السوريون يلجأون إلى توفير وسائل تدفئة لمواجهة البرد

27 فبراير 2025   |  آخر تحديث: 21:09 (توقيت القدس)
من وسائل التدفئة البدائية في إدلب، سورية، 28 ديسمبر 2024 (بلال الحمود/فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- يعاني السوريون من صعوبة تأمين وسائل التدفئة التقليدية بسبب ارتفاع الأسعار، مما يدفعهم لاستخدام بدائل مثل الكرتون والملابس القديمة، والتي توفر دفء مؤقت وتزيد من معاناتهم.
- تتفاقم الأزمة مع انخفاض درجات الحرارة، حيث يلجأ المواطنون لحرق مواد ضارة مثل البلاستيك، مما يبرز الحاجة لتدخل الدولة لتوفير حلول تدفئة مستدامة.
- يحذر الأطباء من المخاطر الصحية لحرق المواد الضارة، ويؤكدون على أهمية توفير التدفئة في المدارس، بينما يطالب المواطنون بتدخل حكومي عاجل لتخفيف المعاناة.

وسط صقيع الطقس في مناطق سورية الجبلية، يحاول المواطنون الحصول على الدفء بكلّ وسيلة ممكنة، على الرغم من معوّقات كثيرة، من بينها ارتفاع أسعار الحطب والمازوت. وهكذا يجد كثيرون أنفسهم وقد اضطرّوا إلى إحراق الكرتون والملابس والأحذية البالية في مدافئهم البدائية للحصول على بعض الدفء في فصل الشتاء.

وفي عملية حسابية بسيطة، يصير شراء 50 لتراً من المازوت لقاء 250 ألف ليرة سورية أو 50 كيلوغراماً من الحطب بالسعر ذاته أمراً أقرب ما يكون إلى الرفاهية بالنسبة إلى موظفٍ راتبه الشهري، إن كان قد تسلّمه أصلاً، لا يتجاوز 300 ألف ليرة، أو بالنسبة إلى عاملٍ مياومٍ قد لا تتجاوز أجرته بأفضل الأحوال 70 ألف ليرة، هذا إن توفّر عمل في ظلّ الركود الحاصل نتيجة نقص السيولة في سوق العمل. يُذكر أنّ كميات مواد التدفئة المذكورة، من مازوت وحطب، لا تكفي إلا لأيام معدودة وسط البرد الشديد.

حسام نرش، من مدينة صلخد جنوبي السويداء في أقصى جنوب سورية، موظف حكومي وأب لشاب وشابة يكملان تعليمهما. يخبر "العربي الجديد" أنّ راتبه بالكاد يكفيه لتأمين أجرة مواصلات ابنه إلى جامعته، ولا يخفي معاناته إذ يقول إنّه "خلال المنخفض الجوي الأخير، استهلكت كلّ وسيلة متاحة لتدفئة أسرتي، لم أُبقِ ولو على قطعة واحدة من الملابس أو الأحذية القديمة في منزلي. ألقيتها كلّها في النار". وبنبرة يائسة يضيف: "في حال استمرار موجات الصقيع، فإنّ الأمر سوف يكون مزرياً، إذ لا أملك حلولاً أخرى"، شارحاً: "لا قدرة لديّ على شراء المازوت أو الحطب، حتى ممّا أجنيه من عملي الإضافي"، فهو سائق سيارة أجرة. ويتابع أنّ "الطعام أكثر إلحاحاً، إذ لا يمكنني أن أترك بطون أفراد أسرتي خاوية".

من جهته، اضطرّ خالد أبو ترابي إلى إشعال بعض من "التراث"، إذ عمد، بحسب ما يخبر "العربي الجديد" إلى حرق أخشاب قديمة كانت تحمل بقايا قنطرة في بيت جدّه المهدّم بريف دمشق الغربي، غير آبه بالخطر المحتمل الذي قد ينجم عن إزالتها. كذلك أشعل بقايا سرير خشبي يعود إلى القرن الماضي من بيت جدّه، ويقول: "كنت أحتفظ بها بوصفها قيمة مادية من تراث أهلي، لكنّ زمن البرد بحسب ما يبدو أقسى من أن يرحم حتى ذكرياتنا".

