العراق يواجه أزمة المياه بسد ضخم يهدّد بإزالة عشرات القرى والمنشآت

العراق يواجه أزمة المياه بسد ضخم يهدّد بإزالة عشرات القرى والمنشآت الحيوية

09 مارس 2022
يحاول العراق من خلال مشروع سد مكحول إيجاد حلّ لأزمة المياه الخانقة (فيسبوك)
+ الخط -

 

انطلقت وزارة الموارد المائية العراقية في المراحل الأولى التحضيرية لإنشاء مشروع "سدّ مكحول"، وهو سدّ مائي ضخم، كخطوة من ضمن محاولات الحكومة تجاوز أزمة المياه الخانقة التي نجمت عن قطع إيران روافد نهر دجلة عن العراق، الأمر الذي تسبّب في انحسار الأراضي الزراعية بالبلاد إلى أقلّ من نصفها.

والسدّ الذي وُضع حجر الأساس له في مايو/ أيار 2021 يُنشأ في محافظة صلاح الدين شمالي بغداد، على مساحة 3200 متر مربع، وتبلغ سعته التخزينية ثلاثة مليارات لتر مكعّب، وذلك بتكلفة تصل إلى ثلاثة ترليونات دينار عراقي (نحو مليارَي دولار أميركي). ومن المفترض أن تبدأ شركات عراقية محلية في الأوّل من شهر إبريل المقبل في العمل به فعلياً.

يفيد مسؤول في وزارة الموارد المائية "العربي الجديد" بأنّ "هذا السدّ هو من المشاريع المهمة التي سوف تسهم في التخفيف من أزمة المياه التي تمرّ بها البلاد"، مؤكداً أنّ "الوزارة أعدّت دراسة شاملة للجدوى التي يحقّقها المشروع، وكميات المياه التي سوف يوفّرها، والمناطق التي سوف يخدمها. فهو سوف يتيح للعراق امتلاك مخزون كبير جداً من المياه من شأنه أن ينعش القطاع الزراعي من جديد".

وبشأن الأضرار التي سوف يتسبّب فيها المشروع لعدد من القرى والمنشآت الحيوية، يؤكد المسؤول الذي فضّل عدم الكشف عن هويته أنّها "أضرار واقع حال، نحن مضطرون إليها، لكنّ الفوائد المرجوّة من السد مهمة جداً"، موضحاً أنّ "الوزارة أعدّت دراسة شاملة للمشروع وتبين أنّ أكثر من 40 قرية مأهولة بالسكان سوف تغمرها المياه وأنّ الأهالي سوف يُجبَرون على النزوح بسبب المشروع. كذلك سوف تغمر المياه نحو 400 مشروع خدمي، منها مدارس ومستوصفات صحية وأسواق وعيادات وغير ذلك، فضلاً عن عدد من المواقع الأثرية".

ويشير المسؤول نفسه إلى أنّ "الوزارة حصلت على وعود حكومية لتعويض المتضرّرين من المشروع، وأنّ التعويضات سوف تكون مجزية"، شارحاً أنّه "وفقاً لذلك حصلت الوزارة على الموافقات الأصولية للمباشرة بالمشروع ووضعت حجر الأساس له". ويشدّد على أنّ "المشروع هو من أهمّ المشاريع الحيوية في البلاد، ولا يمكن الاستغناء عنه في هذه المرحلة التي يمرّ فيها العراق بأزمة مياه، مع العجز عن التوصّل إلى حلول مع إيران لزيادة دفعات المياه للعراق".

وفي سياق متصل، قال مدير ناحية الزوية التابعة لمحافظة صلاح الدين (وسط) محمد زيدان إنّ "السدّ مهمّ للعراق من الناحية العملية، للحفاظ على مصادر المياه ومواجهة حرب المياه والجفاف، لا سيّما بعد تراجع الإطلاقات الواردة من دول الجوار بنسبة غير مقبولة، وهو ما يضغط على العراق لإيجاد حلول بهدف الحفاظ على الثروة المائية".

وعلى الرغم من التطمينات الحكومية للقرى المتضرّرة من المشروع، فإنّ الأهالي يعبّرون عن مخاوفهم ممّا سموه "التسويف" وعدم منحهم تعويضات مجزية عمّا سوف يتكبّدونه من خسائر.

الشيخ فاضل الجبوري من أهالي القرى المتضرّرة من المشروع، يؤكد لـ"العربي الجديد" أنّ تلك القرى "قدّمت شكاوى الى الحكومة المحلية، وطالبت بتعويض مجز في مقابل إنشاء المشروع على حساب قرانا التي سوف تغمرها مياه السد. لكنّنا حتى الآن، وعلى الرغم من وضع حجر الأساس للمشروع، لم نحصل إلا على الوعود فقط. ونحن نخشى أن تندرج من ضمن الوعود الحكومية غير القابلة للتنفيذ".

ويشدّد الجبوري على أنّه "سوف نضطر إلى ترك منازلنا ومزارعنا وحقولنا والأسواق التجارية. ولا بدّ من أن يُصار إلى جرد ذلك كلّه من قبل لجان مختصة نزيهة، تحدّد الضرر وتقدّم التعويضات المناسبة المتكافئة مع حجم الضرر"، محذّراً من "كارثة إنسانية سوف تتعرّض لها تلك القرى، في حال تهجيرها وعدم تعويضها". ويرى أنّ ثمّة "ضرورة لحسم ملف التعويضات قبل البدء بالمشروع، وإبعاد ملفّ التعويضات عن الفساد والجهات التي تريد أن تحقّق لها منافع خاصة على حساب الإضرار بالآخرين". 

من جهته، يرى الخبير في الاستراتيجيات المائية في العراق عامر الوندي "صعوبة انتظار إتمام المشروع، من دون بحث معالجات سريعة لتوفير المياه للقطاع الزراعي"، مؤكداً أنّ "للمشروع أهمية كبيرة. فهو مشروع استراتيجي يحتاج إلى ما لا يقلّ عن ثلاثة أعوام لإتمامه، وهي مدّة طويلة لها تأثيرات سلبية على القطاع الزراعي الذي يحتاج الى حلول عاجلة لتوفير المياه".

يضيف الوندي لـ"العربي الجديد" أنّه "من المفترض أن تعمل الحكومة على جهات عدّة لحلّ أزمة المياه، من خلال دعم مشاريع الري والسدود في البلاد، ودعم وتوفير تقنيات السقي الحديثة وتوزيعها بأسعار مناسبة للمزارعين، فضلاً عن العمل لحلّ أزمة المياه مع إيران عبر الشكاوى الدولية".

تجدر الإشارة إلى أنّ العراق قلّص مساحة الأراضي المشمولة بالخطة الزراعية الموسمية إلى نصفها، في حين استُبعدت محافظات معيّنة من الخطة بشكل كامل، بسبب موجة جفاف غير مسبوقة تعانيها البلاد، نتيجة قطع إيران روافد نهر دجلة. وقد لوّحت الحكومة العراقية مرات عدّة باللجوء إلى المؤسسات الدولية للحصول على المياه من إيران، وفقاً لاتفاقيات تقاسم المياه، إلا أنّها (الحكومة) لم تخط أيّ خطوة نحو تدويل الملف على الرغم من رفض إيران أيّ حلول يطرحها العراق.

المساهمون