الشتاء القاسي يولّد قصصاً مؤلمة في أرياف تونس

الشتاء القاسي يولّد قصصاً مؤلمة في أرياف تونس

18 يناير 2021
يتحضرون للشتاء القارس والثلوج (العربي الجديد)
+ الخط -

خلف مشهد الثلوج الخلاب، واقع مرير تعيشه أسر أرياف الشمال الغربي بتونس. فتُعزل المناطق إثر تراكم الثلوج، ويتدبر الأهالي أمورهم عبر تأمين المؤن الغذائية والحطب للتدفئة، أما الدولة فشبه غائبة عن مساعدة المهمشين

تضطر الستينية التونسية زازية إلى جمع الحطب استعداداً لموجة البرد والثلوج التي تجتاح منطقتها في فرنانة بالشمال الغربي، بكلّ موسم شتاء. وتبدأ بإعداد المونة الشتائية من المواد الغذائية التي تحصل عليها، لأنّ الأحوال المناخية قد تجبرها على البقاء داخل البيت لأسبوعين، فتعيش وعائلتها في عزلة كاملة، وبالتالي تريد تأمين معيشة العائلة في هذه الفترة. 
ولا تُعتبر قصة زازية ومعاناتها بالشتاء هي الوحيدة، فالعديد من العائلات في أرياف نفزة وعين دراهم وطبرقة وفرنانة وعمدون، بالشمال الغربي، تواجه صعوبات فرضتها الجغرافيا والطبيعة، وزادتها محدودية الإمكانيات المادية قساوة.  

ففي فصل الشتاء، ومع موجة البرد القاسية والثلوج المتراكمة، يلجأ سكان العديد من هذه الأرياف إلى جمع الحطب للتدفئة. وفي ظلّ غياب المواصلات، يستعين البعض بالحمير لمساعدتهم على التنقل وحمل الأغراض. لكن هؤلاء السكان قد تُعزل منازلهم وتنفد مؤونتهم وتنتهي مدخراتهم من الحطب، فيواجهون عندها قساوة الظروف المناخية بإمكانياتهم البسيطة والمحدودة في حالات كثيرة، ما يزيد الأمر صعوبة.  
ومن بين هذه العائلات عائلة حميدة، وهي أم لثلاثة أطفال، تحاول البحث عن أغطية لأطفالها في بيتها المتواضع، حيث نصف نوافذه غير موجودة أو قديمة، تتسرب منها الأمطار والرياح، وتجعله بارداً. وتؤكد حميدة، في حديث لـ"العربي الجديد"، أنّها تخشى هذه الفترة من كل سنة بسبب شدّة البرد، والتي زادتها موجة الثلوج قساوة. كانت حميدة، وهي ربة منزل، ترتدي طبقات عدّة من الملابس الصوفية في محاولة لتدفئة جسمها، مشيرة إلى أنّه لا توجد لديها أي وسائل للتدفئة، فالحطب الذي جمعته مبلل وحتى الغاز مفقود في منطقتها، وكثيراً ما يصعب الحصول عليه. وتضيف: "ظروف الأسرة صعبة، زوجي عامل يومي، وقد قلص الوضع الصحي بسبب جائحة فيروس كورونا من فرص عثوره على عمل، لذلك قد يبقى لفترة طويلة من دون وظيفة. أما أطفالي فيتابعون دراستهم في مرحلة التعليم الابتدائي". وتأمل حميدة بتمكنها من إصلاح منزلها، خصوصاً السقف الذي يقطر كلّما هطلت الأمطار. 

الصورة
الثلوج تغمر الطرقات (العربي الجديد)
الثلوج تغطي الطرقات (العربي الجديد)


وفي السياق، يؤكد رئيس جمعية حماية البيئة بنفرة رضا الطبوبي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أنّ "سكان مناطق الشمال الغربي اعتادوا على جمع الحطب للطبخ والتدفئة، لكن للأسف، في الفترة الأخيرة، فُقد الحطب، خصوصاً في ظلّ وجود عدّة شركات تتزود ببقايا الحطب من مصالح الغابات مباشرة، وبالتالي لم يعد المواطن يجد الحطب كالسابق ليستغله للتدفئة". ويتابع: "المعاناة تتفاقم مع وجود الثلوج، رغم أنّها تمثل بشرى للسكان ولفلاحي المنطقة، لكن هناك عدة مناطق تُعزل ويتعقد الوضع وتقلّ وسائل النقل". ويلفت إلى أنّهم كثيراً ما يعانون من انقطاع  التيار الكهربائي، ويتعذر إصلاحه من قبل المختصين بسبب تراكم الثلوج وقطع الطرقات، ما يؤدي إلى صعوبة الوصول إليهم. فالمعوقات تكون كبيرة والوضع دقيق مع كل موسم ثلوج. ويشير إلى أنّ "أرياف ما يسمى بالمربع الخصيب بعين دراهم ونفزة وطبرقة وجبال خمير، تكون الأوضاع فيها في الشتاء صعبة، ودرجات الحرارة الباردة مضاعفة. وبما أنّه يُتوقع تساقط الثلوج خلال هذه الفترة، بدأت تحضيرات تخزين الحطب والمواد الغذائية. وبما أنّ المواشي لا يمكنها أن ترعى، فإنّهم يوفرون كميات من العلف تحسباً لطول الفترة التي ستبقى فيها من دون رعي". ويؤكد أنّ "السكان يعتمدون على أنفسهم، فعندما تشلّ الحركة وتغمر الثلوج المنطقة، تغيب فرق الدفاع المدني، ويتعين على كل شخص تدبر أمره. الدولة في مثل هذه الأوضاع شبه غائبة، ولا يمكنها التركيز على الفئات المهمشة ومدّها بالمساعدات اللازمة". 

بيئة
التحديثات الحية

بدوره، يقول الناشط والمخرج الوثائقي شوقي عزيز، من عين دراهم، أنّه وثق الحالات والأوضاع الصعبة في منطقته. عدة عائلات تنقصها الأغطية اللازمة التي تساعدها على مواجهة البرد والثلوج، وحتى وسائل التدفئة غير متوفرة للعديد منها. ويؤكد، في حديث لـ"العربي الجديد"، أنّ "بعض المشاهد لم أتمكن من تصويرها نظراً لقساوتها، فالوضع صعب لدى العديد من الأسر التي تعجز عن مواجهة البرد. ويزيد الأمر تعقيداً في حالات المرض. فعندما يمرض شخص في مثل هذه الظروف المناخية لا يمكن نقله إلى أقرب مستشفى، وحتى وإن تمّ ذلك، وتوفرت وسيلة للنقل، فالأمر لن يكون سهلاً بسبب الثلوج". ويضيف: "بقدر روعة المنظر الطبيعي للجبال والغابات في الشمال الغربي، إلا أنّه يخفي واقعاً مريراً وقصصاً مؤلمة بمواجهة الظروف المناخية خلال هذه الفترة من السنة".

المساهمون