استمع إلى الملخص
- يُعزى هذا الارتفاع إلى التناقضات الزوجية، وغياب التواصل، والخيانة، والعنف الأسري، والضغوط الاقتصادية، بالإضافة إلى الاستقلال المادي للنساء وتحدي الأدوار الجندرية التقليدية.
- تواجه الصين تحديات ديموغرافية مع انخفاض المواليد وشيخوخة السكان، وارتفاع الطلاق بين كبار السن، رغم "فترة التهدئة" التي تهدف لتقليل الطلاق المتسرع.
بلغ معدل الطلاق في الصين 57% خلال عام 2024 على أساس العدد السنوي، وبحسب بيانات أصدرتها وزارة الشؤون المدنية في يوليو/ تموز الماضي، تجاوز عدد الأزواج الذين أكملوا إجراءات الطلاق بشكل قانوني خلال العام الماضي 3.5 ملايين.
ومع التطور الاقتصادي، شهدت أوضاع الزواج والطلاق في الصين تغيّرات كبيرة انعكست بشكل رئيسي في انخفاض معدل الزواج، وتأجيل سن الزواج الأول، والزيادة المستمرة في معدلات الطلاق. ولا يزال عدد الزيجات يسجل مستويات متدنية، إذ انخفض بنسبة 49% خلال العقد الماضي، بينما سجلت معدلات الطلاق ارتفاعات قياسية.
وخلال السنوات الأخيرة، قللت خيارات ومشاعر الإحباط زواج الصينيين، وأخّرت سن الزواج، وزادت حالات الطلاق. ومع التطور الاجتماعي يسعى جيل جديد من الشباب إلى الاستقلال والحرية، ويعتبرون أن الزواج قيد. من ناحية أخرى تُصعّب تكاليف الإنجاب والرعاية الباهظة تكوين الأزواج أسراً، ما يدفعهم إلى الطلاق في منتصف الطريق.
ويرى مراقبون أنه من منظور ديموغرافي يُقلّل انخفاض معدل المواليد وشيخوخة السكان عدد الأشخاص في سن الزواج، ما يُضعف الدافع الرئيسي للزواج. كما أن السؤال عن الحاجة إلى الإنجاب في ظل تكاليف المعيشة الباهظة قد يكون دافعاً رئيسياً للتفكير بالطلاق، خاصة في حالات عدم توافق الأزواج حول تطلعاتهم الأسرية.
ويعزو الباحث في المعهد الصيني للعلوم النفسية والاجتماعية، دا بينغ مو، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أسباب ارتفاع معدل الطلاق في الصين إلى عوامل عدة، منها التناقض الجوهري في العلاقة بين الزوج والزوجة الذي يخلق مشكلة في التواصل، ويكرّس التفاعل السلبي الذي يؤدي إلى اغتراب عاطفي، إذ إنّ نحو 78 في المائة من الزيجات التي تفتقر إلى التواصل الفعّال تنهار في النهاية. يضيف: "هناك أيضاً الخيانة العاطفية بين الزوجين التي يصعب إصلاحها، والعنف الأسري الذي يتسبب في صدمات جسدية ونفسية. ولا يمكن إغفال تفاقم الضغوط الاجتماعية والاقتصادية، فارتفاع تكاليف الزواج والإنجاب ونفقات إعالة الأطفال والتعليم، وصعوبة التوفيق بين العمل والأسرة، تشكل جميعها ضغوطاً مضاعفة على الأزواج الشباب".
ويلفت دا أيضاً إلى عامل آخر يرتبط بالاستقلال المادي لدى الزوجات، ويقول: "مع ازدياد شعور النساء بالاستقلال إلى جانب تحسّن تعليمهن واستقلالهن الاقتصادي، بات التوفيق بين الزوجين أكثر صعوبة، خصوصاً مع تحدي المفهوم التقليدي القائل بأن الرجال يتفوقون على النساء في مجال التعليم والعمل، ما يمنحهم سلطة ذكورية. هذه التصورات أصبحت من الماضي".
وفي وقت سابق من العام الحالي، كشفت محكمة في مقاطعة قوانغ دونغ (جنوب) أن نحو نصف نزاعات الطلاق المتعلقة بكبار السن قدمها أفراد تتجاوز أعمارهم الـ 60، ما يجعل كبار السن الفئة السكانية الأكثر عُرضة للطلاق في البلاد. وأظهرت بيانات متداولة في مواقع التواصل الاجتماعي أنه في الفترة بين الأول من يناير/ كانون الثاني 2021 والأول من يناير 2025، نظرت هذه المحكمة في 25 ألف قضيةً عائلية، منها نحو 12 ألف قضية لكبار في السن، أي ما يُمثل 50% من إجمالي القضايا. ورفع نحو نصف قضايا الطلاق أفراد تجاوزوا الـ60.
وتقول الباحثة الاجتماعية لان جو يان لـ"العربي الجديد": "يتكرر طلاق كبار السن الذي يطلق عليه الطلاق الفضي، بسبب فقدان المكانة الاجتماعية وتراجع القدرة البدنية، فتنشأ مشكلات أكثر بعد التقاعد. العديد من النساء يشعرن بعدم الرضا إزاء أداء أزواجهن بعد التقاعد، وتتجاوز نسبة عدم الرضا أكثر من 75%. ومن جوانب عدم الرضا الأكثر شيوعاً قضاء الأزواج وقت طويل على الهواتف الخليوية أو مشاهدة التلفاز، إضافة إلى الانفعال وصعوبة التواصل. علاوة على ذلك، تشعر النساء بعدم رضا ناتج عن عدم المساعدة في الأعمال المنزلية".
وأقرت السلطات الصينية في عام 2020، ما يعرف بـ"فترة التهدئة"، ومدتها 30 يوماً، والتي توقف إجراءات الطلاق إذا غيّر أحد الزوجين رأيه، لمحاولة تقليص عدد حالات الطلاق ضمن إجراءات للتعامل مع الأزمة الديمغرافية. ورغم ذلك، قوبلت هذه السياسة بانتقادات حادة، إذ رأى البعض أنها تستهدف في الأساس أفراداً يسعون جاهدين إلى الهروب من الزواج بسبب العنف الأسري أو لأسباب أخرى.
ويصف محللون "فترة التهدئة" بأنها سلاح ذو حدين، فهي قد تكبح حالات الطلاق المتسرعة والاندفاعية، لكنها قد تتسبب أيضاً في تأخير طويل لمن يسعون إلى الهروب من زواج مؤلم، كما أن ارتفاع تكاليف الطلاق بسبب اللوائح التقييدية قد يجعل بعض الفئات أكثر حذراً من الزواج، ما يؤدي إلى مزيد من الانخفاض في معدلات الزواج.