الشباب الأكراد... انعدام الأمل يقودهم إلى الحدود البيلاروسية

الشباب الأكراد... انعدام الأمل يقودهم إلى الحدود البيلاروسية

19 نوفمبر 2021
معاناة الأطفال كبيرة على الحدود البولندية البيلاروسية (مكسيم غوشيك/ Getty)
+ الخط -

أثارت أزمة اللاجئين العراقيّين على الحدود البيلاروسية البولندية، والمشاهد الإنسانية القاسية والبرد والجوع والانتهاكات التي يتعرض لها اللاجئون، تساؤلات عن أسباب هجرة الشباب والأسر، وتحديداً من إقليم كردستان شمالي العراق، لا سيما وأن الإقليم يُعدّ أكثر تطوراً وأمناً من مناطق وسط وجنوب البلاد، التي سجلت خلال السنوات الماضية هجرة كبيرة للشباب بسبب البطالة وانتشار السلاح، فضلاً عن التطلع لتوفير حياة أفضل في الخارج.
ومنذ نحو شهر، لجأ آلاف المهاجرين، بينهم مئات العراقيين إلى بيلاروسيا، على أمل الوصول إلى الاتحاد الأوروبي، لكنّهم وجدوا أنفسهم محاصرين على الحدود وسط أجواء قاسية وباردة، ما أسفر عن وفاة شخصين من الأكراد العراقيين، بعدما تعرضوا لأعمال عنف واعتقالات جرت على الحدود مع بولندا من جرّاء محاولات تسلّل يخوضها مئات المهاجرين من العراق ودول أخرى. وتسعى وزارة الخارجية العراقية إلى اتخاذ إجراءات لاحتواء هذه الأزمة المتصاعدة، موضحة على لسان متحدثها أحمد الصحاف، أن "القنوات العراقية الدبلوماسية مفتوحة مع جميع الشركاء الدوليين لوضع حلول عاجلة وضمان سلامة المواطنين العراقيين". ويأتي ذلك بعدما استقبل مطار أربيل جثتين لشابين عراقيين لقيا حتفهما على الحدود بين بيلاروسيا وبولندا.
ويقول ناشط كردي رفض الكشف عن اسمه إن انعدام الأمل هو أحد أبرز الأسباب الذي يدفع الشباب إلى الهجرة وترك إقليم كردستان العراق، موضحاً في حديثه لـ "العربي الجديد" أن "الأكراد في الإقليم يختلفون عن العرب في بغداد أو بقية المحافظات العراقية، إذ لا يجدون أنفسهم معنيين بالتجربة الديمقراطية التي بدأت عام 2003، بل يعتبرون أن تجربتهم بدأت عام 1991 بعد حرب الخليج وخروج المحافظات الكردية الثلاث عن سيطرة بغداد. وحتى الآن، لا يتمتعون بالديمقراطية أو الحقوق الأساسية للعيش، كالحق في العمل والعيش الكريم، بالإضافة إلى مصادرة أصوات المعترضين أو الناشطين السياسيين والصحافيين".

ويرى أن "حكومة الإقليم لا تختلف كثيراً عن حكومة بغداد، إذ ما زالت تستقطع من رواتب الموظفين بحجة الادخار الإجباري الذي أثر كثيراً على معيشة الناس، وتحديداً الموظفين، ناهيك عن التلاعب بالأسعار، سواء الأغذية أو المحروقات، بالإضافة إلى أن بعض مناطق الإقليم لا تحظى بفرص الاستثمار الذي تحظى به مناطق أخرى، بمعنى أن السليمانية وحلبجة ودهوك لا تحظى بالخدمات المتوفرة في أربيل".
ويلفت إلى أن "التعيينات الحكومية محجوزة لأعضاء الأحزاب والأسر الحاكمة والشخصيات المتنفذة في الإقليم. بالتالي، فإن هذه المشاكل إلى جانب الفقر المتزايد، كلها تدفع العائلات والشباب إلى البحث عن فرص للحياة في دول أخرى".
في المقابل، تشير معلومات حصلت عليها "العربي الجديد" من مكتب وزارة الهجرة في بغداد، إلى أن قسما غير قليل من المهاجرين يتحدرون من مناطق خاضعة لسيطرة مسلحي حزب العمال الكردستاني المصنف على لائحة الإرهاب، ويتخذها نشاطاً مسلحاً لها وباتت منطقة عمليات عسكرية لتتسبب في تهجير مئات القرى خلال العامين الماضيين، مثل زاخو وسنجار والزاب وسيدكان وسوران وحفتانين وكاني ماسي، ومناطق أخرى مماثلة شمال أربيل وشرقي دهوك.

