استمع إلى الملخص
- التحسن الاقتصادي والاجتماعي في الصين قلل عدد الأيتام ودور الأيتام بشكل كبير، مما يعكس نجاح سياسات الإصلاح والانفتاح وتقليل الحاجة للتبني الدولي.
- تؤكد التعديلات الجديدة التزام الصين بمصلحة الطفل الفضلى، مع تطوير نظام شامل للضمان الاجتماعي ودمج الأيتام في المجتمع، مما يعكس التنمية الشاملة وحماية حقوق الأطفال.
عدلّت الحكومة الصينية في أغسطس/ آب الماضي، سياسة التبني عبر الحدود، إذ لم يعد الأجانب القادمين إلى البلاد يستطيعون تبني أطفال واصطحابهم معهم إلى الخارج. واعتبر خبراء الخطوة تقدماً في نظام الضمان الاجتماعي الصيني، وانعكاساً لالتزام الحكومة بحماية حقوق الأطفال، وأن القرار يُساعد في حماية الحقوق القانونية للأيتام.
وخلال عقود سابقة، كان اقتصاد الصين ضعيفاً، وبلغ نصيب الفرد من إجمالي الناتج المحلي السنوي بضع مئات من الدولارات فقط، كما كانت الظروف المعيشية للسكان متردية مقارنة بتلك الموجودة في الدول الغربية، وكان نظام الرعاية الاجتماعية الحكومي غير كافٍ لرعاية جميع الأيتام وتوفير البيئة اللازمة لنموهم، عندها شكل التبني عبر الحدود حلاً عملياً لبعض الأيتام من أجل تغيير ظروف معيشتهم في بلد أجنبي.
وتضمنت بعض حالات التبني الدولي إساءة المعاملة والاستغلال والعنف، ما أقلق السلطات الصينية، ودفعها أخيراً إلى تشريع سياسات جديدة منعت التبني عبر الحدود، وشجعت الطبقة الغنية والمتوسطة في المجتمع الصيني على تبني الأطفال الأيتام باعتبار التبني المحلي أولوية، مع تقديم تسهيلات وحوافز تدفع في هذا الاتجاه. وتفيد تقديرات حكومية حديثة بأن عمليات التبني المحلية تشكل نحو 90% من إجمالي عدد حالات التبني في الصين، بينما وصل متوسط الدعم لمستويات المعيشة الأساسية لليتامى الذين تولى مواطنون تربيتهم إلى 1900 يوان (270 دولاراً) شهرياً.
تقول الباحثة الاجتماعية لان جو يان لـ"العربي الجديد": "حقق التبني العابر للحدود الغاية منه حين كان الوضع الاقتصادي في البلاد غير ملائم لاتباع هذا النهج، لكن بعد النمو الكبير الذي حققته الصين انطلاقاً من سياسة الإصلاح والانفتاح، وبفضل الاستثمار الحكومي في التعليم والرعاية الصحية والضمان الاجتماعي، تحقق تقدم كبير في الحفاظ على العدالة الاجتماعية والقضاء على الفقر، ورفع رفاهية المجتمع، ودفعت هذه العوامل في اتجاه إرساء أساس متين للتحوّل في سياسة التبني، تجلى في تراجع نسب التبني العابر للحدود حتى قبل التعديلات الحكومية". تتابع: "أدى التطور الاقتصادي السريع إلى تحسينات مستمرة في نظام الرعاية الاجتماعية، وقلّل التقدم الاقتصادي والاجتماعي الشامل بشكل كبير عدد الأيتام في الصين. وكشفت إحصاءات وجود نحو نصف مليون يتيم في الصين عام 2013، وانخفض العدد إلى 159 ألفاً في نهاية العام الماضي، كما انخفض أيضاً عدد دور الأيتام ومؤسسات رعاية الأطفال الأخرى".
ويعتقد أستاذ الدراسات الاجتماعية في جامعة شينزن، لي شانغ، أن التعديلات الخاصة بسياسة التبني العابر للحدود تؤكد التزام الصين بمبدأ المصلحة الفضلى للطفل كما توضح اتفاقيات التبني بين البلدان، كما تشدد على الحفاظ على ممارسة التبني المحلي أولويةً. ويوضح لـ"العربي الجديد": "يهدف ذلك أولاً إلى إعادة تأهيل عشرات آلاف الأطفال الأيتام ودمجهم في المجتمع بدلاً من إرسالهم إلى الخارج، ويأتي في وقت تعاني البلاد فيه من أزمة ديموغرافية بسبب ارتفاع معدلات الشيخوخة وعزوف الشباب عن الزواج والإنجاب".
ويضيف: "سبق التعديلات الجديدة تطوير نظام شامل للضمان الاجتماعي للأيتام أدى إلى تحسين ظروفهم المعيشية، وشمل ذلك الأطفال المعوقين، وأيضاً إنشاء الحكومات المحلية مراكز خاصة وفرت رعاية طبيعية وضمان معيشة جيدة لهذه الفئة تمهيداً لدمجهم في المجتمع. وهكذا عاد بعض الأيتام الأصحاء ذوي الإعاقات الخفيفة إلى ممارسة حياتهم طبيعياً، واندمجوا في المجتمع من خلال التبني المحلي والرعاية الأسرية البديلة. والآن بات يمكن إعادة تأهيل بعض الأيتام ذوي الإعاقة الكبيرة الذين لا يمكن أن تتبناهم عائلات داخل مؤسسات رعاية الطفل. ومن أجل تعزيز عودة الأيتام المعوقين إلى أسرهم قدمت الحكومة الصينية خدمات لدعم وتشجيع الأسر المحلية على تبنيهم كي يكونوا رافداً لجيل فتي".
ويشير لي إلى أن "إنشاء آليات لتشجيع التبني وتوفير مراكز حكومية لإعادة التأهيل، خفف العبء على الأسر التي تتبنى أطفالاً معوقين على صعيدي التربية والرعاية الطبية، ما أدى إلى حصول عدد كبير منهم على مساعدة إعادة التأهيل واستعادة الدفء الأسري. إنّ تعديل سياسات التبني عبر الحدود هو انعكاس للتنمية والتقدم الشامل في الصين، وللنجاح في استكشاف مجالات حماية حقوق الأطفال وصيانتها. وهي نجحت خلال السنوات الماضية في بناء مجتمع مزدهر يتجاوز فيه نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي عشرة آلاف دولار، كما حدّت التحسينات في الرعاية الصحية كثيراً من حالات الإعاقة بين الأطفال حديثي الولادة، وطورت النظرة العامة في شأن التبني خصوصاً لدى فئة الشباب العازفين عن الزواج والإنجاب".