العراق: الجفاف يحوّل بحيرة "آمرلي" إلى أرضٍ قاحلة

12 أكتوبر 2025   |  آخر تحديث: 15:33 (توقيت القدس)
جفاف حاد تشهده بحيرة آمرلي العراقية (فيسبوك)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تعاني بحيرة "آمرلي" من جفاف شديد، مما حولها من مصدر حيوي للري وتربية المواشي إلى مساحة جرداء، وأثر ذلك على الذكريات والعلاقات الاجتماعية للسكان المحليين.
- أسباب الجفاف تشمل تراجع الأمطار، انخفاض منسوب سد العظيم، موجات الحرارة، وضعف الإمدادات المائية، مع غياب خطط حكومية لإنعاش البحيرة، مما أثر على حياة السكان المحليين.
- الجفاف يؤثر على البيئة والمجتمع، مهددًا الاستقرار الريفي ودافعًا للهجرة، مع تفاقم التصحر بسبب تراجع الإمدادات المائية من تركيا وإيران والتغيرات المناخية.

تعاني بحيرة "آمرلي" في محافظة صلاح الدين وسط العراق جفافاً شديداً حوّلها إلى مساحة جرداء قاحلة بعد أن كانت رافداً حيويّاً لريّ العديد من المزارع وتربية المواشي وصيد الأسماك، وملاذاً طبيعياً للباحثين عن الراحة والاستجمام، لتعكس بذلك الآثار الكارثية للجفاف الحادّ الذي تشهده البلاد.

وتُعدّ البحيرة أحد أبرز المواقع السياحية الطبيعية في المنطقة، نظراً إلى ما تتمتع به من مساحات خضراء ونسيم عليل يخفّف وطأة الحرارة الملتهبة خلال صيف العراق، ما جعلها مقصداً لسكان المدن والقرى القريبة خلال أيام العُطل والمناسبات، حيث كانت بمنزلة مكان ترفيهي مجاني للأفراد والعائلات. لكن مشهد البحيرة تبدّل كليّاً هذا العام؛ المياه اختفت، والأسماك نفقت، والحقول ذبُلت، فيما بقيت الذكريات وحدها تسبح في وجدان الأهالي.

ونبّه قائممقام قضاء آمرلي، ميثم نوري، إلى أنّ البحيرة التي تُعدّ الخزين المائي الوحيد للمنطقة جفّت بالكامل، للمرة الأولى في تاريخها، في حادثةٍ وصفها بأنّها "الأسوأ منذ أكثر من قرن"، وفقاً لما نقلته وسائل إعلام محلية، مؤكداً أنّ الجفاف الطويل وقلّة الأمطار سبَّبا انحسار المياه تماماً.

ويروي العديد من المواطنين علاقتهم الخاصة ببحيرة آمرلي، وما يختلجهم من مشاعر تجاه هذا المَعلم السياحي. ففي مدينة تكريت، تتحدث ندى العواد (45 عاماً)، الموظفة في وزارة التربية العراقية والأم لثلاثة أطفال، عن البحيرة، وتصفها بأنّها "المكان الأحبّ" لعائلتها. وتقول لـ"العربي الجديد": "كنا نذهب إلى البحيرة كل عطلة صيفية. كان أطفالي يركضون بجانب المياه ويحاولون اصطياد السمك بصناراتهم البدائية التي يصنعونها بأيديهم. كانت ضحكاتهم تملأ المكان". وتضيف: "لدينا كم كبير من الصور ومقاطع الفيديو قرب البحيرة، حيث الطبيعة والمرح، وكلّنا أمل في أن تعود الحياة لهذا المكان الجميل".

وبحسب تقارير رسمية، تعود أسباب الجفاف إلى تراجع معدلات الأمطار في شمال العراق خلال العامين الماضيين، وانخفاض منسوب الخزين المائي في سد العظيم الذي كان يغذّي بحيرة آمرلي. وتشير التقارير إلى أنّ موجات الحرارة الشديدة، وضعف الإمدادات المائية من السدود، وعدم وجود خطط حكومية عاجلة لإنعاش الخزانات الطبيعية، جعلت من جفاف البحيرة أمراً حتميّاً.

