسكندينافية، تصرّ دائرة الهجرة على قرارها. وقبل أشهر، تحوّلت لطيفة التي تعيش وحيدة وتعاني أمراضاً عدة، إلى مقيمة غير قانونية، ما يعني "وقف الاستفادة من معاينات الأطباء ومن العلاجات الضرورية لي". وتشرح لطيفة لـ"العربي الجديد" ظروفها الصعبة، مشيرة إلى "أخطاء يرتكبها موظفون مسؤولون في مجال الهجرة، علماً أنّ عدداً من الذين يقيّمون الحالات هم من العرب". تضيف أنّه "على الرغم من أنّني أملك كل الوثائق التي قدمتها لهم قبل سنوات، فإنّهم يشككون في كوني من غزة".
لطالما تعاملت السلطات السويدية مع الفلسطينيين الآتين من غزة والضفة الغربية بكثير من التردد في ما يخصّ منحهم إقامات أو تجديدها. وكما هي الحال مع لطيفة، فإنّ فلسطينيين كثراً تحوّلوا بعد سنوات من الاستقرار في البلاد إلى مقيمين غير قانونيين. ويؤدي ذلك إلى الإطاحة بكل ما بنته أسر بأكملها في خلال سنوات، إذ تتوقف الأعمال والدراسة ويُمنع الأفراد من المراجعات الصحية، علماً أنّ ثمّة من يعاني أمراضاً مزمنة.
وتشير لطيفة إلى أنّه "حين طُلب منّي إحضار جواز سفر فلسطيني جديد، قمت بذلك وقد حصلت عليه كما العادة من خلال توكيل الأهل في غزة. وعلى الرغم من ذلك ومن توفّر عشرات الوثائق حول أهلي ومسقط رأسي، بما فيها شهادات ميلاد وصور، فإنّ موظّفَين راحا يشككان بجواز سفري وبجنسيتي وبتصديق السفارة الفلسطينية في السويد". تضيف أنّ ذلك منعها في الأشهر الثلاثة الماضية من شراء الأدوية اللازمة، وتقول: "أعاني من ضرر بالغ في ذراعي التي لا أستطيع تحريكها نتيجة إصابة حرب، وعلى الرغم من ذلك يمنعون عني الدواء وأنا غير قادرة على زيارة طبيب".

قضايا وناس
التحديثات الحية

ومن خلال جعل لطيفة مقيمة غير قانونية في السويد، ثمّة ضغوط بحسب ما تخبر "من أجل ترحيلي. وبعد كلّ ما تسبّب فيه موظفون مزاجيون، قلت لهم: رحّلوني إلى أهلي في غزة إذاً. لكنّ ثمّة إصراراً غريباً يقضي بترحيلي ليس إلى مسقط رأسي في غزة، بل إلى مصر". تضيف أنّ "محاولات وقف السفر الذي يعدّه الأطباء خطراً على حياتي، تزيد من إصرار الموظفَين على وجوب قبول ترحيلي إلى مصر. هم لم يستوعبوا أنّني لست مصرية بل من غزة"، متابعة أنّ "كل الإصرار والتهديد بوضعي على قوائم الشرطة بعد كل هذا العمر هو بهدف منع منحي مبلغ الترحيل الذي تخصصه السلطات لتوفير العلاج والدواء، بحسب ما فهمت من موظفين آخرين". وتشرح لطيفة أنّ "من يُرحّل عادة إلى بلده يُمنح مبلغاً بسيطاً (نحو ثلاثة آلاف دولار أميركي لتدبير أموره في خلال الأشهر الأولى في الوطن). لكنّ الترحيل إلى بلد آخر يلغي منحك أيّ مساعدة. وللأسف، حين أشرح لهم أنّني مسنّة ولا أستطيع قبول تسفيري إلى القاهرة ومنها تدبّر أمري إلى غزة، كما يطلبون، لا أجد آذاناً صاغية. لا أحد يبالي".
حاولت "العربي الجديد" التواصل مع مصلحة الهجرة في استوكهولم للاستفسار حول قضية لطيفة والخطأ الحاصل في ما يتعلق ببلد المنشأ والإجحاف اللاحق بها، لكن من دون جدوى. فالمعنيون في مصلحة الهجرة يؤكدون أنّهم غير مخوّلين  التحدّث عن قضية بعينها. من جهتها، لم تفلح محاولات لطيفة في هذا الإطار، وتقول إنّ الأمر أدّى إلى "محاصرتي أكثر. ولم أعد أقوى على رعاية نفسي. ولأنّهم منعوا عنّي الرعاية المنزلية، صرت أبيع أثاث بيتي لأتمكّن من تأمين مأكلي منذ أشهر. وهذا بالإضافة إلى عدم قدرتي على الحصول على الدواء لأنّ الأطباء لا يستطيعون صرف وصفة من دون تأمين صحي".

