استمع إلى الملخص
- التكيف مع القيم الديمقراطية: اللاجئون السوريون تكيفوا مع القيم الديمقراطية والعلمانية في الدول الغربية، مما يخلق تحديات عند عودتهم إلى نظام لا يلتزم بنفس القيم.
- التوترات الثقافية والسياسية: المجتمع السوري يواجه توترات تجاه العلمانية والديمقراطية، مما يعكس تحديات في تحقيق توافق وطني حول مستقبل سوريا السياسي والاجتماعي.
يطرحُ موضوع عودة ملايين اللاجئين السوريين أو بعضهم إلى وطنهم الأم أسئلة كثيرة عن مدى جاهزية البنية التحتية من منازل ومدارس وجامعات ومستشفيات وكهرباء وماء وصرف صحّي وغيرها على استيعابهم. لكن هل تقتصر، أو هل تتوقف المسألة عند قدرة البنية التحتية على استيعاب أولئك اللاجئين واحتياجاتهم؟ ... بكل تأكيد لا، هناك مسألة تفرض علينا الانتباه إليها جيداً حينما نتحدّث عن شرائح عريضة من اللاجئين الذين سيعودون إلى بلادهم قادمين من دول وأنظمة سياسية ومجتمعات ذات مواصفات محدّدة، مجتمعات ودول وأنظمة غربية ديمقراطية، مثل ألمانيا والسويد وهولندا وفرنسا والولايات المتحدة والمملكة المتحدة وغيرها.
هذه الدول، كما يعلم الجميع، تحكمها أنظمة ديمقراطية علمانية تفصل الدين عن الدولة، مع ما يتضمّن ذلك من قوانين وتشريعات ومؤسّسات حكومية وأخرى مدنية، وآليات عمل ونماذج حياة تُفرد مكانة خاصة لقضايا مثل الحريات الشخصية، وحرية التعبير، وحرية المعتقد، وقيم العدالة والمساواة والكرامة الإنسانية، وغيرها الكثير.
أولئك السوريون، وهم بالملايين، عاشوا في تلك الدول وتحت ظل هذه القوانين والقيم ردحاً من الزمن، وخضعوا لمتطلباته وتكيفوا معه، وربما شعروا بالارتياح والاطمئنان معه وفي ظله. هنا يجب الانتباه إلى مسألة بغاية الأهمية، أن غالبية من هؤلاء السوريين قد يكونون من الناس العاديين المتدينين والمحافظين، لكنهم، رغم ذلك، تكيفوا وقبلوا هذا النظام وهذه القيم، نظراً إلى توفيرها حرية المعتقد وشعورهم بالمساواة والحماية. علينا أن ننتبه إلى أن هؤلاء، حتى لو انساقوا، من دون تفكير، وراء شعارات ووجهات نظر ترفض "العلمانية" وترفض "الديمقراطية " ومفهوم "الدولة المدنية"، إلا أنهم سيجدون صعوبة كبيرة بحكم تجربتهم في الدول الغربية المضيفة، في أن يقبلوا أو يتقبلوا العيش في ظل دولة، حتى لو كانت وطنهم، لا تعمل وفق تلك القيم التي أنتجتها الدولة العلمانية الغربية، قيم مثل الحريات الخاصة وحرية المعتقد والتعبير والكتابة والحريات الشخصية وتلك القيم المتعلقة بالحقوق والمساواة أمام القانون من دون تمييز.
لن يقبل هؤلاء السوريون الذين عاشوا في تلك الدول أن تتدخّل سلطة ما، مهما كانت صفتها، في حياتهم الخاصة ولباسهم ومعتقداتهم الدينية. ولن يتقبلوا بسهولة، أو ربما سيستغربون، التمييز في القوانين والدستور على أساس الدين والمذهب أو التمييز والتفرقة بين الرجل والمرأة إن وُجدت قوانين كهذه لاحقاً.
لماذا نقول ذلك اليوم؟ لأننا، وحسب ما واكبناه من أحداث وتطورات وطرق تعاطٍ في سورية بعد سقوط النظام، نشعر أن كثيرين منا ما زالوا يتشنّجون تماماً من مجرد استخدام هذه المصطلحات: العلمانية، الديمقراطية، الدولة المدنية! حصل ذلك في ساحات التظاهرات، حيث تصدى متظاهرون لشعار العلمانية، ووقفوا بوجوه من رفعوه وربما خوّنوهم. وحدث ذلك في مؤتمر الحوار الوطني، حيث لم يجرؤ أحد على تمرير كلمة الديمقراطية في البيان الختامي، رغم أن بعض المشاركين الفاعلين والمتنورين استخدموا المصطلح مئات المرات في كتاباتهم وخلال تنظيرهم في السنوات الماضية، ويحدث كل يوم تقريباً في نقاشات السوريين وحواراتهم اليومية على وسائل التواصل الاجتماعي.
سمعنا من قبل، أو قد نتقبل حكاية أن فيلاً كبيراً وضخماً خاف من فأر صغير، لكننا لم نسمع من قبل عن ثورة عظيمة خافت من ثلاث كلمات صغيرة وما زالت تتوجّس ممن يستخدمونها.