العمالة تهدر حياة أطفال أفغانستان

العمالة تهدر حياة أطفال أفغانستان

24 يونيو 2021
فتى يجمع القش في كابول (عاتق بيري/ فرانس برس)
+ الخط -

يخرج محمد إدريس (11عاماً)، في الصباح الباكر من منزله الواقع في منطقة كمبني بضواحي العاصمة الأفغانية كابول، من أجل بلوغ السوق وبدء عمله الذي يكسبه 150 أفغانية (نحو دولارين)، بحلول المساء، وذلك بعد فترة طويلة من العمل الشاق طوال النهار. 
يعمل إدريس في مساعدة صاحب بقالة في التنظيف والترتيب وجمع الخضار، ونقلها إلى سيارات الزبائن. لا يجد أي فرصة للراحة طوال النهار باستثناء وقت الغداء، لذا لا يملك أي طاقة للتحدث مع أبيه وأمه وأفراد عائلته حين يعود إلى بيته. 
الذهاب إلى المدرسة كان حلم إدريس، لكنه لم ولن يحققه أبداً، بحسب ما يعتقد. يقول لـ"العربي الجديد": "أردت أن أدرس وأصبح مهندساً أصمم الأبراج والجسور ومنازل كبيرة، لكن ذلك لم يحصل وبات حلمي الآن هو ألا أحتاج إلى أحد في توفير متطلباتي الحياتية والمنزلية، وأن أوفر لأسرتي ما تحتاجه". 

قضايا وناس
التحديثات الحية

عمِل فصيح الله، والد إدريس، شرطياً في إقليم لوغار المجاور للعاصمة كابول، وتعرضت سيارة الدورية في أحد الأيام لانفجار لغم أرضي تسبب في بتر رجله اليمنى، وفقدانه إحدى عينيه. وبعد فترة من ملازمته الجلوس في المنزل أدمن فصيح الله الحشيش، وعجز بالتالي عن ممارسة أي عمل. 
وعلى غرار الفتى إدريس يخرج أخوه محمد مع شقيقته راضية في العاشرة صباحاً، وفي حوزتهما كيس صغير يحتوي على فراشٍ لتنظيف الأحذية وأصباغ متعددة الألوان. يجلسان أمام المساجد، ويعرضان على المصلين تنظيف أحذيتهم التي يتركونها معهما كي يستلموها نظيفة عند انتهاء الصلاة. يحصل محمد وأخته راضية على عشر أفغانيات بدل أجرة تنظيف الحذاء الواحد. 
وفي غير أوقات الصلوات تجوب راضية ومحمد شوارع سوق كمبني، ويعرضان على الناس تنظيف أحذيتهم. بعض هؤلاء الناس يدفعون أجرة في مقابل تنظيف الأحذية، في حين يكتفي آخرون بمنحهم النقود من دون الحصول على أي خدمة. 
حال محمد وشقيقته تتكرر لدى عدد كبير من الأطفال الأفغان، إذ لا يكاد يخلو شارع في العاصمة كابول من أطفال يدعون الناس إلى تنظيف أحذيتهم في مقابل مال زهيد يستخدمونه في توفير احتياجات أسرهم المعدومة. 
عمالة الأطفال معضلة كبيرة في أفغانستان، فهي لا تدمر فقط مستقبلهم وحياتهم، بل تستخدم وسيلة لاستغلال الأطفال المهمشين في أنواع مختلفة من الجرائم التي ترتكبها عصابات. 
يقول الأكاديمي والناشط كفايت الله حفيظ، لـ"العربي الجديد": "من أبرز أسباب عمالة الأطفال في أفغانستان هو الحرب نفسها التي تخلف سلبيات كثيرة وحالات مأساوية. والأكيد أن عدد الأطفال في شوارع كابول وباقي الأقاليم لا يمكن إيجاده في أي بلد آخر، ما يعني أن الحرب تخلّف الويلات، وأكبرها وأكثرها قساوة عمالة الأطفال، إلى جانب النزوح الداخلي".

الصورة
فتاة تحمل على راسها قطعة خردة في باغرام (عاتق بيري/ فرانس برس)
فتاة تحمل على رأسها قطعة خردة في باغرام (عاتق بيري/ فرانس برس)

ويذكر حفيظ أن "جميع أطفال مخيم النازحين في منطقة كمبني يعملون في النهار مقابل أجور زهيدة جداً، لأن عائلاتهم تركت كل ما كانت تملكه وراءها في الأقاليم الجنوبية وجاءت إلى العاصمة هرباً من القتال، ما جعل الأطفال يرغمون على العمل".  ويشير إلى أن "من الدوافع التي تقود إلى عمالة الأطفال إدمان الآباء على المخدرات، فأبناء هؤلاء يحتاجون إلى ممارسة عمل في السوق من أجل تأمين الغذاء لأسرهم، والذي يزيد أيضاً فرص سلوك هؤلاء الأطفال أنفسهم طريق الإدمان، وهو ما يحدث في أحيان كثيرة". 
ويُعد الفقر المستشري في أفغانستان أحد أهم أسباب عمالة الأطفال. وهو ما يُشير إليه حفيظ بالقول إن "معظم أبناء الشعب الأفغاني يعيشون تحت خط الفقر المدقع، ما يجعل الأسر ترى أن خروج أطفالها إلى السوق وسيلة لكسب الرزق. وتستخدم عصابات عدداً كبيراً من هؤلاء الأطفال في عمليات التسول، أو يعتادون هم أنفسهم على فعل ذلك، علماً أن معظم الذين يعملون في تنظيف الأحذية هم متسولون فعلياً، ويكسبون المال عبر هذه الوسيلة". 
ولا تنحصر التأثيرات السلبية لظاهرة عمالة الأطفال في أفغانستان في ممارستهم التسول، إذ يعدد الطبيب محمد ظاهر، في حديث لـ"العربي الجديد"، تأثيرات خطرة أخرى "بينها تلك النفسية، لأن معظم الأطفال الذين يعملون في جو من الضغوط يعانون من أمراض نفسية، خاصة أن ثقافة التعامل الحسن معهم مفقودة في مجتمعات تعاني من ويلات الحرب، وهو حال المجتمع الأفغاني. من هنا تتكرر مشاهد ممارسة العنف ضد الأطفال في ساحات العمل، ما يؤثر سلباً على نفسياتهم". ويؤكد ظاهر أن "الشرطة تتعامل مع حوادث كثيرة من هذا النوع. وأحياناً تجري مراجعة أطباء نفسيين في شأن هذه الحوادث، لكنها تبقى غالباً طي الكتمان". 

ويؤثر الحرمان من التعليم بشكل كبير على ظاهرة عمالة الأطفال في أفغانستان. فهؤلاء الأطفال بعيدون عن التعليم الذي يعتبر من أنجح وسائل القضاء على عمالتهم. وذكرت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف)، في تقرير أصدرته أخيراً، أن 3.7 ملايين طفل أفغاني محرومون من التعليم، بسبب الحرب بالدرجة الأولى.

المساهمون