العنف يحصد أرواح السويديين... 3 قتلى بالرصاص في أوبسالا شمال استوكهولم

30 ابريل 2025
الشرطة بمسرح الجريمة وسط مدينة أوبسالا بالسويد، في 30 إبريل 2025 (فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- شهدت مدينة أوبسالا في السويد حادثة قتل ثلاثة شبان بالرصاص أمام صالة لتصفيف الشعر، ضمن سلسلة من أعمال العنف المرتبطة بالعصابات المنظمة، حيث تُستخدم الدراجات الكهربائية في تنفيذ الجرائم.
- تعاني السويد من تصاعد حروب العصابات منذ 2014، مما يغير النظرة التقليدية للمجتمع الآمن، مع تسجيل مئات حوادث إطلاق النار سنوياً، واستغلال العصابات للنظام الاجتماعي لتحقيق أرباح غير مشروعة.
- حادثة أوبسالا تضع السلطات أمام تحديات كبيرة، مع دعوات لوقف العنف المميت، وتخوف دول مجاورة من انتقال الجرائم، مما يدفعها لمحاكمة المراهقين كالبالغين.

تعيش السويد على وقع صدمة جديدة، إثر مقتل ثلاثة شبان بالرصاص، مساء أمس الثلاثاء، أمام صالة لتصفيف الشعر وسط مدينة أوبسالا، شمال العاصمة استوكهولم. ولم تتمكن الشرطة السويدية حتى صباح اليوم الأربعاء من اعتقال أي مشتبه فيه، مرجّحة فرار الجاني المفترض على دراجة كهربائية. وقد استدعت الشرطة، مساء أمس، مزيداً من عناصرها إلى ساحة فاكسالا بعد الساعة الخامسة مساءً.

وقالت الشرطة، على لسان المتحدث باسمها ماغنوس كلارين، إن ما وقع "حادث خطير"، مشيرة في وقت متأخر من مساء أمس إلى ترجيح فرضية أن الجريمة كانت عملية تصفية نفّذها شخص واحد. ومع ذلك، أكدت الشرطة أنها لا تملك معلومات مؤكدة حول عدد الجناة، باستثناء ما أدلى به الشهود من إفادات تفيد بفرار منفذ ملثم على متن دراجة كهربائية.

عنف ورصاص في أوبسالا

من جهتها أعلنت وزارة العدل عن تخصيص المزيد من الموارد الشرطية لحل عملية القتل الثلاثية. وأكد وزير العدل السويدي غونار سترومر لصحيفة أوبسالا المحلية أن ما جرى يعد "عنفاً وحشياً وخطيراً للغاية". ويعتبر العنف الذي يشير إليه سترومر تحدياً كبيراً لمجتمع السويد الذي يضم أكثر من 10 ملايين نسمة على مدار السنوات العشر الماضية. 

وعادة ما تربط حوادث تبادل إطلاق النار والتفجيرات باحتراب عصابات الجريمة المنظمة على أسواق الممنوعات، وغيرها (والتي أصبحت عابرة لحدود السويد وصولاً إلى ألمانيا والدنمارك ودول أخرى يقيم فيها كبار المتحكمين بها). ولم ينف المتحدث باسم الشرطة، كلارين، فرضية أن جريمة القتل مساء أمس ترتبط بالعصابات بقوله للصحافة المحلية :"من الواضح أننا ننظر فيما إذا كانت مرتبطة بالصراع الدائر بين العصابات".

وتُركّز الصحافة السويدية على الأسلوب المتكرر في تنفيذ عمليات القتل، حيث يستخدم الجناة دراجات كهربائية للوصول إلى مواقع الجريمة، وغالبا ما تقع هذه الجرائم أمام صالونات تصفيف الشعر أو مطاعم البيتزا التي يرتادها المتنافسون، بهدف مباغتتهم، وفقا لتقديرات المتابعين لتكرار إطلاق النار في مثل هذه الأماكن. كما تتعرض بعض الأنشطة التجارية التي ترفض دفع "إتاوات" للعصابات، لاستهدافات بالتفجير والحرق، امتدت آثارها حتى العاصمة الدنماركية كوبنهاغن، بالإضافة إلى مختلف مدن جنوب السويد وضواحي استوكهولم.

معاناة مجتمع يفقد الأمن

وتعاني السويد، منذ عام 2014، من تصاعد في حروب العصابات المنظمة، التي تخلّف سنويا عشرات الضحايا، بينهم أبرياء لم يكن لهم أي صلة مباشرة بالنزاع، وإنما صادف وجودهم في المكان الخطأ، أو بسبب أخطاء في تحديد هوية المستهدفين. ويُعزى ذلك جزئيا إلى اعتماد العصابات على قُصّر ومراهقين لتنفيذ عملياتها، في محاولة للتهرب من العقوبات الصارمة التي تُفرض على البالغين.

