السلاح العشوائي يحصد المزيد من الضحايا في سورية: السماء لا تبتلع الرصاص

18 يناير 2025
احتفالات سقوط الأسد لم تخل من ضحايا انتشار السلاح العشوائي، دمشق، 17 يناير 2025 (Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- شهدت سوريا احتفالات بسقوط نظام بشار الأسد، إلا أن هذه الفرحة ترافقت مع انتشار السلاح العشوائي، مما أدى إلى وقوع ضحايا بين المدنيين، مثل الطفل طلال بلال ضاهر والطفلة جنى مهنا جودية.
- تزايدت حالات الإصابات والوفيات بسبب إطلاق النار العشوائي في المناسبات الاحتفالية، حيث سجلت مشافي دمشق والسويداء إصابات عديدة، مما يعكس خطورة الوضع الأمني.
- يواجه المجتمع السوري تحديات كبيرة بسبب الاستخدام العشوائي للسلاح، مع غياب الضوابط القانونية وانتشار الأعراف التقليدية، مما يهدد الوضع الإنساني في البلاد.

قبل نهاية الثامن من ديسمبر/كانون الأول الماضي، إذ عمت الاحتفالات أرجاء سورية بسقوط نظام بشار الأسد، كان للفرحة وجه آخر حُصدت فيه أرواح وأصيب خلالها العديد من المدنيين نتيجة انتشار السلاح العشوائي، فبينما أطلقت جموع المحتفلين الرصاص تعبيراً عن الفرحة بسقوط نظام الأسد، كانت عائلة الطفل طلال بلال ضاهر من قرية بيت تيما في جبل الشيخ تزفه إلى مثواه الآخير بعد أن لاقى حتفه برصاصة طائشة، كما حاول أطباء الجراحة في مشفى السويداء إخراج مقذوف من بطن طفلة لم تكمل الـ 9 سنوات، أصيبت به أثناء وقوفها داخل شرفة منزلها.

في اليوم ذاته سُجلت العديد من الإصابات بين المدنيين نتيجة ارتداد الأعيرة النارية أو إصابات مباشرة، حيث أكد أحد الممرضين في مشفى المجتهد "دمشق" لـ"العربي الجديد" وصول 16 إصابة بطلق ناري في يوم واحد إلى المشفى، مشيراً إلى أن هذا الرقم هو أحد الأرقام التي استقبلتها بعض المشافي في دمشق وبعض المحافظات السورية، مؤكداً أن معظم المصابين من المدنيين الذين لا يعرفون الفاعل.

الصورة
أسلحة تم تسليمها للإدارة العسكرية، دمشق 31 ديسمبر 2024 (ديفيد ميلرو/فرانس برس)
تسعى الإدارة العسكرية السورية الجديدة لجمع السلاح بيد الدولة، دمشق 31 ديسمبر 2024 (فرانس برس)

وتزايدت حالات الإصابات الناتجة عن الانتشار العشوائي للسلاح في العديد من المناطق والمدن السورية، وارتفعت نسب الضحايا لتتوزع على امتداد الجغرافية السورية، خصوصاً بعد أعمال النهب التي طاولت المراكز العسكرية والأمنية إثر سقوط النظام السوري. وبينما تختلف أسباب مقتل أو إصابة أحد ضحايا الانتشار العشوائي للسلاح، تتصدر المناسبات الاحتفالية الدافع الأكثر رواجاً لاستخدام السلاح وإطلاق الأعيرة النارية في السماء وأحياناً في كل الاتجاهات. حيث شهد الأسبوع الجاري، مصرع شاب إثر إطلاق نارعن طريق الخطأ في بلدة دير العدس بريف درعا الشمالي، فيما أصيب آخر من قرية الدلي بجروح جراء إطلاق نار عشوائي في المنطقة.

وفي حادثة أخرى، أصيبت طفلة تبلغ من العمر 6 سنوات جراء رصاص طائش خلال حفل زفاف في مدينة جاسم بريف درعا الشمالي، مما سبّب لها كسرين في يدها، فيما قتل قيادي في حركة التحرير والبناء من أبناء مدينة دير الزور بطلق ناري عن طريق الخطأ من مرافقه الشخصي، بالقرب من المعبر النهري الجسر الترابي الذي يصل مدينة ديرالزور في قرية حطلة،  كما قتل شخص وأصيب 43 آخرون في إطلاق نار عشوائي خلال الاحتفال برفع علم الثورة في 13 ديسمبر/ كانون الأول الماضي في مدينة الرقة شمال شرقي سورية.

