استمع إلى الملخص
- تعاني العائلة من إجراءات الاحتلال التعسفية، مثل منع دفن جثمان ابنها ناصر وهدم بناية العائلة. تمتد المعاناة إلى أحفادها، حيث اعتُقل ابن نصر واثنان من أبناء يوسف.
- رغم الإفراج عن أبنائها، تعبر الحاجة لطيفة عن ألمها بسبب استمرار اعتقال الأسرى، مؤكدة أن فرحتها منقوصة حتى الإفراج عن جميع الأسرى.
منذ 23 عاماً تنتظر الحاجة لطيفة أبو حميد من مخيم الأمعري جنوب مدينتي رام الله والبيرة وسط الضفة الغربية، لقاء أبنائها الأسرى الثلاثة، ورغم تحريرهم، السبت، ضمن صفقة التبادل بين حركة حماس والاحتلال الإسرائيلي، غير أن فرحة أبو حميد تحولت لألم جديد، إذ تمنعها الإجراءات التعسفية للاحتلال من تحقيق حلمها في رؤية من تبقى من أبنائها.
كانت الحاجة لطيفة أبو حميد، قبل العشرين من ديسمبر/كانون الأول 2022، والدة لخمسة من الأسرى المحكومين بالسجن المؤبد مدى الحياة وأمًّا لشهيد، فأصبحت بعد ذلك التاريخ والدة شهيدين بعد استشهاد ابنها الأسير ناصر أبو حميد، المحتجز جثمانه، وبقيت والدة أربعة أسرى محكومين بالمؤبدات.
وفي الخامس والعشرين من يناير/كانون الثاني الجاري، أصبحت والدة ثلاثة من الأسرى المحررين بصفقة "طوفان الأقصى" (نصر وشريف ومحمد)، ووالدة الأسير إسلام المحكوم بالمؤبد، والشهيدين عبد المنعم وناصر، أما في السادس والعشرين من يناير/كانون الثاني الجاري، فأصبحت أمًّا محرومة من لقاء أبنائها المحررين بسبب قرار الاحتلال بإبعادهم إلى مصر ومنعها من السفر في الوقت ذاته.
يقول ناجي أبو حميد، الذي كان مرافقًا لوالدته عند معبر الكرامة، "إن سلطات الاحتلال لم تقدم أي أسباب لقرار المنع من السفر، مع العلم أن العائلة لم يكن أي من أفرادها ممنوعًا من السفر مؤخرًا"، مؤكدًا لـ"العربي الجديد"، أن القرار هو إجراء انتقامي وعقوبة جماعية غير مبررة ولا إنسانية. وحول إن كانت العائلة ستلجأ لخطوات قانونية ضد القرار، يقول أبو حميد: "إن الاحتلال يتعامل على أنه فوق القوانين".
ويؤكد مركز الدفاع عن الحريات والحقوق المدنية، أنه لا توجد أسباب أمنية للمنع من السفر، وخلال العام الماضي حصلت الحاجة أبو حميد وعدد من أفراد أسرتها على قرار برفع المنع من السفر وذلك بعد متابعة قانونية، ولم تقدم سلطات الاحتلال أي أسباب أو ادعاءات أمنية، وفقاً لمدير المركز حلمي الأعرج خلال تصريحه لـ"العربي الجديد".
أبو حميد: الأسرى يخرجون من السجون كالأشباح ومعاناتهم لا توصف
لم تستطع أبو حميد النوم منذ أول مرة قرأت فيها أسماء أبنائها الثلاثة مدرجة ضمن قوائم الأسرى المحررين، تنتظر لحظة الإفراج عنهم بعد سنوات من المعاناة، لكن رغم ذلك، تقول أم ناصر: "لو خيرت بين أن يخرج أولًا أبنائي أم الأسرى المرضى لاخترت الأسرى المرضى"، ربما لأنها فقدت ناصر شهيدًا وهو معتقل بسبب مرض السرطان، وسياسة الإهمال الطبي التي يتعرض لها الأسرى.
وحتى الآن لم تلتقِ الحاجة أبو حميد مع أبنائها المحررين بعد، لكنها تواصلت معهم عبر مكالمات الفيديو، لكنها كما كانت تقول لـ"العربي الجديد" قبل محاولتها السفر: "أملي عند الله كان موجودًا دائمًا، وكان لدي يقين أن الله بلحظة يغير كل شيء، ويخرج أبنائي".
فرحة لطيفة أبو حميد منقوصة بسبب معاناة غزة
تقول أم يوسف أبو حميد: "إن فرحة اتفاق وقف إطلاق النار وصفقة التبادل هي فرحة منقوصة، بمعاناة غزة، واستشهاد آلاف مؤلفة، ومنقوصة حتى الإفراج عن كل الأسرى". مستدركة: "لكن ابتسامة أهل غزة تشرح البال، هم المعروفون بالقوة والشجاعة، نسأل الله أن يجبر كربهم ويرحم شهداءهم ويفرج عن أسراهم".
