العلاج حقّ للمحتجزين في مصر... إهمال في السجون وانتهاك للقانون

العلاج حقّ للمحتجزين في مصر... إهمال في السجون وانتهاك للقانون

02 يونيو 2021
في الداخل إهمال صحي (خالد دسوقي/ فرانس برس)
+ الخط -

 

يتعرّض المحتجزون في السجون ومقار الاحتجاز المصرية إلى إهمال متعدّد الأوجه، لكنّ ذلك الذي يتعلّق بالشأن الصحي يبقى الأشدّ خطورة، علماً أنّ القانون الذي يرعى ذلك مُهمل.

كان لا بدّ من ضغط نقابي كبير وتفاعل واسع على منصات التواصل الاجتماعي من أجل نقل الكاتب الصحافي المصري جمال الجمل المشتبه في إصابته بفيروس كورونا الجديد من زنزانته في سجن طرة إلى مستشفى السجن، وليس إلى مستشفى يعالَج فيه على نفقته الخاصة ولا إلى بيته لأنّه محبوس احتياطاً. وقد استلزمت رحلة الانتقال من الزنزانة إلى المستشفى في السجن نفسه، ضغطاً من قبل مجلس نقابة الصحافيين المصريين ومشادات حقوقية مصرية وإقليمية ومئات التدوينات على منصات التواصل الاجتماعي من أجل علاج سجين الرأي الذي يعاني من أعراض كوفيد-19، علماً أنّ العدوى قد تنتقل بالتالي إلى جميع السجناء والسجّانين.

هذه ليست حالة فردية للإهمال الطبي المتعمّد في السجون المصرية، غير أنّها الحالة الأحدث، علماً أنّ الحق في الصحة منصوص عليه في الدستور والقوانين ولائحة السجون المصرية. وتنصّ المادة 18 من الدستور المصري الصادر عام 2014 على أنّ "لكلّ مواطن الحق في الصحة وفي الرعاية الصحية المتكاملة وفقاً لمعايير الجودة (...) ويُجرَّم الامتناع عن تقديم العلاج بأشكاله المختلفة لكلّ إنسان في حالات الطوارئ أو الخطر على الحياة". أمّا المادة 55 من الدستور فتنصّ على أنّ "كلّ من يُقبض عليه أو يُحبس أو تُقيّد حريّته تجب معاملته بما يحفظ عليه كرامته، ولا يجوز تعذيبه، ولا ترهيبه، ولا إكراهه، ولا إيذاؤه بدنيّاً أو معنويّاً، ولا يكون حجزه أو حبسه إلا في أماكن مخصصة لذلك لائقة إنسانيّاً وصحيّاً". كذلك تنصّ المادة 56 على أنّ "السجن دار إصلاح وتأهيل. تخضع السجون للإشراف القضائي ويحظر فيها كلّ ما ينافي كرامة الإنسان، أو يعرّض صحته للخطر".

مع ذلك، يعاني المحتجزون في السجون المصرية كلّها كي يُسمَح لهم برؤية طبيب السجن الذي يعامل المحتجزين بطريقة سيّئة ويتّهمهم بالتمارض. وهو ما يدفع محتجزين كثيرين إلى الاعتماد على الأطباء المحتجزين معهم لتشخيص حالاتهم. ويمتدّ الإهمال الطبي في السجون ليشمل المنع غير المبرّر لدخول الأدوية اللازمة للمحتجز أو السماح له بالخروج لإجراء التحاليل الطبية أو اللجوء إلى مستشفى في الخارج إذا كانت حالته تستدعي ذلك، وهو أمر يحتاج إليه محتجزون كثيرون في ظلّ التجهيزات المتواضعة لعيادة السجن أو مستشفاه الذي لا يوفّر في العادة التحاليل، ما يدفع الأهالي إلى سحب عيّنات دم من المحتجزين في الزيارات وأخذها إلى أقرب معمل طبي. وقد أكد كثيرون في سجون مختلفة أنّ طبيب السجن يكتفي في العادة بوصف المسكّنات للمحتجزين بغضّ النظر عمّا يشكون منه، بحسب ما جاء في تقرير حديث صادر عن الجبهة المصرية لحقوق الإنسان (منظمة مجتمع مدني مصرية) في الرابع والعشرين من مايو/أيار الماضي.