السلاح العشوائي يحصد حياة الطفلة جنى

وفي محافظة السويداء، أصيبت الطفلة جنى مهنا جودية 9 سنوات، بطلق ناري مرتد أثناء ركوبها الدراجة النارية خلف والدها غربي مدينة السويداء جنوب سورية، حيث دخل المقذوف من الرقبة واستقر في الصدر، وتوفيت أثناء نقلها إلى المشفى في مايو 2024.   

يقول منصور جودية المقرّب من الضحية جنى لـ"العربي الجديد": "منذ بداية الثورة السورية حملنا السلاح ولم نستخدمه إلا للدفاع عن أهلنا على حدود المحافظة وفي وجه عصابات الخطف والإجرام، ولم نفكر يوماً أنه وسيلة للتعبير عن الفرح بالأعراس والأعياد ومناسبات النجاح بالشهادات العامة. ونستغرب أن يكون وسيلة للتعبير عن الذات والأنا والرجولة لدى البعض ممن يفتقدون لحس الوعي والمسؤولية". مضيفاً "رحلت هذه الطفلة مع أحلامها التي لم تتجاوز حينها سوى رحلة مع والديها على الدراجة النارية، واختارها القدر أن تكون الدرس لمن يتعظ، لكنها ذهبت في أدراج النسيان، ولم يقتنع القاتل المجهول أن السماء لا تبتلع الرصاص، وفي كل نشوة تخيم على مُطلق الرصاص يقابل خسارة قد تكون ثقب في خزان مياه أو سيارة أو نافذة أو كارثة لحياة إنسان". 

ولاقى الطفل أمين نسيم أبو سعدة 13 عاماً، حتفه أثناء رحلة جمعته مع العائلة بمنطقة ظهر الجبل شرقي السويداء، أثر إصابته بطلق ناري من بندقية صيد عن طريق الخطأ. وأعاد الدكتور نزار مهنا نشر خبر لطفلة عالجها من الإصابة بطلق ناري قبل عدة سنوات، محاولاً التذكير بمآسي الاستخدام الخاطئ للسلاح، قائلاً لـ"العربي الجديد": "أصاب هذه الطفلة طلق ناري مرتد من الحائط في الجمجمة، حيث دخل من أعلى الرأس واستقر بالجيب الفكي وضرب العصب البصري وأنهى الرؤية، وهذه إحدى الحالات الكثيرة الناتجة عن الاستخدام الفوضوي للسلاح، وغالباً ما يكون المدنيون من الأطفال والنساء الأكثر عرضة لهذه الحالات الناتجة عن نزاعات أو أشكال التعبير عن الفرح في الأعراس والمناسبات والأعياد". 
من جانبها، وثّقت شبكة درعا 24، مقتل 485 شخصاً في محافظة درعا، نصفهم من المدنيين، وإصابة 456 شخصاً، منهم 304 من المدنيين خلال العام 2024. وأوضحت الشبكة أن العديد من الضحايا والاصابات كان المتسبب في سقوطها إطلاق النار العشوائي أو العبث بالسلاح.

ويرى الناشط المدني وليد الزعبي في حديثه مع "العربي الجديد" إنه بعيداً عن إحصاءات ضحايا النزاعات المسلحة وأعمال الاغتيال والانتقام بين الفصائل أو العصابات، فإن أعداد الضحايا والمصابين من الاستخدام العشوائي للسلاح تعادل وتزيد أحياناً عن أعداد ضحايا النزاعات المسلحة. ويجب الإشارة إلى أن العديد من الإصابات وحتى الضحايا لا تعمم ولا تُحصى لغياب الضابطة العدلية والتحقيقات الدقيقة وطغيان الأحكام العشائرية والأعراف التقليدية على القانون، فالكثير من حالات الموت التي أعلنت أنها موت طبيعي لأسباب مرضية أو حوادث طبيعية، هي في الحقيقة جرائم قتل بالسلاح أو انتحار أو ناتجة عن استخدام خاطئ للسلاح، والغاية من هذا الإعلان حماية الفاعل وطمس الحقائق. متوقعاً أن تتزايد حالات الإصابة بين المدنيين نتيجة الانتشار العشوائي للسلاح بين الشباب واليافعين وحتى الأطفال، هذا الانتشار الذي رافق فوضى هروب الجيش والقوى الأمنية والشرطية من محافظة درعا. 

وإلى الآن تعجز مديريات الصحة والإحصاء عن إصدار بيانات دقيقة تبين من خلالها الكارثة الإنسانية التي يسبّبها السلاح العشوائي والفوضى التي عمّت في الكثير من المناطق السورية بعد انهيار الجيش النظام السوري السابق وترك السلاح في متناول عامة الناس. ويرى البعض إن هذه الفوضى ستستمر إلى حين وجود قوى أمنية وضابطة عدلية قادرة على ضبط هذا الانفلات الذي يعم معظم المناطق في سورية.

المساهمون