أمّا ماهر الجرمقاني، من عرمان جنوبي السويداء، فيلجأ هو وآخرون إلى جمع الأعشاب اليابسة، بما فيها الشوكية منها، من الطرقات وجوانب الأراضي الزراعية. ولا يخفي في حديثه إلى "العربي الجديد" أنّهم يجمعون ما يتسنّى لهم من أكياس ورقية وبلاستيكية من جوانب الحفر والحيطان والأزقّة، وكل ما يمكن إشعاله لتوفير الدفء لأسرهم وأولادهم.

وتتشابه الأحوال في مختلف المناطق السورية، فتقول أم حسان من مدينة قطنا ريف دمشق الجنوبي، وهي أرملة وأمّ لثلاثة أولاد، لـ"العربي الجديد": "صارت عيناي تبحثان عن الكرتون في الشوارع كأنّني صائدة ألماس. أسابق على التقاطها قبل أن يسبقني البرد إلى عظام أطفالي". تضيف أنّه قبل أيام من المنخفض الجوي الأخير، شهدت حاويات النفايات في المنطقة تهافتاً و"معارك"، إذ إنّ "كلّ عبوة بلاستيكية تساوي دقائق دفء". وهي تؤشّر إلى أكياس مليئة بعبوات المياه والعصير البلاستيكية الفارغة، تردف أم حسان: "أعلم أنّ حرق البلاستيك سامّ ومسرطن، لكنّ البرد يقتلنا اليوم والسرطان قد يأتي بعد عشر سنوات".

ووسط الوضع الكارثي المسيطر، ثمّة من يلجأ إلى الفكاهة. وبنبرة ساخرة، يقول ضابط ستّينيّ متقاعد من ريف دمشق، اختار اسم علام (مستعار) للتعريف عن نفسه: "الحمد لله أنّ رواتبنا مقطوعة... تخيّلوا لو استلمناها، لكنّا سننفقها على المازوت لمدّة يومَين قبل أن نحرق لافتات حملناها في الاحتجاجات التي طالبنا فيها النظام السابق برفع رواتبنا".

لا يخفي السوريون أنّ الوضع صعب وسط البرد والأزمات التي تتخبّط فيها البلاد. ويؤكد محمد منصورة من ريف طرطوس غربي سورية أنّ "الوضع صعب بكلّ المقاييس، لكنّنا تعوّدنا على مواجهة التحديات". ويخبر "العربي الجديد": "أقوم يومياً في مقابل توزيع الحشائش على عدد من المطاعم بجمع نوى الزيتون وقشور بذور ميّال (عبّاد) الشمس وقشور بذور التسلية الأخرى ومخلفات الصحون والكؤوس البلاستيكية، لأحرقها مع قليل من أوراق الشجر وبعض الغصون الصغيرة" من أجل توفير الدفء. يضيف أنّ "الغلاء خانق وانعدام الدخل يزيد المعاناة، إلا أنّ إبداعاتنا البسيطة تمنحُنا دفئاً". ويشير منصورة إلى أنّ "الأزمة ليست طارئةً بل تأتي نتيجة فشلٍ متراكمٍ في السياسات الاقتصادية وغياب الرؤية منذ عهد النظام المخلوع، لكنّنا لا نرضى بأن يصير الحصول على التدفئة رفاهية". ويتابع أنّ "كثيرين اضطروا إلى بيع أثاث بيوتهم لشراء وقود للتدفئة، لكنّ ذلك ليس حلاً بل مسكّنات مؤقّتة"، مشدّداً على أنّ "الدولة مطالبة بالتدخّل العاجل قبل أن تتعمّق المأساة أكثر".

في سياق متصل، يحذّر الطبيب فراس العيسمي من الأمراض التي قد تنجم عن حرق المواطنين مواد مضرّة في مدافئهم، ولا سيّما البلاستيك والنفايات الطبية. ويقول لـ"العربي الجديد" إنّ "الأمراض قد تكون قاتلة نتيجة الانبعاثات التي تصدر عن تلك المواد في أثناء حرقها". من جهة أخرى، يلفت إلى "الصقيع الذي يسبّب الأمراض، خصوصاً للأطفال"، مشدّداً على "ضرورة توفّر تدفئة في المدارس حتى لا نورث الأمراض للتلاميذ".

المساهمون