العطش في غزة... توفير المياه مهمة يومية صعبة

17 ابريل 2025
ينتظرون للحصول على المياه في غزة، 12 مارس 2025 (حسن جيدي/الأناضول)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- يعاني قطاع غزة من أزمة مياه حادة بسبب تدمير البنية التحتية خلال العدوان الإسرائيلي في أكتوبر 2023، حيث تم تدمير مئات الآبار وشبكات المياه، مما أدى إلى نقص حاد في المياه الصالحة للشرب، خاصة بعد تدمير خط مياه "ميكروت".

- تفاقمت الأزمة مع إغلاق المعابر ومنع إدخال السولار، مما أدى إلى توقف محطة الكهرباء الوحيدة، ويعتمد السكان على ألواح الطاقة الشمسية لتشغيل محطات التحلية ومضخات الآبار.

- يواجه السكان صعوبات يومية في الحصول على المياه، مما ينذر بكارثة صحية مع اقتراب فصل الصيف، ويعتبر المسؤولون أن سياسة التعطيش جريمة إنسانية.

يعاني قطاع غزة من نقص حاد في المياه، ما يجعل الحصول على الكميات اليومية اللازمة مهمة شاقة تتطلب بذل مجهود كبير في ظل عدم توفر مصادر مياه كافية، الأمر الذي يزعج الأهالي مع قرب دخول فصل الصيف.

تضطر غالبية أهالي قطاع غزة إلى شُرب المياه غير المُحلاة التي تُستخرج من الآبار الجوفية في ظل انعدام مصادر مياه الشرب، وتفاقمت المعاناة في غزة بعد تدمير خط مياه "ميكروت" الإسرائيلي في منطقة حي الشجاعية، والذي يغذي 70% من مدينة غزة بالمياه.
ووفق إحصائيات المكتب الإعلامي الحكومي في غزة، فإن الاحتلال دمّر غالبية البنية التحتية في القطاع خلال حرب الإبادة التي بدأت في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، ومن بين ذلك تدمير 717 بئر مياه، و330 ألف متر طولي من شبكات المياه في القطاع.
ودخل القطاع أخيراً في أزمة عطش كبيرة تنذر بكارثة صحية بالتزامن مع استمرار إغلاق الاحتلال المعابر الحدودية، ومنعه إدخال السولار اللازم لتشغيل المولدات الخاصة بما تبقى من آبار مياه غير مدمرة، في ظل توقف محطة الكهرباء الوحيدة في القطاع بسبب منع إدخال السولار، واعتماد المواطنين على ألواح الطاقة الشمسية في تشغيل محطات تحلية المياه المتبقية ومضخات الآبار القليلة التابعة للبلدية، أو التي تعود ملكيتها للمواطنين.

شهدت مدينة غزة اكتظاظاً سكانياً في أعقاب موجة النزوح من الشمال

وتشهد مدينة غزة اكتظاظاً سكانياً كبيراً في أعقاب نزوح آلاف المواطنين من مناطق شمالي القطاع، وتحديداً من بلدتي بيت حانون وبيت لاهيا، بعد استئناف العملية العسكرية الإسرائيلية في 18 مارس/ آذار الماضي، والذين اضطر غالبيتهم إلى نصب خيامهم في أماكن قريبة من مصادر المياه.
يذهب الفلسطيني عبد الجليل أبو ريالة كل يوم عند السادسة صباحاً، ومعه عدد من غالونات المياه الفارغة إلى مدرسة تؤوي نازحين من أجل حجز مكان في الطابور الطويل الذي ينتظر قدوم شاحنة لمياه الشرب، على أمل أن يعود بها ممتلئة، لكن كثيراً ما يخيب أمله ويعود بها فارغة.
يقول أبو ريالة لـ "العربي الجديد": "أصبح الحصول على مياه الشرب مهمة يومية لسد احتياجات عائلتي المكونة من 10 أفراد، وفي كثير من الأحيان لا أتمكن من تعبئة الغالونات. هناك أزمة حقيقية في الحصول على المياه، ومن الواضح أننا دخلنا في مرحلة العطش الفعلي، وهذا ينذر بكارثة، خصوصاً مع قرب دخول فصل الصيف، فالماء أساس الحياة، ولا يُمكن الاستغناء عنه".
بدورها، تشتكي الفلسطينية أم يعقوب أبو حجر من عدم وصول شاحنات مياه الشرب إلى منطقة سكنها في شمال غربي مدينة غزة، الأمر الذي يُعقد مهمة توفير المياه، ويجبرها على قطع مسافة طويلة للوصول إلى محطة تحلية المياه. تقول لـ "العربي الجديد": "هناك معاناة شديدة في الحصول على المياه، وأضطر لقطع مسافات طويلة يومياً، وحجز مكان لتعبئة ثلاثة غالونات من محطة تحلية مياه، حيث يكون الطابور طويلاً، وانتظر فيه لعدة ساعات".
وتحكي بصوت تملأه الحسرة: "لدي أربعة أطفال، ولا يُمكن الاستغناء عن المياه، لذا أنا مُجبرة على توفير كميات يومية، حتى لو كانت قليلة، واستمرار نقص المياه مؤشر خطير مع قدوم فصل الصيف الذي يكثر فيه استهلاك المياه بسبب ارتفاع درجات الحرارة".