كانت تأمل الحاجة أم ناصر بأن يخرج أبناؤها إلى داخل الوطن الذي ضحوا وناضلوا من أجله، لكنها ترى أن الإفراج إلى أي مكان أفضل من البقاء في السجن. مضيفة: "تأثرت بأن الإفراج عنهم سيكون إلى خارج فلسطين، لكنه قرار احتلالي، وكان من الممكن لو أنهم خرجوا إلى الضفة الغربية أن يعتقلهم الاحتلال مرة أخرى كما حدث مع أسرى صفقة شاليط (وفاء الأحرار)، فالاحتلال لا يلتزم بالاتفاقات والوعود". مضيفة: "كنت أتمنى أن أراهم هنا وأحتفل بهم، ولكن الحمد لله أنهم خرجوا من السجن ليعيشوا حياتهم، فالأسرى يخرجون من السجون كالأشباح ومعاناتهم لا توصف".
عقوبات لأهالي الأسرى تاريخ من العذابات
تاريخ عائلة أبو حميد أرهقته الإجراءات التعسفية للاحتلال، بدءًا من جريمة حرمانها من دفن جثمان ابنها ناصر، وهدم بناية للعائلة تحوي منزل الحاجة أبو حميد ومنازل عدد من أبنائها، وحتى بعض الحالات التي مُنعت فيها من زيارة أبنائها، كما حصل في اليوم ذاته لأخذ الاحتلال قياسات منزلها تمهيدًا لهدمه في أغسطس/آب 2018، إذ أُعيدت من الطريق خلال توجهها إلى سجن عسقلان، لزيارة أربعة من أبنائها المحتجزين هناك، وهي عقوبات متراكمة على العائلة انتقامًا من نضال أبنائها.
ولا تقتصر معاناة أبو حميد على اعتقال أبنائها، بل امتد الأمر إلى أحفادها، ابن نصر المفرج عنه معتقل، وهو الحفيد الذي كان بعمر 11 شهرًا حين أعيد اعتقال والده، واثنان من أبناء نجلها يوسف معتقلان.
تروي الحاجة لطيفة أبو حميد بعضًا مما مر به أبناؤها، فناصر المولود عام 1972، بدأ مسيرته النضالية منذ طفولته، وأصيب إصابة بليغة، تعرض للاعتقال عدة مرات، كان آخرها العام 2002، وحُكم عليه بالسجن المؤبد مدى الحياة سبع مرات إضافة إلى 50 عامًا، وواجه ظروفًا صحية صعبة بعد إصابته بسرطان في الرئة، وظل يعاني حتى استشهد عام 2022.
نصر أو أبو الرائد (51 عامًا) كان قد تعرض للاعتقال منذ كان طفلًا، ليصل مجموع سنوات اعتقاله 30 عامًا، منها 23 عامًا متواصلة، وقبلها خرج لبضعة أشهر تزوج فيها ورزق بمولود، ثم عاد للسجن محكومًا بخمس مؤبدات، اعتقل مع شقيقه ناصر في عام 2002 من بيتونيا.
اما شريف (49 عامًا) فقد اعتقل عدة مرات، بمجموع 32 عامًا، منها 23 عامًا متواصلة منذ العام 2002، وحُكم عليه بالسجن المؤبد مدى الحياة أربع مرات. وإسلام (39 عامًا) اعتقل عام 2018، وحُكم عليه بالسجن المؤبد مدى الحياة، بتهمة قتل جندي إسرائيلي عند اقتحام مخيم الأمعري في البيرة وسط الضفة الغربية بواسطة إلقاء حجر كبير عليه، مع إلزامه بدفع 258 ألف شيكل (80 ألف دولار). ومحمد (42 عامًا) والمعتقل منذ عام 2002، والمحكوم بالمؤبد مرتين إضافة إلى ثلاثين عامًا، ولمحمد قصة خاصة، ومعاناة أخرى إضافية مع منع عائلته من زيارته، فهو قبل أربع سنوات عقد قرانه على وردة حمد، وتزوج منها وهو أسير، وحُرمت مع عائلته من المرور عبر معبر الكرامة للالتحاق به في مصر.
تقول وردة حمد لـ"العربي الجديد": "الإبعاد عن الوطن ليس سهلاً، والغربة صعبة، ولكنني أحمد الله على حرية زوجي وشقيقيه"، قائلة: "إنها راهنت العالم كله باختيارها له زوجًا، فكل من علم بنيتها الزواج به، كان يقول لها إنه أسير محكوم بالمؤبد ولن يخرج، لكنها أصرت ولم تندم يومًا".
أما عبد المنعم، الذي استشهد عام 1994، عن عمر 24 عامًا، فقد لُقب بـ"صائد الشاباك"، فقد نفذ عملية نوعية قتل خلالها ضابط شاباك في مدينة القدس المحتلة، واغتاله الاحتلال لاحقًا بعد ملاحقته.