الصورة المدرسية... ذكريات الأبيض والأسود في الجزائر

الصورة المدرسية... ذكريات الأبيض والأسود في الجزائر

26 نوفمبر 2020
زمن جميل لن يعود (العربي الجديد)
+ الخط -

لم تكن المدارس في الجزائر، في زمن الأبيض والأسود، تغفل في بداية كلّ عام دراسي عن التقاط "الصورة المدرسية"، إذ كانت مناسبة يستعد لها التلاميذ بارتداء أجمل ما لديهم كأنّه يوم عيد

في عقود ماضية، كانت "الصورة المدرسية" السنوية في الجزائر حدثاً محتفىً به. وعندما يحين موعدها يستعان بمصور محترف يجوب المدارس لالتقاطها، إذ كان يخصَّص يوم لالتقاط هذه الصورة الجماعية التي تظهر بالأبيض والأسود للمتعلمين في كلّ فصل دراسي. لكن بمرور الزمن، غابت هذه الصورة بطقوسها المتكاملة، وغابت الصورة الورقية عموماً، تاركة المجال للرقمي بما فيه من سيلفي وغيرها.

يحتفظ سليمان مسيعد (54 عاماً) بين دفتي ألبوم الصور القديمة التي تعود لسنوات السبعينيات والثمانينيات، بصور مدرسية التقطت له في المدرسة مع زملائه برفقة المعلم الذي تولى تعليمهم طوال ست سنوات في المستوى الابتدائي. هذه الصور باتت اليوم عبارة عن "كنز تاريخي يؤرخ لزملاء الدراسة ومعلمي الذي ما زلت أتذكره وأزوره في منطقة الحامة، بولاية خنشلة شرقي الجزائر". يتذكر الدكتور مسيعد، وهو يتحدث إلى "العربي الجديد" تلك الفترة التي يصفها بالذهبية، ويتذكر معها كلّ زملائه، بأسمائهم وألقابهم، وشغبهم في القسم حينها، ويقول: "تلك أيام لا تنسى بحلوها ومرها، صار زملائي اليوم كوادر في اختصاصات عدة، ولا نلتقي، لكنّنا يتذكر بعضنا البعض بأدق التفاصيل التي جمعتنا في الماضي".

من سبعينيات القرن الماضي حتى منتصف التسعينيات، كانت المدارس تلجأ إلى مصور محترف لالتقاط صورة بالأبيض والأسود، لكلّ قسم مع معلمه، يُكتب قبل ذلك على لوحة اسم القسم والسنة والفصل، ويتولى أحد التلاميذ رفعها خلال التقاط الصورة، فيما يتجمع التلاميذ في صفوف متناسقة، وعلى يمينهم المعلم. لاحقاً، تجمع إدارة المدرسة الصور الفوتوغرافية في ألبوم مدرسي. كان المصوّر المحترف يجوب المدارس وهو يحمِل على كتفه حقيبة فيها كاميرا من نوع "كوداك". بابتسامته العريضة، يتذكر عبد السلام حيور، متحدثاً إلى "العربي الجديد"، أنّه طلب من والده مبلغاً مالياً، طلبته منهم إدارة المدرسة، لأنّ المصور سيأتي إلى مدرستهم في اليوم التالي: "المبلغ المطلوب هو ثمن الحصول على نسخة من الصورة، وقد كنا نطلق على المصور اسم: رجل كوداك، نسبة إلى العلامة التجارية لآلة التصوير الشهيرة آنذاك".

الصورة
معلم وتلاميذه بالجزائر العاصمة في إبريل/ نيسان 1975 (جيلبير أوزان/ Getty)
معلم وتلاميذه بالجزائر العاصمة في إبريل/ نيسان 1975 (جيلبير أوزان/ Getty)

يضيف: "كان مجيء المصور يضفي على المدرسة فرحة من نوع خاص وسعادة منقطعة النظير، وغالباً ما كان يلتقط صور التلاميذ في آخر يوم من الأسبوع المدرسي، أي الخميس".
يتذكر الأستاذ مهدي مخلوفي في حديثه إلى "العربي الجديد" تلك اللحظات أيضاً بكلّ تفاصيلها، ويقول: "كنا نجهز أنفسنا لموعد التقاط الصورة الجماعية، وعندما تبلغنا المعلمة بإحضار 20 ديناراً معنا، ثمناً للصورة، يغمرنا الفرح. كنت أحب التقاط صورة مع زملائي في القسم، لكنّني لم أكن أفضّل حمل اللوحة التي يكتب عليها القسم والسنة الدراسية ببساطة لأنّها ستمنع ملابسي الجميلة التي ألبسها خصيصاً لهذا اليوم من الظهور بوضوح في الصورة الفوتوغرافية وكذلك ملامح وجهي".
بعد سنوات، صار التلاميذ في الصورة أطباء وحملة شهادات دكتوراه وأساتذة ومهندسين، بعضهم يأخذه الحنين لتلك الصورة بكلّ ما تحمله من ذكريات وحنين إلى زمن جميل ورفاق أيضاً. قبل فترة، طرح ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي فكرة "ما تنساش اللي قريت معاه" أي لا تنسَ من دَرس معك. الفكرة عبارة عن محاولة لاستعادة الزمن والعثور على زملاء الدراسة، حتى يعود حبل الوصال بعد الانقطاع، من خلالها تمكّنوا من التواصل مع عشرات من زملائهم خلال سنوات المدرسة الابتدائية: "البعض منهم ما زالوا في تواصل، والبعض الآخر انقطعت بهم السبل والأهداف وظروف الحياة".

قضايا وناس
التحديثات الحية

وساعد الفضاء الافتراضي كثيراً من الجزائريين في الالتقاء مجدداً بزملاء المدرسة، إذ يكفي نشر صورة قديمة لهم في الصف الابتدائي وكتابة بعض تفاصيلها للبحث عن التواصل مع الزملاء السابقين، فقد نشر فريد دحماني من ولاية سطيف شرقي الجزائر صورته على صفحته على مواقع التواصل الاجتماعي وأردفها بإعلانه: "البحث عن زملاء فترة الحنين والحرمان في آن واحد". كذلك، نشطت مبادرة أخرى بعنوان "أين أنا في الصورة؟"، إذ ينشر بعضهم صورته المدرسية القديمة، ويقيم منافسة بين أصدقائه للتعرف إليه وهو في سن صغيرة بين مجموعة من زملائه التلاميذ. هذا ما فعله الشاعر نذير طيار، في صورة مدرسية له مع زملائه تعود إلى عام 1974، عندما كان في السنة الابتدائية الأولى في مدرسة "محمد الشريف منتوري" في باب القنطرة، لكنّ كثيرين لم يتمكنوا من التعرف إليه. وعلّق صديقه حمزة فردية: "لم أعرفك في الصورة، لكنّي متأكد أنّ من بين هؤلاء التلاميذ يوجد شاعر ورياضي اسمه نذير طيار، ذو تربية وأخلاق".

المساهمون