السودان: التهاب الكبد لا يحتمل الانتظار

السودان: التهاب الكبد لا يحتمل الانتظار

24 سبتمبر 2021
الفئات المستضعفة أكثر عرضة للإصابة بأمراض مختلفة (أشرف الشاذلي/ فرانس برس)
+ الخط -

تسعى الحكومة السودانية من خلال أنظمتها الصحية إلى محاصرة مرض التهاب الكبد الفيروسي الذي يمثّل تهديداً في البلاد، وذلك وسط حملة عالمية كانت قد أُطلقت تحت شعار "التهاب الكبد لا يحتمل الانتظار" بمناسبة اليوم العالمي للتوعية بهذا المرض في 28 يوليو/ تموز الماضي. وتعبّر الجهات المعنية عن قلقها من انتقال عدوى التهاب الكبد الفيروسي بأنواعه الخمسة (أ، ب، ج، د، ه) نتيجة تلوّث المياه (بما في ذلك مياه الشرب) وكذلك التربة (بالتالي المزروعات)، وقلة النظافة في المطاعم، وغلاء الأدوية، والحدود المفتوحة، وسوء استخدام أدوات الحلاقة، وعمليات نقل الدم الملوّث ومشتقاته، والاتصال الجنسي غير المحمي. يُضاف إلى كلّ ذلك ضعف برامج التوعية والتثقيف وعدم الكشف المبكر.
وتزداد المخاوف في السودان من انتشار المرض، خصوصاً التهاب الكبد الفيروسي من النوع "ه" (إي) الذي ينتشر بين اللاجئين في البلاد، مثلما حدث أخيراً مع دخول أكثر من 80 ألف إثيوبي إلى السودان على خلفية الحرب في بلادهم. وقد أكدت السلطات الصحية تفشّي التهاب الكبد الفيروسي من النوع المذكور وسط هؤلاء الهاربين من إقليم تيغراي المأزوم، في مخيمات اللجوء بولايتَي كسلا والقضارف شرقي السودان، وشُخّصت 278 إصابة وفق ما أفادت تقارير. ويرى مراقبون أنّ هذا العدد مخيف لأنّه قد يؤدي إلى نقل العدوى في المناطق الحدودية وصولاً إلى العمق السوداني.

صحة
التحديثات الحية

يقول مديرالمركز القومي لأمراض الجهاز الهضمي والكبد، عبد المنعم الطيب، لـ"العربي الجديد" إنّ "التهاب الكبد الفيروسي من النوع ب هو الأكثر انتشاراً في السودان، بنسبة تتراوح ما بين ستة وثمانية في المائة من جملة السكان. لكنّ ثمّة دراسات أفادت بأنّ تلك البيانات غير دقيقة". ويرجّح الطيب "وجود أعداد إضافية من المصابين لم يخضعوا إلى فحوص بالتالي لم يُشخَّص المرض لديهم"، مشدداً على "أهمية الاجتهاد أكثر لإجراء مسوحات جديدة تحدد بشكل أدق نسبة شيوع المرض في البلاد". ويشير الطيب إلى أنّ "مرضى كثيرين يكتشفون إصابتهم بالصدفة، مثلاً عندما يُلزم مسافر بالخضوع إلى الفحص أو مريض يتهيأ لعملية جراحية، وما إلى ذلك". 
ويتحدّث الطيب عن "استراتيجيات عالمية للقضاء على المرض نهائياً في العالم بحلول عام 2030، في حين أنّ السودان وضع خطة وطنية (2019-2025) تحتاج إلى شراكات دولية ووطنية"، موضحاً أنّ "الخطة تهدف إلى نشر خدمات الفحص والتحصين (للنوع ب حصراً) والعلاج في كل الولايات". ويلفت إلى أنّ "خدمة العلاج متوفرة فقط في ولاية الخرطوم، فيما أقيم 11 مركزاً في 11 ولاية للفحص والتحصين فقط"، مطالباً الدولة بـ"دعم مشروع مكافحة الوباء وتخصيص الميزانيات المناسبة له، خصوصاً في ما يتعلق بالعلاج، نظراً إلى ظروف المواطنين المعيشية الصعبة".
من جهته، يقول نائب رئيس الجمعية السودانية لمرضى وزارعي الكبد، نادر عباس، إنّ "80 في المائة من زارعي الكبد في السودان خضعوا لعمليات زرع عقب إصابتهم بالتهاب الكبد الفيروسي الذي يؤدّي إلى تليّف في الكبد". ويوضح عباس لـ"العربي الجديد" أنّ "المرض إلى تزايد نتيجة غياب التوعية والتثقيف اللذَين من شأنهما المساهمة في القضاء على طرق نقل العدوى"، مشيراً إلى أنّ "ثمّة منظمات من المجتمع المدني وجمعيات خيرية تنشط في تصميم برامج توعية وبثّها عبر وسائل الإعلام ووسائط التواصل الاجتماعي". يضيف عباس أنّ "غلاء أسعار الأدوية الخاصة بمرض التهاب الكبد الفيروسي واحدة من المشكلات الكبرى التي يواجهها المرضى في السودان، بالإضافة إلى عدم توفّر مراكز ومستشفيات متخصصة في الأرياف والأطراف البعيدة".

