السنبوك وأخواته... مراكب شاهدة على إرث قطر البحري

السنبوك وأخواته... مراكب شاهدة على إرث قطر البحري

الدوحة

أسامة سعد الدين

أسامة سعد الدين
أسامة سعد الدين
صحافي سوري، مراسل "العربي الجديد" في قطر.
19 اغسطس 2021
+ الخط -

قبل اكتشاف النفط في ثلاثينيات القرن الماضي، كان مورد العيش الأساسي في قطر ودول الخليج يستلزم الغوص في البحر بحثاً عن اللؤلؤ إلى جانب صيد الأسماك. وكانت رحلات الغوص تستغرق أكثر من ربع سنة (ثلاثة أشهر)، علماً أنّ الموسم يبدأ في أواخر إبريل/ نيسان ويستمرّ حتى نهاية سبتمبر/ أيلول. وينطلق الصيادون في رحلات الغوص والصيد على متن سفن شراعية تُعرف بالمحامل. وعلى الرغم من التطوّر الذي شهدته قطر التي أصبحت أكبر منتج للغاز الطبيعي المسال في العالم، والنهضة الاقتصادية التي جعلت المواطن القطري يعيش رفاهية ملحوظة إذ يُعَدّ متوسط دخله من الأعلى في العالم، فإنّ القطريين ما زالوا يتمسكون بتراثهم ويعتزّون بامتلاك ما يربطهم بأجدادهم وتاريخهم.
على مقربة من فندق "ريتز-كارلتون" المطلّ على الخليج الغربي، وعلى مشارف أبراج الدوحة الشاهقة، ثمّة مارينا (حوض) ترسو بها عشرات القوارب واليخوت. من هناك انطلقنا في رحلة تحاكي التراث البحري بقيادة النوخذة (مالك السفينة وربانها) محمد بن راشد السليطي الذي ألّف كتاباً عن رحلاته الاستكشافية لمناطق في قطر، منها خور العديد وجزيرة الأسحاط وراس ركن وغيرها، كذلك هو يملك أكثر من مركب تقليدي. وعلى متن أحد المحامل، يوضح السليطي لـ"العربي الجديد" أنّ "المركب من نوع السنبوك ويحمل اسم لوسيل، ويعود تاريخ صنعه إلى عام  2000، وهو من فيبرغلاس (ألياف زجاجية) بمواصفات الخشب نفسها". ويعرّف السنبوك بأنّه "مركب تقليدي في الخليج، وهو من السفن القطرية الأولى، علماً أنّ أهل قطر طوّروا مع الوقت هذا المركب ليتناسب مع صيد اللؤلؤ والسفر ونقل البضائع بين دول الخليج. وكان يُصنّع من الخشب الهندي أو الساج الذي يتميّز بقدرته على تحمّل الملوحة المرتفعة في مياه الخليج العربي".

الصورة
مراكب قطر 2 (العربي الجديد)
(العربي الجديد)

وعن اقتنائه أكثر من مركب، يقول السليطي إنّه "إرث الآباء والأجداد"، مضيفاً أنّ "الحاضر الجميل يرتبط بالماضي العريق وبالمستقبل المنشود، عبر سنبوك لوسيل الذي يصل ثمنه إلى 3.6 ملايين ريال قطري (نحو مليون دولار أميركي)، إلى جانب مركب سلسبيل الذي يعود تاريخ صنعه إلى عام 1985، وكاترماران وهو مركب شراعي يحمل اسم بلمسان تيمّناً بهير بحري في قطر ويعمل بمحرّكَين صغيرَين يُستخدمان لدخول الميناء والخروج منها بيُسر في أثناء الإبحار باتجاهات متغيّرة وعند هبوب الرياح".

ويستخدم السليطي مراكبه تلك لرحلات الصيد والتنزّه وأحياناً لرحلات علمية بالتعاون مع جامعة قطر وعدد من الجهات في الدولة، فيما يشارك من خلال محمل "سلسبيل" في مهرجان كتارا للمحامل التقليدية الذي انطلق في دورته الأولى في عام 2010. وفي هذا الإطار، يؤكد السليطي "أهمية المهرجان ودوره في إحياء التراث البحري وتعريف النشء به، إذ يقدّم كل عام لوحة بحرية حيّة تنبض بالتراث والجمال والعراقة، وينقل صورة عن ملامح الحياة التقليدية لأهل قطر الذين تربطهم علاقة وثيقة بالبحر".

الصورة
مراكب قطر 3 (العربي الجديد)
(العربي الجديد)

وفي ما يخصّ أنواع المحامل التقليدية في قطر وأبرز مواصفاتها، يقول السليطي إنّ "ثمة أنواعاً كثيرة بحسب السعة والاستخدام. السنبوك واحد منها وهو من المراكب المشهورة في قطر والخليج العربي وكان يُستخدم في الصيد والغوص للبحث عن اللؤلؤ، فيما يبلغ طوله نحو 60 قدماً وتراوح حمولته بين 15 و60 طناً. أمّا محمل الجالبوت فهو المركب الأوّل عند أهل قطر سابقاً ويراوح طوله بين 20 و30 قدماً فيما تصل حمولته إلى 10 أطنان. كذلك قد يراوح طوله بين 40 و70 قدماً، فترتفع حمولته إلى 40 طناً، ويُستخدم في الغوص للبحث عن اللؤلؤ وفي الأسفار والصيد أحياناً، علماً أنّ العرب عرفوه قديماً باسم الجلاب نسبة إلى سرعته".