تحوّلت لطيفة التي تعيش وحيدة وتعاني أمراضاً عدة إلى مقيمة غير قانونية


عند الاطلاع على جواز سفر لطيفة، يمكن التأكد بالفعل من أنّه صادر رسمياً عن السلطة الوطنية الفلسطينية وبرقم وطني، ما يعني أنّها بالفعل من غزة. وما تعانيه لطيفة يعانيه كذلك عشرات الغزيين والفلسطينيين من الضفة الغربية الذين حوّلتهم السلطات السويدية منذ عام 2018 إلى "مقيمين غير قانونيين"، علماً أنّ منهم من يقيمون في البلاد منذ سنوات طويلة وقد أبصر أولادهم النور فيها. وفي هذا الإطار، شهدت مدن مالمو وغوتيبورغ واستوكهولم وقفات احتجاجية لأسر فلسطينية متضررة، لكنّ ذلك لم يحرّك ساكناً في قضاياهم، مع الإشارة إلى أنّ السلطات لم تفرّق بين مسنّ ومريض وشاب وطفل. الجميع قد يجد نفسه على قوائم الترحيل.
في خلال الأشهر الماضية، حاولت لطيفة التواصل مع جهات حقوقية في السويد، لكنّ تراكم القضايا المماثلة بحسب ما يبدو في سياق سياسة هجرة متشددة تنتهجها الدولة منذ عام 2016، على الرغم من وجود يسار الوسط في الحكم، يؤدّي إلى تأخّر دراسة القضايا الإنسانية. ويقول أشخاص من مالمو لـ"العربي الجديد" إنّ "سياسة المماطلة مقصودة لدفع الناس نحو اليأس. هي أشبه بسياسة الحصار عندما تُقطع عنك كل سبل الحياة وتتحوّل إلى اسم في قوائم الترحيل". وتعلّق لطيفة بدورها أنّه "حتى حين يرفض هؤلاء الناس قرارات سلطة الهجرة تحويلهم إلى مقيمين غير شرعيين، فإنّ التهديد بتحويلك إلى الشرطة والاحتجاز، وللأسف على لسان موظفين هم بالأصل من المهاجرين، يجعلك تتساءل إذا كانت السلطات بالفعل تتّبع سياسة ترهيب لإجبار الناس على مغادرة البلد".

المرأة
التحديثات الحية

من جهته، يقول أحد الناشطين في مجموعة تضم عشرات الغزيين المهددين بالترحيل لـ"العربي الجديد" إنّ "ما يجري هو تعبير إمّا عن جهل الموظف المسؤول عن القضايا، إذ يعرض على الفلسطينيين السفر إلى الأردن ومصر على الرغم من علمه أنّهم من غزة أو الضفة، وإمّا عن سياسة منتهجة للتخلص من المهاجرين الفلسطينيين وعدم الاعتراف بصفة لاجئ من غزة والضفة لأسباب تتعلق بدولة الاحتلال الإسرائيلي".
تجدر الإشارة إلى أنّه حين سألت لطيفة عن آلية الترحيل، هي التي تعاني عجزاً، أجابوها: "هذه مشكلتك. يمكنك العثور على من يرافقك إلى مصر". وحين كرّرت لهم أنّها من غزة وليست من مصر، أجابوا: "يمكنك أخذ الحافلة إلى غزة". وتقول الغزية الستينية: "بكل بساطة هؤلاء يجهلون الوضع وغير مبالين بأنّني مسنّة ومريضة ولا أستطيع السفر، خصوصاً أنّ لا أقارب لي في مصر".

المساهمون