الصورة
امرأة سودانية ومياه شرب في السودان (أشرف شاذلي/ فرانس برس)
تلوّث مياه الشرب من أسباب انتقال العدوى (أشرف شاذلي/ فرانس برس)

وفي هذا الإطار، يشرح الطبيب الصيدلاني ياسر ميرغني، وهو كذلك الأمين العام لجمعية حماية المستهلك، أنّ "سعر الجرعة الواحدة من علاج التهاب الكبد الفيروسي (لأنواع معيّنة من المرض) يصل إلى أكثر من 91 ألف جنيه سوداني (نحو ألفَي دولار أميركي) في الشهر الواحد، علماً أنّ المريض في حاجة إلى ستّ جرعات على مدى ستّة أشهر، وهى كلفة تفوق قدرة السودانين بمعظمهم". لذا يرى ميرغني أنّه "لا مجال لمكافحة المرض إلا بالوقاية منه بواسطة اللقاح المجاني (للنوع ب حصراً) والتثقيف والتوعية وفرض رقابة صارمة على محال بيع الأطعمة وإلزام العاملين فيها، من الوافدين الأجانب، على إجراء الفحوصات اللازمة وتلقّي اللقاحات"، لافتاً إلى أنّ "قراراً سبق أن صدر قبل أعوام في هذا المجال لكن تمّ التراجع عنه وغابت معه الرقابة اليومية". ويخبر ميرغني أنّه وسط خطورة انتقال هذه العدوى وغيرها في المطاعم والمقاهي، حرصت جمعية حماية المستهلك على إطلاق حملة تحت شعار "قُوْتنا من بيوتنا" بهدف تشجيع الناس على تناول وجباتهم في منازلهم حيث الطعام مضمون وصحي أكثر.
في سياق متصل، تقول الدكتورة سارة أزهري حسن، مديرة برنامج مكافحة التهاب الكبد الفيروسي التابع لوزارة الصحة السودانية، لـ"العربي الجديد"، إنّ "السودان واحدة من دولتَين في المنطقة، تصل احتمالات إصابة سكانهما بالمرض إلى ثمانية في المائة، وتزيد هذه النسبة في بعض الولايات فتتراوح ما بين 18 و24 في المائة". تضيف حسن أنّه "من بين 40 مليون سوداني، ثمّة أكثر من مليونَين من المحتمل إصابتهم بالتهاب الكبد الفيروسي من النوع ب، مع احتمال إصابة آخرين بالنوع ج (سي) وعددهم المقدّر يتراوح ما بين 300 ألف و700 ألف"، لكنّها تلفت إلى أنّ "ثمّة حاجة إلى تحديث الدراسات وجعلها أكثر دقة، علماً أنّه لا تتوفّر أيّ إحصاءات للوفيات بسبب هذا المرض".

وفي ما يتعلّق بالخطورة المرتبطة بدخول اللاجئين الإثيوبيين أخيراً إلى البلاد، تشير حسن إلى أنّ "الإحصاءات الواردة من مخيمات اللجوء إن صحّت، فهي تبيّن أنّ ثمّة خطراً. فهؤلاء اللاجئون من الفئات المستضعفة الأكثر عرضة للإصابة بالأمراض". وتدعو حسن "كلّ الجهات إلى الاستثمار في التصدي لالتهاب الكبد الفيروسي من خلال دعم برامج مكافحته، لحفظ الشباب والأجيال الجديدة من الوباء ومضاعفاته".

المساهمون