وتُسجّل السويد سنويا مئات من حوادث إطلاق النار وأعمال العنف، ما غيّر النظرة التقليدية للمجتمع إلى نفسه مجتمعا آمنا ومستقرا. وتؤدي هذه الموجة من العنف، خاصةً حين تُربط بالعصابات النشطة في ضواحي مدن متعددة ويقودها أفراد من أصول مهاجرة، إلى تغذية خطاب اليمين المتطرف والشعبويين، الذين يسعون إلى تعميم الاتهامات على أقليات.

وشهدت السويد في خلال عام 2023 ذروة عمليات إطلاق النار، حيث وصلت إلى 750 حادثة، فيما تم منع 200 حادثة من الوقوع. الأمر ذاته شهده العام الماضي 2024، حيث سقط عدة ضحايا من "عابري سبيل". وبين تلك الأحداث ما وقع صيف العام الماضي حيث أطلق شبان مراهقين النار على رجل كان يستقل دراجة هوائية إلى جانب ابنه متجهين إلى بركة سباحة، وبعد تلاسن قصير قاموا بقتله أمام طفله. وأشعل ذلك القتل سجالا وغضبا مجتمعيا يطالب بتشديد العقوبة حتى على القصّر والمراهقين ممن يحملون ويستعملون سلاحا.

ووفقاً لإحصاءات الشرطة السويدية، فقد شهدت البلاد في السنوات الأخيرة، زيادة في حوادث حرائق متعمدة وخطط تفجيرات بسبب تنافس الجماعات الإجرامية. ويحذر متخصصون ومراقبون إسكندنافيون من خطر فقدان السويد السيطرة على العصابات. وظلت الشرطة السويدية لسنوات تعاني شحاً في الموارد لمواجهة استفحال الظاهرة، إلى حد أنها تعترف اليوم بوجود نحو 60 ألفاً مرتبطين بعالم الجريمة. وبعضهم يقوم على تركيبة شبه عشائرية، موسعين أعمالهم الإجرامية نحو مستويات أكبر من مجرد أسواق المخدرات والاتجار بالبشر (تهريب وتشغيل) وغيرها. فلأجل التربح تقوم العصابات باستغلال النظام الاجتماعي السويدي، وتحديدا في مجال رعاية المحتاجين والأشد ضعفا في المجتمع من أصحاب الاحتياجات، للتحايل على النظام والتربح السريع، باختراع حالات (بإشراك أقارب للتمثيل أنهم يعانون مرضا) ليقوم أعضاء العصابات بالرعاية وإرسال الفواتير إلى الدولة السويدية.

في ظل هذه الأوضاع، يأتي مقتل الشبان الثلاثة أمس في أوبسالا ليضع المستوى السياسي والقضائي والأمني أمام تحديات جدية للإجابة على أسئلة كثيرة تتعلق بما يسميه البعض "انفلات الوضع". وحذرت رئيسة الحكومة السابقة من يسار الوسط (الاجتماعي الديمقراطي) ماغدالينا أندرسون في منشور لها على "إكس" من تنامي هذا العنف. ووصفت أندرسون ما جرى بـ"جريمة قتل مروعة"، مضيفة أنه "يجب وقف العنف المميت الذي ينخر بلدنا".

تصريح أندرسون، التي عايشت أيضا استفحال الجريمة المنظمة، لا يختلف كثيرا عن تصريحات بعض أمنيي وسياسيي دول مجاورة، مثل الدنمارك، التي تخشى من ظاهرة انتقال جرائم القتل في السنوات الأخيرة إلى أرضها. فعصابات الجريمة، وخاصة شبه العشائرية، باتت تتمدد علاقاتها عبر الحدود، ويزج بمراهقين للقيام بتصفيات جسدية متبادلة بين أفرادها، وبوعود تبدو أحيانا مثيرة لمنح القاتل منهم هدايا ثمينة بعد تنفيذ العمليات. وتحاكم كوبنهاغن بعض المراهقين الذين حضروا من السويد (وبعضهم من على بعد ألف كيلومتر) لتنفيذ عملية قتل بحق أشخاص تحددهم العصابات المتنافسة، بوصفهم بالغين. وتتنامى الدعوات في استوكهولم لتطبيق السياسات الدنماركية في بلدهم الذي تستفحل فيه الجريمة المنظمة، ويتوسع المرتبطون فيها إلى عشرات آلاف الأشخاص.

 

المساهمون