العراق: النوم على السطوح "لذة مستحيلة"

العراق: النوم على السطوح "لذة مستحيلة"

07 سبتمبر 2021
النوم على السطح مغامرة في العراق (كريس هوندروس/ Getty)
+ الخط -

اندثرت في مدن العراق اليوم عادة النوم القديمة فوق سطح المنزل خلال فصل الصيف. هجرها السكان لأسباب عدة، أهمها التلوث والضجة الناتجة من مولدات الكهرباء الخاصة التي تعوّض انقطاع كهرباء الدولة، إضافة إلى الخوف من سقوط مقذوفات نارية، في ظل انتشار ظاهرة الرمي العشوائي في البلاد. يُعرف العراق بأجوائه الحارة والجافة في فصل الصيف، والتي جعلت عادة النوم الأهالي فوق سطوح المنازل حلاً مثالياً حين يحل الليل. وكان العراقيون يرشون السطوح بالماء عند المغرب، من أجل تلطيف الأجواء استعداداً لنيل قسط من النوم الهانئ. واستمرت هذه العادة حتى مع انتشار الطاقة الكهربائية في البلاد مطلع القرن العشرين، لكنها بدأت تتلاشى قبل أقل من عقدين، حين اضطرت عائلات إلى التخلي عنها بسبب مخاطر أمنية وصحية.

يروي الكاتب والباحث في التراث العراقي، جاسم الحسيني، لـ"العربي الجديد"، أن "مدن العراق وبينها العاصمة بغداد كانت حتى وقت قريب محاطة ببساتين وحقول زراعية خضراء، وتتميز غالبيتها بوجود حديقة تزرع فيها أشجار وورود، ما يخفف من حدة حرارة الصيف، ويلطف الأجواء مع انتشار رائحة النباتات والزهور، ما يجعل النوم على سطح المنزل في ليل الصيف هانئاً ومحبباً". يضيف: "حتى خلال تمتع منازل العراقيين بوجود كهرباء الدولة بلا انقطاع، وتزويدها بأجهزة تكييف للتبريد، كان العراقيون يفضلون النوم فوق سطوح منازلهم، لأنه يخلق شعوراً جميلاً لديهم لا يمكن وصفه، ولأنهم يعتقدون بأنه يمنحهم صحة أفضل وسط نسمات الهواء الطبيعي، وليس الهواء البارد الاصطناعي الذي تولّده أجهزة التكييف الكهربائية".

بيئة
التحديثات الحية

ويربط الحسيني أسباب زوال هذه العادة المحببة "بالتغييرات التي طرأت على العراق في ظل أزماته الأمنية والاقتصادية المتعاقبة منذ أكثر من 17 عاما، والتي دفعت المواطنين إلى التخلي عن الزراعة، ما حتم جفاف البساتين والمزارع، وصولاً إلى تحويل عدد كبير منها إلى أحياء سكنية. يضاف إلى ذلك تغيّر تصاميم بناء البيوت من تلك الكبيرة والواسعة التي تضم حدائق وسطوحا لا تقل مساحة الواحد منها عن مائة متر، إلى صغيرة الحجم التي لا تتجاوز مساحتها 60 متراً، وتضم سطوحاً بمساحة 20 متراً تفتقد أيضاً إمكان الحصول على هواء منعش بسبب تقارب المنازل وارتفاع الأسيجة". لكن الحسيني يصرّ، على غرار عراقيين كثر، على أنه يمكن تجاوز كل هذه الأسباب لو أن الأمان يعمّ السماء، وينتهي استخدام مولدات الكهرباء الخاصة.
ويقول فائز الغرباوي لدى إجابته على أسئلة وجهها أحفاده له عن أسباب التخلي عن عادة النوم على السطح، والتي يروي لهم حكايات قديمة عنها: "لا أمان في السماء". ويوضح، في حديثه لـ"العربي الجديد": "لم تعد السماء آمنة بسب إطلاق النار العشوائي الذي بات عادة منتشرة في عموم العراق، في ظل تزايد امتلاك الناس للسلاح، وعدم تطبيق القوانين الرادعة التي تمنع هذه الممارسة". ويعتبر أن إطلاق النار في الهواء عادة قديمة ترافق مناسبات خاصة في القرى، لكنها خضعت لقيود كبيرة قبل نحو عقدين، حين فرضت الدولة غرامات مشددة على ممارسيها، ما أدى إلى اختفائها خصوصاً في المدن. ويبدي الغرباوي عدم استعداده لفقدان فرد من أسرته، "فصحيح أن بيتي كبير وواسع ويتضمن سطحاً بمساحة 160 متراً، لكن إطلاق الرصاص العشوائي يمارس باستمرار، وأشاهد دائماً عيارات نارية تسقط من السماء على سطح المنزل، وأعرف كثيرين أصيبوا برصاصات سقطت عليهم خلال نومهم على سطوح منازلهم".

الصورة
استعدادات ومخاوف من السماء (كريس هوندروس/ Getty)
استعدادات ومخاوف من السماء (كريس هوندروس/ Getty)

واللافت أن وزارة الداخلية أعلنت، مطلع العام الجاري، تنفيذ حملة كبيرة لملاحقة مطلقي الأعيرة النارية عشوائياً في كل المحافظات. وذكرت وكالة وزارة الداخلية لشؤون الشرطة في بيان أنه "تنفيذا لتوجيهات وزير الداخلية عثمان الغانمي أطلقت الأجهزة المختصة حملة كبيرة تشمل كل المحافظات لملاحقة ومتابعة مطلقي الأعيرة النارية عشوائياً ومحاسبتهم، بحسب أحكام بنود القانون رقم 495 من قانون العقوبات العراقي، والقانون رقم 570 الصادر عام 1982". وتعهدت الوزارة بـ"تقديم كل من يعبث بأمن المواطنين ويروّعهم بلا ذنب إلى القضاء كي ينال الجزاء العادل". ودعت الجميع إلى "التعاون التام للقضاء على هذا السلوك غير الحضاري الذي بات يشكل خطراً حقيقياً على المجتمع".
وفيما يعتبر مواطنون كُثر أن الضجيج والتلوث اللذين تتسبب بهما مولدات الكهرباء الخاصة أحد أبرز الأسباب التي تجبر المواطنين على التخلي عن عادة النوم على سطوح المنازل. تقول إيثار زايد (39 عاماً) لـ"العربي الجديد" إن أولادها الصغار يعانون من حساسية شديدة وضيق في التنفس إذا استنشقوا أدخنة ناتجة من احتراق وقود. وتنتشر هذه الأدخنة في سماء مدن العراق نتيجة استخدام عدد هائل من مولدات الكهرباء لتعويض النقص القديم والمستمر في ساعات التغذية بالكهرباء التي توفرها المؤسسات الحكومية للسكان.

ويقدر خبير الطاقة المقيم في واشنطن، هاري استبيانان، الذي يشغل منصب باحث في "مركز العراق للطاقة"، عدد مولدات الكهرباء الخاصة المنتشرة في أنحاء البلاد بنحو 4.5 ملايين. ويقول إن "عشرات مولدات الكهرباء تعمل عند الليل، وتتسبب في أدخنة تملأ الأجواء، وهدير مزعج يتعارض مع سكون الليل، ما يجعل النوم الهادئ على سطح المنزل أمراً مستحيلاً".

المساهمون