استمع إلى الملخص
- طالب مجلس النواب المغربي باتخاذ إجراءات عاجلة لحماية الأطر التربوية، مشيراً إلى تدهور صورة الأستاذ وغياب قوانين صارمة لحمايتهم، مع التأكيد على أن العنف يعكس مشاكل أعمق في التنشئة الاجتماعية.
- دعا الخبراء إلى إشراك رجال التعليم في صياغة السياسات التعليمية، وإعادة الاعتبار للأستاذ، وتوفير الدعم المدرسي، وإصدار قوانين تحمي الكوادر التعليمية لضمان بيئة تعليمية آمنة.
تتكرر حوادث الإعتداءات على الكوادر التعليمية في المغرب من قبل طلاب وأهاليهم، وينتج عن بعضها سقوط ضحايا، ما يتطلب تدخلاً سريعاً وحاسماً من قبل الجهات المعنية.
كانت الأستاذة هاجر العيادر تعمل بمعهد التكوين المهني بمدينة أرفود جنوب شرقي المغرب، ونقلت في حالةٍ حرجةٍ إلى قسم العناية المركزة بالمستشفى الجامعي الحسن الثاني بفاس، يوم 27 مارس/ آذار الماضي، إثر تعرضها لاعتداء بالشارع العام باستخدام آلةٍ حادةٍ من قبل أحد طلابها (21 سنة).
لم تفلح تدخلات الكوادر الطبية في إنقاذ الأستاذة التي فارقت الحياة في 13 إبريل/ نيسان الجاري، متأثرةً بخطورة إصابتها، ما خلّف صدمةً قويةً في الأوساط التعليمية والرأي العام المحلي والوطني، وأثار موجةً من الاستنكار والغضب العارم. ولا يكاد يمر يوم دون الإعلان عن وقوع اعتداءات على الأساتذة والأطر التعليمية في المغرب، ما يشير إلى تصاعدها في السنوات الأخيرة.
وشهدت المدارس المغربية خلال الأسابيع الماضية عدداً من حوادث العنف جعلت الكثير من المواطنين والمهتمين بالشأن التربوي يعيشون حالة قلقٍ وصدمةٍ في آن، كان من أبرزها تعرض أستاذ مادة الرياضيات بثانوية أولاد إدريس التأهيلية بمدينة الفقيه بنصالح (وسط) لاعتداءٍ وُصف بـ"الشنيع" داخل الفصل الدراسي، صباح الثلاثاء 8 إبريل/ نيسان الجاري، ما استدعى نقله على وجه السرعة إلى قسم المستعجلات لتلقي الإسعافات والعلاجات الضرورية. وقبل ذلك، تعرض أستاذ يعمل بثانوية العزوزية التأهيلية بمدينة مراكش، في 27 فبراير/ شباط الماضي، لاعتداء جسدي من طرف أم تلميذة أثناء مزاولة مهامه التدريسية. وسبقه بأيام، تحوّل فصل دراسي بثانوية الفتح التأهيلية بمدينة الخميسات إلى ساحة جريمة، بعدما طعن تلميذ قاصر أستاذه بسكين على مستوى الرأس، ما أثار استنكاراً واسعاً داخل الأوساط التعليمية والمجتمعية.
ودفع تكرار حوادث العنف ضد الأساتذة والأطر التعليمية في الآونة الأخيرة، التنسيق النقابي لقطاع التعليم (مكوّن من خمس نقابات) إلى دقّ ناقوس الخطر إزاء ما وصفه بـ"تصاعدٍ خطيرٍ في وتيرة العنف داخل المؤسسات التعليمية المغربية، خاصة الاعتداءات الجسدية واللفظية من طرف التلاميذ أو أولياء أمورهم"، معتبراً في بيان صدر في 14 إبريل الحالي، أن هذه الظاهرة باتت تهدد سلامة نساء ورجال التعليم، وتستدعي وقفة تأمل حقيقية بشأن أسبابها وتداعياتها على المنظومة التربوية برمتها. ويربط التنسيق النقابي هذه الاعتداءات بجملة من الأسباب، من بينها الهشاشة الاجتماعية، والتفكك الأسري، والفقر، والبطالة، وتأثير الشارع ووسائل التواصل الاجتماعي، بالإضافة إلى ما اعتبره إخفاقاتٍ متتاليةٍ في الإصلاحات التعليمية، والتحريض على المدرسين، وتبخيس أدوارهم، بل و"زرع الحقد والكراهية ضدهم" في محاولة للتغطية على ما سماه البيان بـ "الفشل المريع" للسياسات التعليمية بالمغرب.
