الطلاق والانفصال عند الطيور

الطلاق والانفصال عند الطيور

27 سبتمبر 2020
مغازلة (آدم ألطان/ فرانس برس)
+ الخط -

الانفصال أو الطلاق عند الطيور يكون له معنى إذا كان الزواج أصلاً مبنياً على الحب. وهنا يطرح السؤال "هل تحب الطيور بعضها بعضاً كالبشر؟". الجواب يصعب الحصول عليه ولكننا نشاهد عصافير الحب كيف تتلامس بمناقيرها وكيف أن العصافير الطنانة وعصافير الجنة تتراقص أمام بعضها بعضاً لتعجب الأنثى بالذكر وتحبه وتقبل أن يكون زوجاً لها ويكون لديهما صغار يحبانهم أيضاً ويعتنيان بهم. 
كل هذه الصفات تعبر عن حب، في معظمه يؤدي إلى الزواج، ولكن ما هو السبب أو ما هي الأسباب التي تجعل من الزوجين ينفصلان أو يتطلقان، خاصة بعد مرور سنوات على وجودهما معاً؟ ومن هي الطيور التي تثبت على هذا الزواج أكثر من غيرها؟ 
كثيرون يعرفون أن البط من نوع "مندرين" هو رمز الإخلاص الزوجي عند الصينيين ويقدمونه هدية في الأعراس تيمناً به وبوفائه. ولقد أثبتت الدراسات الحديثة أن الـ"مندرين" يثبت على زواجه بنسبة 97 في المائة، بينما بقية أنواع البط تثبت على زواجها بنسبة 91 في المائة. وبالمقارنة مع الإنسان، فإن هذا الأخير يثبت على زواجه بمعدل 62 في المائة، أي أنه يطلق أو ينفصل عن زوجه بنسبة 38 في المائة. 
يعتقد الناس ودارسو الطيور في أوروبا والشرق الأوسط أن طائر "التم" هو على رأس القائمة للطيور الأشد إخلاصاً للحب، غير أن الدراسات العلمية أثبتت أن إخلاصه هو بنسبة 95 في المائة، أي أقل بقليل من بط المندرين. قد يسأل بعضهم كيف يتم التعرف على الانفصال بين الزوجين؟ الأمر سهل، ولكنه يتطلب منح الوقت اللازم لمراقبة الزوجين في العش. فإذا كثر الشجار بين الطرفين، وكثر انشغال أحد الزوجين (هنالك في بعض الحالات ذكور يهتمون بالصغار في العش أكثر من الإناث) بالصغار، وشاهدنا أحد الزوجين يطرد الآخر ويمنعه من الاقتراب من العش، ويتوقف الغزل بينهما أو يقل عدد البيض الذي يجب أن تضعه الأنثى في العش، فإننا نعرف أن الانفصال سيكون هو النتيجة لا محالة، وهنا يذهب الذكر في العادة أو الأنثى في حالات أقل إلى شريك آخر. 
ولعل نسبة 50 في المائة من الثبات على الزواج هي لعصفور "القرقف" (سن المنجل). وقد أعطي هذا الاسم نسبة إلى صوته الذي يشبه الصوت الصادر عن عملية سن المنجل، وهو صوت يعرفه سكان القرى في لبنان لأن الطائر يعيش بالقرب منهم في أشجار الغابات. وللأسف أن هناك دراسة صدرت من دون توثيق علمي، تقول إن طيور القرقف المطلقة، يلجأ ذكورها إلى الزواج مرة أخرى من إناث بدينة لأنها أكثر وفاء وأكثر إنجاباً. لكن البدانة نادرة إلى غير موجودة عند الطيور البرية لأن أوزانها وأحجامها متماثلة بفعل الجينات الوراثية ولأن الطائر يستهلك طاقته في الطيران بشكل متكرر وليس هنالك من سبب لاكتسابه البدانة. 

يبقى السؤال الذي يطرح نفسه ويتعلق بالنوع الذي يبقى فيه الذكر والأنثى على ارتباط وإخلاص مدى الحياة. الجواب طبعاً قد لا يخطر على بال أحد وهو أن الطائر الذي لا "يطلق" أبداً ويخلص أزواجه لشركائهم هو "الباتروس" الذي يمضي 95 في المائة من عمره وهو يجول البحار ويصطاد السمك ويرتاح على سطح مياه البحر. ولهذا الطائر حكاية أعجب من الخيال. يضع طائر "الباتروس" بيضة واحدة في عش قريب من المكان الذي خلق به الأهل. ويرعاه هؤلاء حتى يكتسي بالريش وبعدها يقدمون له الأكل في أوقات متباعدة. وهكذا يمضي 9 أشهر في العش وحده متأملاً ما حوله. وبعدها يطير ليبقى في البحر ست سنوات، ومن ثم يعود وأترابه إلى البر حيث يتجمعون ويرقصون رقصة الزواج، ويجرب كل طائر عدة شركاء، يظهرون براعاتهم وخواصهم لبعضهم بعضاً، إلى أن يتفق اثنان بخصالهما ويقومان بحركات تعني الرضى بالزواج. وقد تأخذ عملية انتقاء الزوج والزوجة حتى 15 سنة. بعدها يبقى الزوجان مخلصين لبعضهما مع العلم أنهما يجوبان البحر كل على حدة، ولكنهما في موسم التزاوج يعودان في نفس الوقت إلى نفس العش، وهكذا لا يفرقهما عن بعضهما إلا الموت، عادة بعد حوالي خمسين سنة من الزواج.
*(متخصص في علم الطيور البرية

المساهمون