وإذا كانت الأرقام تعبّر عن حجم الأزمة، فإنّ عام 2020 وحده شهد 73 وفاة نتيجة إهمال طبي في السجون ومقار الاحتجاز المختلفة في مصر. وقد توفي نحو 774 محتجزاً في خلال الأعوام الأخيرة؛ 73 محتجزاً في عام 2013، و166 في عام 2014، و185 في عام 2015، و121 في عام 2016، و80 في عام 2017، و36 في عام 2018، و40 في عام 2019، و73 في عام 2020. ومنذ مطلع العام الجاري، توفي 20 محتجزاً في السجون ومقار الاحتجاز المختلفة، نتيجة الإهمال الطبي المتعمد أو من جرّاء الإصابة بكوفيد-19.

الصورة
طب عيون في سجن في مصر (خالد دسوقي/فرانس برس)
صورة ملتقطة في خلال جولة دعائية بالسجون (خالد دسوقي/ فرانس برس)

وتفتقر السجون المصرية بشكل عام إلى مقوّمات الصحة الأساسية والتي تشمل الغذاء الجيّد والمرافق الصحية ودورات المياه التي تناسب أعداد السجناء وكذلك الإضاءة والتهوية والتريّض. كذلك تعاني في معظمها من الاكتظاظ، ما جعل منظمات حقوقية مصرية عديدة تطالب بإلزامية فتح النيابة العامة تحقيقاً في وفاة كلّ معتقل وسجين في أحد أماكن الاحتجاز أو السجون المصرية، بغضّ النظر عن التاريخ المرضي للسجناء. كذلك كانت مطالبات بديهية بالتعامل الجاد مع استغاثات المساجين في الحالات الطارئة وتسهيل الإجراءات اللازمة لتلقّي الرعاية الصحية في داخل السجون أو في مستشفيات خارجية، مع تخصيص ميزانية من قبل وزارة الداخلية من أجل تحسين البنية التحتية في السجون وأماكن الاحتجاز وتوفير الأجهزة والأدوات الطبية اللازمة بدلاً من الاعتماد على الإسعافات الأولية فقط.

وعلى الرغم من عبثية المشهد، تشدّد منظمات حقوقية مصرية على اتّخاذ الإجراءات القانونية اللازمة في حالة الإهمال الطبي المتعمّد للمحتجزين في السجون، سعياً إلى إنقاذهم وتوثيق كلّ تلك الانتهاكات لعلّها تغيّر الواقع في يوم، وذلك من خلال إرسال شكاوى وبرقيات إلى النيابة العامة التي يقع السجن محلّ الشكوى في دائرتها، وإلى النائب العام المصري بصفته المسؤول الأوّل عن مراقبة السجون والإشراف عليها، وإلى مصلحة السجون المصرية ومجلس الوزراء المصري والمجلس القومي لحقوق الإنسان.

صحة
التحديثات الحية

وفي حال عدم الردّ على الشكوى، يتوجّب على أسرة السجين رفع دعوى قضائية أمام مجلس الدولة والطعن في القرار السلبي بمنع تقديم الرعاية الصحية اللازمة للمعتقل أو المسجون وإلزام وزير الداخلية بتنفيذه، وتقديم الشكاوى مرّة أخرى إلى حين الاستجابة، مع استمرار التواصل مع محامي المحتجز ودوام استشارته في الإجراءات القانونية اللازمة، بالإضافة إلى تكرارها لانتزاع الحق في العلاج والدواء. ويبقى أمام أهالي السجناء في مصر، مسار قانوني طويل من أجل إدخال جرعة دواء. وهذا المسار على الرغم من طوله وكثرة إجراءاته قد لا يؤدّي إلا إلى تحسين ظروف الحبس من أجل إلزام إدارات السجون المختلفة ووزارة الداخلية ممثلة بمصلحة السجون بتوفير العلاج والدواء اللازمَين للمحتجزين، والسماح لأهالي المعتقلين بإدخال الأدوية غير المتوفّرة لديهم.

المساهمون