وفي خضم الجدل الذي أثاره تكرار حوادث العنف ضد الأساتذة والكوادر التعليمية، مؤخراً، دخل مجلس النواب المغربي على الخط من خلال مطالبة النائب البرلماني عن حزب "الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية" المعارض، مولاي المهدي الفاطمي، في سؤال كتابي وجهه إلى وزير التربية الوطنية، باتخاذ إجراءات استعجاليةٍ لحماية الأطر التربوية جسدياً ونفسياً داخل المؤسسات التعليمية. وكان لافتاً تأكيد البرلماني أن "صورة الأستاذ، التي كانت ترمز في السابق إلى الوقار والمكانة داخل المجتمع، باتت اليوم مهددةً، حيث أصبح رجال ونساء التعليم عرضةً للإهانة والاعتداء، في ظل غياب قوانين صارمةٍ وإرادةٍ سياسيةٍ واضحةٍ تضمن كرامتهم وسلامتهم المهنية"، مشيراً إلى أن "هذه الاعتداءات تمر في الغالب دون محاسبة أو متابعةٍ تذكر".
وفي ظل هذا الوضع، يقول رئيس منظمة "بدائل للطفولة والشباب" (غير حكومية) محمد النحيلي، إن ما حدث من حوادث عنف لاسيما الجريمة البشعة التي ذهبت ضحيتها الأستاذة بمدينة أرفود لا يمكن إلا أن تُصنف ضمن أشكال العنف القصوى التي تسيء بعمق إلى المنظومة التربوية، وتضرب في الصميم كل الجهود التي تبذلها مختلف الأطراف لبناء فضاءٍ تربوي آمنٍ وإنساني. ويرى النحيلي، في حديث لـ"العربي الجديد "، أن هذه الجريمة ليست حدثاً معزولاً، بل هي نتيجة لتراكمات اجتماعية وتربوية ونفسية عميقة، موضحاً أنه يمكن تفسير هذه الظاهرة من خلال هشاشة التربية الأسرية، وغياب المواكبة النفسية داخل مراكز التكوين، وتنامي الإحساس بالإقصاء والتهميش في صفوف فئات من الشباب. كما أن غياب مقاربة وطنية شمولية للحد من العنف داخل المؤسسات التعليمية يفاقم خطورة الوضع.
من جهته، يرى رئيس "الشبكة المغربية التحالف المدني للشباب "( غير حكومية) عبد الواحد الزيات، أن الزيادة المقلقة في حوادث العنف ضد الأساتذة، والتي بلغت ذروتها بجريمة قتل أستاذة في التكوين المهني، تشكل مؤشراً خطيراً على تفاقم ظاهرة العنف وانفلاتها. ويوضح أن "هذه الجريمة النكراء أثارت استياءً واسعاً وحزناً عميقاً في المجتمع المغربي، ولا يمكن تجاهلها بالنظر إلى الثغرات التي تتسرب منها مظاهر العنف، وأعطاب على مستوى التنشئة الاجتماعية، وتعاطي المخدرات وحبوب الهلوسة وغيرها".
ويلفت الزيات، في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أنه سبق للشبكة المغربية للتحالف المدني أن حذّرت من تنامي هذه الظاهرة بين الشباب بشكل خاص، مؤكدة وجود اختلالات حقيقية في التنشئة الاجتماعية وحالات تستدعي تعاملاً حذراً، خاصةً في المدارس ومؤسسات التكوين المهني. فيما يوضح الباحث في علم الاجتماع، عبد المنعم الكزان، أن المدرسة أصبحت عاجزةً عن مواكبة التفكك التدريجي لعدة سلطات تقليدية على رأسها الأسرة، إضافة إلى التحولات التي أصبحت تعرفها المجتمعات، بحيث أصبحت أكثر فردانيةً، دون أن ننسى كذلك أن المدرسة أصبحت أداةً لإعادة إنتاج اللامساواة بعد أن كانت وسيلةً للترقية الإجتماعية من خلال تخريج أفواج العاطلين.
