استمع إلى الملخص
- جوانغ يانغ، أحد المسنين، انتقل إلى بكين لمساعدة ابنه، لكنه يواجه تحديات مثل الطقس البارد وصعوبة التواصل، مما يسبب له الإرهاق والوحدة.
- الباحثة فانغ شيه توضح أن ظاهرة "لاو بياو" تعكس التغيرات الاجتماعية والاقتصادية، حيث يفتقر المسنون لنظام ضمان اجتماعي شامل ويعتمدون على أبنائهم، مما يعيق استمتاعهم بالتقاعد.
مثل سن التقاعد في الصين حتى وقت قريب فرصة للاستقرار في مكان واحد والاستمتاع بما تبقى من العمر بطريقة هادئة، لكن الأمور تغيّرت مع حدوث اختلال في بنية المجتمع نتيجةً طبيعيةً لسياسات تحديد النسل التي انتهجتها البلاد لعدة عقود، وعزوف الشباب عن الزواج والإنجاب بسبب الضغوط الاقتصادية.
ويشكل الأشخاص الذين تزيد أعمارهم عن 60 سنة في الصين 7.2% من المهاجرين، أي نحو 18 مليوناً. وبحسب تقديرات محلية، ينتقل 70% منهم طوعاً من الريف للانضمام إلى عائلاتهم في المدن الصناعية، ويعاملهم أفراد العائلة باعتبارهم "خدماً"، ويظلون عالقين في المنزل مع أحفادهم.
انتقل جوانغ يانغ (63 سنة) قبل سنتين من قريته في مقاطعة غوانغدونغ (جنوب) إلى العاصمة بكين للإقامة مع ولده الذي يعمل هناك، وذلك من أجل المساعدة في رعاية ثلاثة أحفاد. ويقول لـ"العربي الجديد": "بعد تقاعدي من العمل، ألح عليّ ابني أن أترك القرية، إذ إنني أقيم وحيداً منذ وفاة زوجتي قبل سنوات. لم أرغب في مغادرة القرية، إذ إن لدي عدداً وفيراً من الأصدقاء والجيران الذين أتسامر معهم كل يوم، ونخصص يوماً في الأسبوع لممارسة الرياضة في الحدائق العامة، لكن مع إصرار ابني المتكرر، اضطررت إلى السفر، وكان هذا بداية تجربة جديدة مليئة بالصعوبات والتحديات".
يضيف: "كانت المشكلة الأولى التي واجهتها هي طقس بكين، إذ وصلت إلى العاصمة في الشتاء، حيث تنخفض درجات الحرارة إلى 15 درجة مئوية تحت الصفر، في حين أننا نستمتع بأجواء دافئة في الجنوب. منذ اليوم الأول، أصبت بنزلة برد شديدة بقيت على أثرها طريح الفراش لمدة أسبوع. المشكلة الثانية كانت صعوبة التواصل مع الناس في العاصمة، فأنا أتحدث الكانتونية، وبالكاد أجيد لغة الماندرين التي يتحدث بها عموم الصينيين. إضافة إلى أن رعاية ثلاثة أطفال كانت بمثابة خدمة إلزامية ومهمة شاقة، فأنا مطالب بتجهيز اثنين منهم للذهاب إلى المدرسة كل يوم، ثم البقاء في المنزل للاعتناء بالطفل الثالث البالغ ثلاث سنوات، إلى جانب تحضير الطعام وغسل الأطباق والملابس وترتيب المنزل".
يتابع يانغ: "بعد أشهر قليلة، بدأت أشعر بالإرهاق والوحدة، فليس لدي أصدقاء، ووقتي ليس ملكاً لي، وابني وزوجته مشغولان في العمل كل يوم، باستثناء يوم السبت (الإجازة الأسبوعية) والذي أستطيع أن التقط فيه بعض الأنفاس. فكرت أكثر من مرة في العودة إلى القرية، لكني أدرك صعوبة ذلك نظراً لظروف عمل ابني وغلاء المعيشة في العاصمة التي تجعل من الصعب عليهم استبدالي بمدبرة منزل، كما أنني لا أرغب في خلق توترات في العلاقة مع ابني الوحيد، فضلاً عن تعلقي بأحفادي".
وتعلّق الباحثة الاجتماعية فانغ شيه على محنة المسنين قائلة لـ"العربي الجديد": "تلك المعاناة قاسم مشترك بين فئة كبيرة من أفراد المجتمع الصيني الذين يطلق عليهم اسم "لاو بياو"، وهي نتيجة حتمية للتغيرات التي طرأت على نمط الحياة في البلاد، سواء ما يتعلق بضرورة الانتقال من الريف إلى المدن بحثاً عن فرص عمل، وما يترتب على ذلك من تداعيات اجتماعية مثل تشتت الأسر بين مناطق متباعدة جغرافياً، أو ما يتصل بالأعباء الاقتصادية وتكاليف الرعاية الباهظة في المناطق الحضرية".
وتوضح أن "تفاوت التنمية بين الريف والمناطق الحضرية دفع الشباب إلى هجرة داخلية باتجاه المدن الصناعية الرئيسية، مثل بكين وشنغهاي وكوانجو وشينزن، ولأن نظام الضمان الاجتماعي لا يتيح للأفراد التمتع بميزات التأمين الصحي إلا في مسقط رأسهم، يواجه هؤلاء صعوبة في اصطحاب أطفالهم معهم، لأنهم لا يستطيعون تسجيلهم في مدارس المدن، وبالتالي يفضلون بقاءهم في الريف مع أجدادهم الذين توكل إليهم مهمة الرعاية. من يملك القدرة على تسجيل أبنائه في مدارس خاصة يتكبد مصاريف باهظة، وفي هذه الحالة، يضطر إلى جلب والديه إلى المدينة لإعانته في الرعاية نظراً إلى انشغال الآباء في وظائفهم وأعمالهم".
وتقول فانغ شيه: "لا حلول للمشكلة التي يدفع ثمنها الأجداد وقتاً وجهداً، رغم أنهم وصلوا إلى مرحلة عمرية تجعلهم أكثر حاجة للرعاية، إذ يجدون أنفسهم مطالبين باللحاق بأبنائهم لرعاية الأحفاد، إما لكسر الوحدة والعزلة، أو بسبب حاجتهم إلى مأوى يوفر لهم حياة كريمة في كنف عائلاتهم. نسبة قليلة من هؤلاء لديهم القدرة على الاعتماد على أنفسهم في تغطية نفقاتهم الخاصة من الراتب التقاعدي، وهؤلاء يكون لديهم هامش من الحرية في اختيار الالتحاق بالأبناء أو البقاء في منزله الخاص بعيداً عن عبودية الأسرة وخدمات الرعاية الإلزامية".