الصورة
النوخذة محمد بن راشد السليطي في قطر (العربي الجديد)
النوخذة محمد بن راشد السليطي (العربي الجديد)

يضيف السليطي: "ثمّ يأتي البوم وهو من أشهر المراكب وأفضلها، وكان ينقل البضائع عبر موانئ الخليج العربي وكذلك موانئ الهند وباكستان وشرق أفريقيا، علماً أنّه مركب كويتي الأصل، يصل طوله إلى 100 قدم وتراوح حمولته بين 300 و750 طناً. وقد استُخدم البوم في رحلة فتح الخير إذ أطلق مهرجان كتارا للمحامل التقليدية رحلته الأول في عام 2013 وجاب معظم دول الخليج، أمّا الرحلة الثانية فكانت من شاطئ كتارا في  أكتوبر/ تشرين الأول 2015 وتوقفت في ولاية صور في سلطنة عُمان ثمّ توجهت إلى ميناء مومباي في الهند، لتمثّل محاكاة حقيقية لما كان يقوم به الآباء والأجداد في فترة الغوص بحثاً عن اللؤلؤ.

وبعد انتهاء موسم الغوص، كان تجّار لؤلؤ أو طوّاشون يحملون محاصيلهم من اللؤلؤ إلى الهند حيث يحصلون على أسعار أفضل، إذ كانت مومباي في ذلك الوقت من أهم أسواق اللؤلؤ". ويتابع السليطي أنّ "من أنواع المحامل كذلك البتيل وهو مركب قديم أكبر حجماً من السنبوك يشبه بالشكل سفن الفينيقيين، تبلغ حمولته نحو 50 طناً ويُستخدم في الغوص بحثاً عن اللؤلؤ. كذلك يأتي البانوش الذي يشبه السنبوك لكنّه صغير الحجم، يُستخدم في الصيد والتنقل، وثمّّة من يستخدمه للبحث عن اللؤلؤ".

الصورة
مراكب قطر 4 (العربي الجديد)
(العربي الجديد)

تجدر الإشارة إلى أنّ السليطي قاد مراكبه الثلاثة في خلال الرحلة من خلال موقعه في بلمسان، وكان يعطي توجيهاته عبر أجهزة الاتصال إلى نواخذة مركبَي "لوسيل" و"سلسبيل". وظهرت براعته عندما توقّفت المراكب الثلاثة في عرض البحر عند مشارف جزيرة العاليه وتمّ ربطها بعضها ببعض، فبدت كأنّها ترسو على الشاطئ. واجتمع اليزوة (البحارة) على متن السنبوك في استراحة جميلة وسط البحر.

الصورة
مراكب قطر 5 (العربي الجديد)
(العربي الجديد)

في سياق متصل، أطلق المجلس الوطني للسياحة في قطر مشروعاً لإعادة تأهيل وتجديد أكثر من 40 محملاً خشبياً تقليدياً، من المتوقّع أن ينتهي بحلول شهر أكتوبر/ تشرين الأول المقبل. ويأتي ذلك في إطار مبادرة استراتيجية تهدف إلى دعم التميّز في خدمات قطاع السياحة في البلاد، علماً أنّ المشروع يُقسم إلى ثلاث مراحل، تشمل تجديد المراكب الخشبية التقليدية، وتحديث الأرصفة والمراسي، بالإضافة إلى تدريب أفراد الطاقم على معايير الصحة والسلامة. وعند اكتمال المشروع سوف يتمكّن السياح والزائرون من الاستمتاع بتجربة إضافية واستكشاف الدوحة من مياه الخليج العربي.

دلالات

ذات صلة

الصورة
سورلينغ

رياضة

حلت السويدية بيترا سورلينغ، رئيسة الاتحاد الدولي لكرة الطاولة، ضيفة على "العربي الجديد"، للحديث عن النسخة المقبلة لبطولة العالم، التي من المقرر أن تقام بالدوحة.

الصورة
كأس آسيا شهدت نجاحاً كبيراً (العربي الجديد/Getty)

رياضة

وصلت رحلة بطولة كأس آسيا لكرة القدم لنهايتها، وشهدت تتويج منتخب قطر باللقب بعد الفوز في النهائي الذي أقيم على استاد لوسيل أمام المنتخب الأردني بنتيجة 3-1.

الصورة
المغترب الفلسطيني محمد صيام (حسين بيضون)

مجتمع

فاق مجموع من فقدتهم عائلة الفلسطيني محمد صيام خلال العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة الـ 50 شهيداً، من بينهم والده ووالدته، وبقية العائلة بين مصابين ونازحين.
الصورة
عماد الحوسني عُمان قادرة على صناعة المفاجأة في كأس آسيا وهذه رسالتي للمدرب

رياضة

حل نجم الكرة العُمانية السابق، عماد الحوسني، ضيفاً على "العربي الجديد"، من أجل الحديث عن حظوظ منتخب بلاده في بطولة كأس آسيا التي تستضيفها قطر.

المساهمون