ويضيف الكزان، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "العنف يتحول إلى مقاومة ضد منظومة يمثلها ذهنياً الأستاذ، كما أن الفضاء الرقمي أيضاً أصبح بديلاً للأستاذ في مجال إنتاج المعرفة لينظر إلى رجل التعليم كحاجب وليس ناقلا للمعرفة، دون أن ننسى السياسات التعليمية التي أفقدت الأستاذ والإدارة أدوات فرض الانضباط".
ولمحاربة العنف ضد الأساتذة في مدارس المغرب، يؤكد الكزان ضرورة إشراك رجال التعليم في صياغة السياسات التعليمية بدل تنزيلها فوقياً، وإعادة الاعتبار للأستاذ من خلال الإعلام والسينما والفنون والبرامج التلفزيونية للرفع من مكانته في المخيال الجمعي للمغاربة. كما يشدد على ضرورة الدعم المدرسي والأنشطة الموازية والتوجيه المهني، ودعم مراكز الإرشاد الأسري، والتخفيف من الاكتظاظ بالنسبة للمناطق المهمشة، بالاضافة إلى المقاربة القانونية، وإقرار عقوبات بديلة أكثر صرامةً، وتشديد العقوبات على الاعتداءات التي تطاول الأساتذة على غرار عدة قطاعات من الوظيفة العمومية بالنسبة لغير القاصرين، وتوقيع التزام الدخول المدرسي.
بالمقابل، يطالب التنسيق النقابي بإلغاء فوري لكل المذكرات التي وصفها بـ"المتسامحة مع العنف"، في إشارة إلى المذكرة الوزارية رقم 14/867، المعروفة إعلامياً وتربوياً بـ"مذكرة البستنة"، والتي أصبحت محل اتهام من طرف عدد من الفاعلين بكونها تُسهم في انتشار التسيب والعنف داخل المؤسسات التعليمية، من خلال تقليصها لصلاحيات الأطر الإدارية في اتخاذ الإجراءات التأديبية اللازمة. من جهته، يقول النحيلي إن المطلوب اليوم هو تحرك جماعي مسؤول، تشارك فيه الدولة والمجتمع المدني والمؤسسات التربوية. نحتاج إلى مقاربة متعددة المستويات تبدأ من تأمين المؤسسات التربوية وتوفير الحماية للعاملات والعاملين بها، وإدماج التربية على القيم والمواطنة، وحقوق الإنسان في البرامج والمناهج منذ التعليم الأولي. وكذلك تمكين الأطر التربوية من مواكبة نفسية ومهنية فعالة، وإعادة الاعتبار لدورها داخل المجتمع، وإشراك الأسر والإعلام والمجتمع المدني في نشر ثقافة الحوار ونبذ العنف.
ويشدد النحيلي على ضرورة إخراج قوانين وتشريعات تحمي نساء ورجال التعليم، وتُجرِّم بشكل صريح وواضح الاعتداء عليهم، سواء داخل أو خارج فضاء العمل. ويقول: "في منظمة بدائل للطفولة والشباب، نعتبر أن حماية المدرسة المغربية هي مسؤولية الجميع، وأن كرامة وأمن الأطر التربوية هما الضمانة الأساسية لبناء مجتمع متماسك، متسامح، وقادر على العيش المشترك". بدوره، يشدد الزيات على أهمية إشراك منظمات المجتمع المدني في تأطير الشباب، وتوفير فرق من المساعدين الاجتماعيين والنفسيين، بالإضافة إلى ضرورة توفير معلومات اجتماعية ونفسية شاملة لكل طالب وتلميذ، لافتاً إلى أنه "ما زال الإهمال واضحاً بشأن إقرار سياسة عمومية مندمجة للشباب تتقاطع فيها مجهودات جميع الفاعلين وتعزز مشاركة الشباب".