أطفال ينقلون غالونات مياه في غزة، 12 مارس 2025 (حسن جيدي/الأناضول)
أطفال ينقلون غالونات مياه في غزة، 12 مارس 2025 (حسن جيدي/الأناضول)

كان الفلسطيني سامح مصطفى يركض مُسرعاً نحو شاحنة مياه تقف في مكان قريب من منزله، أملاً في تعبئة غالونين صغيرين من مياه الشرب، لكّنه لم يفلح في تحقيق مُراده، إذ فرغت المياه في الشاحنة التي كان يصطف أمامها طابور طويل. يقول: "لم أستطع منذ يومين تعبئة المياه لعائلتي، لذا أضطر إلى تعبئة الغالونات من محل به برميل مياه، وهو يُعبأ للناس بمقابل مالي، ويصل سعر الغالون إلى 2 شيكل، وهذا يُشكل تكلفة إضافية، ويضيف أعباء أخرى على ميزانيتي في ظل تردي الأوضاع التي نعيشها، وقد أصبحت أخشى من نفاد المياه التي أحصل عليها بقابل مالي".
يتجول المُسن أحمد صالح بدراجته الهوائية في كل صباح بين الحارات والشوارع بحثاً عن شاحنة مياه أو محطة يحصل منها على غالونات مياه صالحة للشرب تسد رمق عائلته المكونة من سبعة أفراد. ويقول لـ "العربي الجديد": "أصبح الحصول على المياه يحتاج جهداً ووقتاً كبيرين ومعاناة شديدة. أستغرق عدة ساعات يومياً بسبب قلة محطات التحلية العاملة في غزة، وتقلّص أعداد الشاحنات القادمة إلى منطقة سكني في إحدى حارات حي الشيخ رضوان غربي مدينة غزة. أضطر في بعض الأحيان إلى استخدام المياه التي أجلبها من إحدى الآبار الموجودة في منطقتي للشرب في الأوقات التي لا أحصل فيها على مياه من محطات تحلية أو شاحنة مياه في منطقة قريبة".
نصب الشاب أحمد أبو عيطة خيمة يؤوي فيها عائلته قرب مدرسة تضم نازحين غربي مدينة غزة، بعد نزوحه من بيت لاهيا شمالي القطاع قبل قرابة 20 يوماً، أملاً بالحصول على كميات من المياه العذبة، وخصوصاً أن هناك "بئر مياه" تتبع لأحد المساجد المدمرة بالقرب منها.

يتولون تعبئة المياه وحملها (عبد الرحيم الخطيب/ الأناضول)
عادة ما يتولى الأطفال جلب المياه، 12 مارس 2025 (عبد الرحيم الخطيب/الأناضول)

