الشاب الفلسطيني كامل علاونة... وُلد واستشهد مرتين

الشاب الفلسطيني كامل علاونة... وُلد واستشهد مرتين

05 يوليو 2022
تشييع الشاب الفلسطيني كامل علاونة في بلدة جبع (فيسبوك)
+ الخط -

عندما علم عبد الله علاونة، 72 عاماً، بأن زوجته فاطمة تحمل في أحشائها جنيناً ذكراً، اتفقا فوراً على تسميته "كامل"، تيمناً بأخيه الذي كان يحمل الاسم ذاته واستشهد خلال عملية فدائية ضد قوات الاحتلال الإسرائيلي عام 2003.

"أردنا ألا يغيب الاسم عن البيت، ولا أن يغيب كامل عن حياتنا، فقدنا كامل الكبير، وبعد 18 عاماً فقدنا كامل الصغير، هذا قدر الله ونحن راضون به"، يقول الأب المكلوم وهو يصافح المعزين في ديوان العائلة في بلدة جبع، إلى الجنوب من مدينة جنين شماليّ الضفة الغربية، بعد استشهاد نجله كامل أول من أمس الأحد، متأثراً بإصابته بجروح خلال مواجهات في البلدة قبل يوم من استشهاده.

يتمتم بكلمات تعبّر عن صبره بما حل به، ويتابع الوالد: "ما جرى أغرب من الخيال، قد يعجز أشهر مؤلفي الأفلام عن كتابة سيناريو كمثل هذه القصة، التي تتشابه في مجرياتها بشكل لا يكاد أحد يصدقه".

يقول الوالد: "يستشهد كامل الأول وهو في الثامنة عشرة خلال فترة تقديم امتحانات الثانوية العامة في شهر يونيو/ حزيران عام 2003، ولم يبق له سوى امتحان واحد، يرزقنا الله طفلاً جديداً بعدها بسنة واحدة فقط (2004) نسميه كامل، يصل إلى العمر ذاته أي ثمانية عشر عاماً، ويرتقي في الفترة ذاتها تقريباً (شهر يوليو/ تموز)، وفي مرحلة امتحانات الثانوية العامة، إذ لم يبق له سوى امتحانين، مصادفة لا أعتقد أنها تكررت في مكان آخر من هذا الكوكب".

الأب الذي أمضى في سجون الاحتلال نحو اثني عشر عاماً لتأسيسه "خلايا الكفاح المسلح" في سبعينيات القرن الماضي، يؤمن إيماناً راسخاً بعدالة القضية الفلسطينية، وأن "الشعب كله مشاريع شهادة".

لكن خبر إصابة كامل واستشهاده لاحقاً، أصابت الجميع بصدمة كبيرة، فقد تدحرجت الأحداث بشكل متسارع، لكون بلدة جبع لم تشهد أي مواجهات مع قوات الاحتلال يوم السبت (الثاني من الشهر الجاري)، بل إن قوة عسكرية إسرائيلية نصبت حاجزاً مفاجئاً على أحد مداخل البلدة قبيل ساعات العصر، ومع الغروب وصلت الأنباء عن إصابة شاب، ليتبين أن كامل قد أصيب برصاصتين، إذ اخترق الرصاص الحيّ المتفجر بطنه، وأصاب الكبد مباشرة، فأدى إلى نزف حاد لم تفلح معه عمليتان جراحيتان وأكثر من 20 ساعة من العلاج المتواصل في غرفة العناية الحثيثة، حتى أعلن استشهاده، عصر اليوم التالي.

فجعت بلدة جبع بالنبأ، وخرجت عن بكرة أبيها في وداعه، وحُمل الشهيد على الأكتاف وسط صيحات التهديد والوعيد والدعوة للرد على جرائم الاحتلال.

المشهد الذي لم يكن غريباً عن بلدة جبع، ذكّرها بجنازة كامل الأول، فقد احتجزت سلطات الاحتلال جثمانه لنحو عقد من الزمان، وسلمته عام 2013، حينها لقي الشهيد من أهل بلدته ما يستحقه من تكريم، وخرجت الجموع في وداعه.

يقول ياسين نزيه لـ"العربي الجديد": "إن كامل الصغير كان مولعاً بأخيه الذي يحمل اسمه، رغم أنه لم يره أبداً، حتى إنه في ذكرى استشهاده التي صادفت الأسبوع الماضي، نشر على صفحته على (فيسبوك) صورة له التقطها وخلفه صورة أخيه الشهيد، مرفقة بعبارات تمجد الشهداء".

والتحق كامل الكبير بكتائب الشهيد عز الدين القسام (الجناح العسكري لحركة حماس)، وكان رغم صغر سنه شغوفاً بالمقاومة، حيث حاول مع أحد المقاومين الوصول إلى الداخل الفلسطيني المحتل، لتنفيذ عملية فدائية، وخلال عبورهما المناطق الفاصلة بين الضفة الغربية والأراضي المحتلة عام 1948، لحقت بهما قوة عسكرية إسرائيلية، وخاضا معها اشتباكاً مسلحاً، أدى إلى استشهادهما.

ولد كامل الكبير عام 1984، وترعرع في أكناف أسرة بسيطة مكونة من ستة أفراد (قبل ميلاد كامل الثاني)، وخلال 2003، بحسب ما نشره موقع كتائب القسام الإلكتروني، "توجه كامل بمهمة جهادية مشتركة بين كتائب القسام وسرايا القدس، الجناح المسلح لحركة الجهاد الاسلامي، إلى منطقة باقة الغربية المحاذية لما يسمى الخط الأخضر، واصطدمت المجموعة بوحدات حرس الحدود المنتشرة هناك، ما أدى إلى استشهاد المهاجمين كامل علاونة من كتائب القسام، وخالد عيسة من سرايا القدس".

ومن الأسباب التي أدت إلى استشهادهما تصادف مرورهم في المنطقة مع قيام مجموعة أخرى من المجاهدين بقتل مستوطن في المكان نفسه، حيث شهد الموقع انتشاراً مكثفاً لجنود الاحتلال.

وقال الشهيد القسامي في وصيته حينها "إنه قدم نفسه لله سبحانه وتعالى من أجل إعلاء كلمة الحق ثم للمسجد الأقصى"، وأوصى بـ"السير على طريق المجاهدين والتضحية من أجل الله وفلسطين. طريق أوصى به كامل من بعده"، ولم يكن كامل يعلم أن شقيقه الذي سيولد من بعده وسيحمل اسمه سيسير على الدرب ذاته ويستشهد بعد 18 عاماً.

المساهمون