السودان: الإنتاج المنزلي لمواجهة الغلاء

السودان: الإنتاج المنزلي لمواجهة الغلاء

10 فبراير 2021
حلّ لا بدّ منه (أشرف الشاذلي/ فرانس برس)
+ الخط -

 

يحاول السودانيون اليوم الالتفاف على غلاء الأسعار، بما فيها أسعار المنتجات الغذائية، والصمود، في وقت ترتفع فيه معدلات الفقر في المجتمع، من خلال الإنتاج المنزلي. وقد أطلقت منظمات من المجتمع المدني في البلاد أخيراً مشروعاً لتشجيع ودعم الإنتاج الأسري، برعاية منتدى الأنوار التفاعلي. يوضح مدير المنتدى إلياس عبد الرحمن لـ"العربي الجديد" أنّ "35 منظمة تطوعية تقريباً تشارك في المشروع، بالإضافة إلى مجموعات إنتاجية عاملة في المجال الزراعي والصناعي. والمشروع يستهدف كلّ الأسر السودانية، وبدايته كانت في ريفي ولاية الخرطوم مع تزويد 2200 أسرة بكميات من الشتول المثمرة والمقويات المحسنة". ويشير عبد الرحمن إلى "تدريب 1800 امرأة في إطار تأهيل النساء الريفيات المنتجات على معظم الصناعات الصغيرة، لا سيّما صناعة الحلويات والمخبوزات وتعليب الخضراوات والفاكهة وتجفيف الخضراوات وإعداد العصائر وكذلك الصابون بالإضافة إلى الخياطة، وذلك حتى يتمكنّ من توفير احتياجاتهنّ وأسرهنّ".

ويؤكد عبد الرحمن أنّ "المبادرة اجتماعية بحتة، وكانت البداية مع تطوير منطقة واوسي، إلى شمال الخرطوم، ثم تطوّرت لتشمل الريف الشمالي وتمتد بعد ذلك إلى ولاية الخرطوم كلها، قبل أن تنطلق إلى ولايات أخرى. وهي استعانت بخبراء زراعيين من وزارة الزراعة، ثمّ وظّفت مرشدين زراعيين لاحقاً". وبيّن عبد الرحمن أنّ "80 في المائة من الأسر المستفيدة من المشروع أمّنت غذاءها كله من لحوم وخضراوات وفواكه، وراحت بمعظمها تبيع الفائض أو تتشاركه مع بقية المجتمع"، لافتاً إلى أنّ أبرز مشكلات الإنتاج المنزلي في السودان تتمثل في عدم توفّر المياه وعدم وجود مرشدين في مجال الزراعة وتربية الحيوانات والطيور. لكنّ المؤكد هو أنّ انتشار هذه الفكرة في البيوت السودانية مستقبلاً سيقضي تماماً على الفقر المنتشر في المجتمعات".

ويعاني السودانيون من جرّاء ارتفاع أسعار معظم السلع بنسب تخطّت 300 في المائة، خصوصاً الألبان والخضراوات واللحوم والسكر والزيوت، فيما تندر سلع أخرى، خصوصاً الخبز الذي لا يحصل عليه السودانيون إلا بعد الانتظار في طوابير طويلة.

ولدى سودانيين كثيرين تجارب سابقة في مجال الاكتفاء الذاتي في ما يخصّ السلع الأساسية، من إنتاجهم المنزلي، خصوصاً في المناطق الريفية حيث تزيد مساحات منازل كثيرين عن ألف متر مربّع. من بين تلك التجارب، تجربة الدكتور فخر الدين عبد العال، المتخصص في إدارة الجودة والإنتاج، والذي تشارك مع أسرته الصغيرة في إنتاج الخضروات واللحوم والفاكهة والألبان والبيض والزبادي والمربى والسمنة. ولم تحقّق تلك العملية كفايته الذاتية فحسب، بل وفّرت ذلك لجيرانه وأسرته الكبيرة. يقول عبد العال لـ"العربي الجديد" إنّ "للإنتاج الغذائي في الوقت الراهن أكثر من أهمية اجتماعية واقتصادية وصحية، فأسعار الخضروات والفواكه ارتفعت جداً وثمّة صعوبة في الحصول عليها، فضلاً عن الشكوك حولها"، مضيفاً أنّه "لو اشترى المواطن بذوراً بمبلغ بسيط جداً وأقام أحواضاً في المنزل للملوخية والفواكه والنخيل وغيرها، لوفّر على نفسه عناءً كبيراً". ويشير عبد العال إلى أنّ "ثمّة مساحات فائضة في كلّ المنازل في القرى والمدن لا تقلّ عن 50 متراً يمكن الاستفادة منها مع وفرة المياه. كذلك ثمّة فرص لتربية ماعز ومختلف أنواع الطيور في المنزل، فيما يمكن استخدام بقايا الحيوانات كسماد عضوي لزراعة الخضراوات والفاكهة".