ويتحدث يوسف عبد الرحيم (28 عاماً)، من قضاء الشرقاط بمحافظة صلاح الدين، عن الأيام التي كانت تجمعه رفقة أصدقائه قرب البحيرة. ويقول لـ"العربي الجديد": "كنا نأتي في عطلة يوم الجمعة، نغنّي ونشوي السمك ونستمتع حتى ساعات المساء. كانت البحيرة ملاذاً ننسى معه تعب الأسبوع، فتعود إلينا مشاعر الفرح والحياة. كانت "آمرلي" تشبهنا ببساطتها، لكنّها كانت تبعث الحياة". ويرى يوسف أنّ جفاف البحيرة "لم يسرق فقط المياه، إنّما سرق من العراقيين طقوسهم وعلاقاتهم"، قائلاً: "نحن أبناء مدنٍ صغيرة، وهذه الأماكن كانت متنفّسنا الوحيد".

ويلفت فاضل عباس (60 عاماً) وهو مزارع في قرية قريبة من البحيرة، إلى أنّه كان يعتمد على مياه "آمرلي" في زراعة القمح وتربية الماشية، موضحاً لـ"العربي الجديد": "كنا نعيش على رزقها، حتى ماشيتنا كانت تجد المراعي الغنية بالحشائش حول البحيرة. لكن اليوم، لا زرع ولا عشب. وفي حال استمرّ الجفاف، سيقتل كل شيء".

كانت البحيرة سبباً لتعزيز العلاقات بين زوّارها والسكان القريبين منها، وفقاً لما تقوله المواطنة ناهدة عزيز (47 عاماً)، وهي المقيمة في محافظة ديالى المجاورة لمحافظة صلاح الدين. وتُخبر "العربي الجديد" أنّها كوّنت طيلة فترة ارتيادها البحيرة علاقات عديدة مع سيدات من قرى مجاورة. وتضيف: "تعرّفتُ على نساء كثيرات هناك. كنّا نطبخ معاً ونتبادل الطعام والقصص. نضحك ونشرب الشاي على ضفاف المياه. بعضهنّ ما زلن يتصلن بي حتى تاريخه، ويؤكّدن أن المياه ستعود حتماً إلى البحيرة. وفي حين نقصد البحيرة للاستمتاع، غير أنّ حياة السكان هناك ترتبط حكماً بمياه البحيرة".

ويعتبر الباحث الاجتماعي، مهند الطائي، أنّ الجفاف في بحيرة آمرلي لا يغيّر ملامح الطبيعة فحسب، بل يصيب الذاكرة الجماعية لسكان المنطقة وزوّارها. ويقول لـ"العربي الجديد": "الأماكن الطبيعية ليست مجرد فضاءات جغرافية، بل هي محطات نفسية ترتبط بها العائلات بعواطفها وتاريخها. وحين تختفي، يشعر الناس وكأنّهم فقدوا جزءاً من ذواتهم".

ويحذّر الطائي من أنّ "جفاف البحيرات والأنهار في العراق لم يعد مجرّد ظاهرة بيئية، بل قضية اجتماعية تمسّ الاستقرار الريفي، وتدفع البعض إلى الهجرة نحو المدن. الأمر الذي يسبّب تبعاتٍ نفسية واجتماعية تؤثر على استقرار المجتمع، وقد تولّد مشاكل خطيرة جراء الاقتلاع القسري لفئة معينة من المواطنين من بيئتهم وحاضنتهم الطبيعية". ويشير إلى أنّ جفاف بحيرة "آمرلي" يؤدّي إلى تقليص عدد المواقع الطبيعية الجميلة التي تعزّز المشاعر الإيجابية لدى المواطنين، ويقول: "باختفائها نفقد ما تبعثه هذه الأماكن من طاقة إيجابية نحن بأمسّ الحاجة إليها في العراق".

وتشكّل المياه الواردة إلى العراق من تركيا وإيران، النسبة الأكبر من الخزين المائي المحلي. لكن تراجع الإمدادات المائية بنسبة كبيرة من البلدين المجاورين، إلى جانب انحسار معدلات هطل الأمطار خلال الشتاء، والارتفاع الحاد في درجات الحرارة صيفاً، كلها عوامل فاقمت موجة التصحّر والجفاف في العراق. الأمر الذي أدّى إلى اختفاء أو تقلّص العديد من البحيرات والمسطّحات المائية في مختلف أنحاء البلاد.

وفي تصريحاتٍ صحافية، أكد المتحدث باسم وزارة الموارد المائية العراقية، خالد شمال، أنّ الوضع المائي هذا العام في العراق أسوأ مقارنةً بالعام 2024، مشيراً إلى أنّ العراق لا يحصل سوى على أقلّ من 40% من استحقاقه المائي. وكشف أن الخزين الاستراتيجي للمياه تراجع إلى نحو 10 مليارات متر مكعب، في حين أنّ الحاجة الفعلية تقتضي توفير 18 ملياراً، لافتاً إلى أن هذا الانخفاض لم يُسجّل منذ 80 عاماً.

المساهمون