يقول أبو عيطة لـ "العربي الجديد": "منذ اليوم الأول لنزوحي من شمالي غزة، كنت أبحث عن مكان يوجد فيه ماء في ظل الشح الكبير، لكن الأزمة لا زالت موجودة، وتعمّقت منذ 10 أيام تقريباً، وأصبحت أعتمد على الشاحنات القادمة إلى المدرسة. في بعض الأحيان لا تأتي أي شاحنة مياه إلى المدرسة، فأضطر إلى تعبئة المياه من البئر القريبة من الخيمة، والتي يتم استعمالها للشرب وبقية الاستخدامات، لكني أخشى من تفاقم الأزمة مع حلول فصل الصيف، ونأمل حلها في القريب العاجل".
ويؤكد مدير عام المياه والصرف الصحي في بلدية غزة، ماهر سالم، لـ "العربي الجديد"، أن "قطاع غزة دخل مرحلة العطش الشديد بالفعل، وهناك مناطق لم تصل إليها المياه منذ قطع خط ميكروت قبل أكثر من عشرة أيام، والمناطق التي تصل إليها المياه لا تتجاوز 25% من مساحة مدينة غزة. مصادر المياه المتوفرة حالياً هي 38 بئر مياه، والآبار الخاصة الموجودة لدى المواطنين، وكلها تنتج كميات محدودة لا تتجاوز 15 ألف متر مكعب يومياً، في حين يتوزع نحو مليون و200 ألف شخص في مناطق مدينة غزة".

دخل قطاع غزة أخيراً في أزمة عطش كبيرة تنذر بكارثة صحية

ويوضح سالم أن "بلدية غزة كانت تضخ قبل العدوان نحو 120 ألف متر مكعب من المياه، 70% منها من المياه الجوفية المأخوذة من الآبار، و20% من مياه ميكروت، و10% من محطة التحلية الموجودة شمال غربي مدينة غزة. منذ بداية العدوان تم قطع مياه (ميكروت)، وتدمير 63 بئر مياه، ما يمثل 70% من الآبار المتاحة، إضافة إلى تدمير المحطة المركزية، وبالتالي أصبح إنتاج المياه لا يتعدى 5 آلاف متر مكعب، وأصبح نصيب الفرد يتراوح بين 1 إلى 2 لتر مياه يومياً، وهذا رقم متدن للغاية".
ويضيف: "مع عودة مياه ميكروت في شهر مايو/أيار الماضي، أصبحت كمية المياه التي تُضخ في الشبكة تقدر بنحو 25 ألفا إلى 30 ألف متر مكعب، إضافة إلى إصلاح بعض الآبار المدمرة، ليصبح نصيب الفرد ما بين 10 إلى 12 لتراً يومياً، وهو أيضاً رقم غير كاف. الوضع حالياً صعب جداً، وما يزيد الصعوبات أننا مقبلون على فترة قد لا نجد فيها الوقود اللازم لتشغيل الآبار، خصوصاً أن البلدية تزوّد أصحاب الآبار الخاصة بالسولار لتشغيل المولدات، بينما لم يدخل الوقود من جنوب غزة إلى الشمال منذ أكثر من شهر، والكميات المتوفرة تنذر بكارثة، إضافة إلى عدم القدرة على الحصول على تنسيق لإصلاح خط ميكروت".

من جانبه، يؤكد مدير المكتب الإعلامي الحكومي، إسماعيل الثوابتة، أن "سياسة التعطيش التي ينتهجها الاحتلال الإسرائيلي ضد شعب قطاع غزة تُعد جريمة إنسانية مكتملة الأركان، وانتهاكاً صارخاً للقانون الدولي الإنساني واتفاقيات جنيف، والتي تضمن حق الإنسان في الحصول على المياه". ويضيف لـ "العربي الجديد": "الاحتلال يستخدم الماء سلاحا لمعاقبة المدنيين، في محاولة لتركيعهم، وفرض معادلات سياسية تحت تهديد القتل والقصف والإبادة، ما يُعد شكلاً من أشكال العقاب الجماعي المحرّم دولياً".
ويتابع الثوابتة أن "استهداف البنية التحتية، وقطع الكهرباء، وخط مياه ميكروت الحيوي لها آثار كارثية على المواطنين، خصوصاً ونحن على أعتاب فصل الصيف، حيث تزداد الحاجة إلى المياه والكهرباء بشكل مضاعف. هذه الإجراءات تعني حرمان أكثر من 2,4 مليون فلسطيني في قطاع غزة من أبسط حقوقهم المعيشية، وتمثل تهديداً مباشراً للصحة العامة، وتنذر بارتفاع في معدلات انتشار الأوبئة والأمراض، إضافة إلى تعطل المستشفيات ومحطات التحلية وشبكات الصرف الصحي".

المساهمون