قضايا وناس
التحديثات الحية

ويتابع عبد العال أنّ "الزراعة المنزلية وتربية الحيوانات توفّران أموالاً طائلة، لأن سعر التكلفة أقلّ بكثير من سعر السوق، كذلك تمنحان فرصة لتبادل السلع بين الجيران. وهو ما يزيد تماسك المجتمع، ويسدّ أوقات الفراغ، ويعلّم الأطفال العمل الجماعي، ويربّيهم على حب العمل، وينمّي العلاقات في داخل الأسر الواحدة، ويحدّ من البطالة. كذلك تقلل الزراعة المنزلية من كميات القمامة في الشوارع، باستخدام بقايا الأكل في تربية الماعز والطيور، وبقايا الحيوانات في تسميد التربة". ويؤكد أنّ "الإنتاج المنزلي طبيعي وخالٍ من أيّ مواد كيميائية ومقاوم للأمراض، بالإضافة إلى أنّ استهلاكه يكون طازجاً مع كل قيمته الغذائية".

ويشكو عبد العال من أنّ "الدولة في السودان لا تشجّع الإنتاج المنزلي، لجهة التوعية والتثقيف والإرشاد، في حين أنّها قادرة على فتح وسائل الإعلام الحكومية لتلك المهمة"، مشيراً إلى أنّه "من واجب الدولة كذلك توزيع الشتول المحسّنة، سواء للفاكهة أو الخضراوات، بما يحقق إنتاجية عالية وبما يخفّض صرف الجهات الرسمية الأموال على الأمراض، خصوصاً على ما يتعلق بسوء التغذية". ويشدد على ضرورة أن "تُلغى الرسوم الجمركية عن كلّ أدوات الإنتاج".

من جهته، كان الشاب ساتي محمد صالح يعمل في وظيفة حكومية قبل أن يتركها ويتفرّغ بالكامل للإنتاج المنزلي في تربية الضأن والأغنام في منزل أسرته بمنطقة الحتانة، إلى شمال أم درمان، مؤكداً أنّه يجد فيها المتعة الكافية وتوفّر له كل ما يحتاجه من مصاريف. ويقول صالح لـ"العربي الجديد": "طبّقت الفكرة بطريقة متواضعة في البداية، في عام 2017، ورحت أربّي الضأن وأبيعه. ثمّ توسّعت في مساحة 24 متراً فقط في المنزل لتربية الطيور، ومنها الحمام، وبيعها"، موضحاً أنّه "حريص جداً على عدم إيذاء أسرتي وجيراني بالتنظيف المستمر للحظيرة التي شيّدتها في المنزل. كذلك أنا أحرص على تحصين الحيوانات والطيور باللقاحات اللازمة قبل إدخالها إلى المنزل حتى لا تنقل أيّ أمراض".

في السياق، يقول الصحافي عبد الوهاب جمعة لـ"العربي الجديد"، إنّ "الزراعة المنزلية هي أحد أهم أشكال مواجهة السودانيين لارتفاع أسعار المواد الغذائية في السنوات الأخيرة، مع انخفاض قيمة الجنيه السوداني في مقابل الدولار الأميركي وارتفاع معدّل التضخم، إذ تُعَدّ المواد الغذائية أكبر بند صرف في ميزانية الأسر السودانية". ويطالب الحكومة بـ"عدم تجاهل تلك المشروعات، وضرورة إدراجها من ضمن الموازنة العامة للدولة، خصوصاً برامج الدعم الاجتماعي الذي ينبغي أن يتحوّل من دعم نقدي مباشر إلى دعم بأدوات إنتاج منزلية".

المساهمون