مهاجرون (مانشوك بيلتا/ فرانس برس)
يعيشون حياة قاسية على الحدود (مانشوك بيلتا/ فرانس برس)

من جهته، يلفت أحمد رزكار، وهو صحافي معارض من السليمانية، ويعيش حالياً في تركيا، إلى أن "إقليم كردستان يتحوّل يوماً بعد آخر إلى معسكر عمل وتجارة للعائلات النافذة والعائلات الأخرى القريبة منها، فيما لا يزداد المواطن الكردي إلى فقراً وحرماناً".
ويؤكّد لـ "العربي الجديد" أنّ "اللجوء إلى العيش في دول الاتحاد الأوروبي بات ضرورياً بالنسبة للشعب الكردي، بعيداً عن مافيات السياسة والفساد، كما أن الإقليم يمكن اعتباره مملكة جديدة، إذ إن إدارة الحكومة تتطور يوماً بعد آخر باتجاه التوريث. كما أن أبناء الزعماء من آل بارزاني وطالباني يسيطرون على كل شيء، ولا يعطون الفرصة للدماء الجديدة التي قد تعمل على تطوير الإقليم، كما يرفضون أي أفكار سياسية جديدة".
وتتضارب البيانات حول أعداد اللاجئين العالقين، إذ قدرت جمعية "اللاجئين الكردستانية" عدد العالقين بنحو أربعة آلاف، كانوا قد غادروا الإقليم قبل بضعة أشهر بواسطة تأشيرات دخول سياحية رسمية ووسائل غير رسمية، في وقت أكدت وسائل إعلامية ومسؤولون بولنديون أن نحو 1200 لاجئ يحملون جواز سفر عراقيا، ومعظمهم من الأكراد، موجودون في الأراضي البولندية، وقدرت عدد العالقين عند الحدود مع بيلاروسيا بين ثلاثة وأربعة آلاف لاجئ.
على الرغم من ذلك، فإنّ حكومة إقليم كردستان وأعضاء الأحزاب الكبيرة حمّلت وسائل الإعلام العربية والأجنبية مسؤولية الإساءة إلى إقليم كردستان العراق، بعد عرض سلسلة من التقارير التي ظهر فيها ناشطون سياسيون وصحافيون وتجار أكراد، تحدَّثوا فيها عن التهديدات والانتهاكات التي تعرضوا لها من قبل مجموعات مسلحة توالي الحكومة في الإقليم أو سياسيون يرفضون أي معارضة إعلامية موجهة ضدهم من قبل إعلاميين مستقلين، في وقت وصف مسؤولون في إقليم كردستان أزمة المهاجرين على الحدود بين بيلاروسيا وبولندا بـ"غير الواقعية".

من جهته، يقول عضو الحزب الديمقراطي الكردستاني الحاكم في أربيل، عاصمة إقليم كردستان العراق، محمد باجلان إن "اللجوء هو حق إنساني لأي شخص. بالتالي، فإن تضخيم ما يحدث حالياً على الحدود البيلاروسية البولندية هو أمر غريب من قبل بعض وسائل الإعلام التابعة للفصائل المسلحة العراقية التي تعمل على تشويه صورة وسمعة الإقليم محلياً وخارجياً. كما أن هناك أطرافا سياسية تحاول إلقاء مسؤولية محنة المهاجرين من الإقليم على حكومة أربيل بهدف إسقاط الأحزاب الكردستانية". ويوضح في حديث لـ "العربي الجديد" أن "هناك قصصا تظهر في الإعلام غير صحيحة، وليست واقعية، وتحديداً ما يصدر عن بعض الناشطين والصحافيين الأكراد بخصوص الانتهاكات التي يتعرضون لها بهدف الحصول على اللجوء السياسي من دول الاتحاد الأوروبي".