السائقون الفلسطينيون: الأزمة الاقتصادية في لبنان تخنقنا

السائقون الفلسطينيون: الأزمة الاقتصادية في لبنان تخنقنا

25 يونيو 2021
لوحته ليست عمومية لكنّه مضطر إلى العمل (العربي الجديد)
+ الخط -

 

منذ أكثر من عام، يعاني لبنان يعاني أزمة اقتصادية من جرّاء ارتفاع سعر صرف الدولار الأميركي في مقابل الليرة البنانية، علماً أنّ سعر الصرف في السوق السوداء للدولار الواحد (أكثر من 15 ألف ليرة) تخطّى أخيراً السعر الرسمي (نحو 1515 ليرة) بعشرة أضعاف. وقد أثّر ذلك بشكل كبير على اللاجئين الفلسطينيين، فبات كثيرون منهم عاجزين عن تأمين متطلبات الحياة الأساسية. لذا دفعت خسارة العمل فلسطينيين كثراً كانوا يشتغلون في مجالات مختلفة إلى قيادة سيارات أجرة، منهم من يستخدم سيارته الخاصة، ومنهم من يستأجر سيارة عمومية قانونية. ولا يخفي بعضهم أنّ عناصر الأمن الداخلي يغضّون النظر في بعض الأحيان عنهم، ويتركونهم يسعون إلى رزقهم من دون أن ينظّم في حقّهم محاضر ضبط لمخالفة قانون القيادة. يُذكر أنّه قبل أزمة البنزين المستجدّة أخيراً في البلاد، كان الأمر نوعاً مقبولاً بعض الشيء على الرغم من ارتفاع سعر قطع التبديل والزيت وغير ذلك.

أبو مسعد لاجئ فلسطيني من سكان مخيم عين الحلوة في مدينة صيدا جنوبي لبنان، يعمل سائق سيارة أجرة. يقول لـ"العربي الجديد": "لقد كنت متعهداً للبناء في السابق، لكنّني نتيجة الأزمة الاقتصادية في لبنان تركت المهنة التي كنت أعمل بها وتحوّلت إلى سائق سيارة أجرة". يضيف أبو مسعد أنّ "هذه السيارة التي أعمل عليها الآن هي خاصة بي وهي ليست قانونية، أي ليست سيارة عمومية مرخّصة. لكنّني اضطررت إلى ذلك، إذ لا أملك خياراً آخر. فأنا ربّ أسرة وأريد أن أعيلها". ويشير أبو مسعد إلى أنّ "رجال الدرك (الأمن الداخلي) يغضّون الطرف عنا، بحسب ما أظنّ. هم يعرفون الأزمة التي يمرّ بها الجميع ويعيشونها بدورهم".

ويتابع أبو مسعد أنّ ثمّة "أزمة كبرى، فنحن نقف ساعات عند محطات المحروقات في انتظار ملء خزانات سياراتنا بالوقود"، شارحاً أنّهم قد يحجزون دوراً في الطابور إلا أنّ الكمية المحددة لكلّ مركبة لا تصل أحياناً إلى 10 ليترات. ويتحدّث أبو مسعد كذلك عن الأعطال المحتملة وعن الصيانة الروتينية، "فسعر كيلوغرام الزيت ارتفع أضعافاً وأضعافاً، كذلك الأمر بالنسبة إلى قطع تبديل السيارات". ويشكو أبو مسعد من أنّ "الارتفاع الجنوني للدولار فاق قدرتنا على التحمّل، وبدل السرفيس (السيارة العمومية) صار أربعة آلاف ليرة (نحو 2.6 دولار بحسب سعر الصرف الرسمي و0.26 دولار بحسب السوق السوداء). بالتالي ما نجنيه لم يعد يكفي". ويكمل أبو مسعد: "لقد اختصر عدد كبير من الناس تجوّلهم بالسيارة، فصار بعض منهم يعمد إلى السير على الأقدام في بعض المرات، فيوفّر على نفسه بعض الشيء".

الصورة
سيارات في مخيم عين الحلوة في لبنان 2 (العربي الجديد)
دفعت خسارة العمل فلسطينيين كثراً إلى قيادة سيارات الأجرة (العربي الجديد)

أبو مصطفى سائق سيارة أجرة آخر من مخيم عين الحلوة. يقول لـ"العربي الجديد": "قد تكون حالتي أفضل مقارنة بسائقين آخرين، إذ إنّ سيارتي عمومية وهي ملكي، بالتالي لست مجبراً على دفع بدل إيجار السيارة ولا بدل إيجار اللوحة العمومية". وفي ما يخصّ أزمة البنزين، يخبر: "أستيقظ عند الساعة الثالثة فجراً وأتوجّه إلى محطة المحروقات لملء خزان سيارتي. عند الساعة الثالثة والنصف أكون أمام المحطة، لكنّ الطابور يكون طويلاً، حتى في هذا الوقت، فكثر سبقوني"، مؤكداً أنّ "الجميع في حاجة إلى ملء خزانات سياراتهم". ويشير أبو مصطفى إلى أنّه "عند خروجي من البيت، أحمل معي مخدّة وغطاء، فأنام في السيارة حتى الساعة السادسة صباحاً موعد بدء العمل في المحطة. وعندما يحين دوري، أملأ خزان سيارتي وأبدأ العمل". يضيف أبو مصطفى أنّ "المصيبة قد تقع في حال ثقب إطار السيارة أو وقع عطل ما فيها. فالأسعار كلها بالدولار وبحسب سعر صرف السوق السوداء. وعلى سبيل المثال قطعة الغيار التي كانت تُباع قبل أشهر لقاء سبعة آلاف ليرة لبنانية (نحو 4.6 دولارات بحسب سعر الصرف الرسمي و0.46 دولار بحسب السوق السوداء) أمّا اليوم فصار سعرها 150 ألف ليرة (نحو 100 دولار بحسب سعر الصرف الرسمي وأقلّ من 10 دولارات بحسب السوق السوداء). تُضاف إلى ذلك أجرة اليد العاملة. وكلّ هذا صار يفوق قدرتنا على التحمّل".

ويلفت أبو مصطفى إلى أنّه "ممنوع على الفلسطيني قيادة سيارة عمومية، وهو لا يستطيع الحصول على إجازة قيادة عمومية. وفي حال رآني درّاج من قوى الأمن الداخلي أقود سيارة عمومية وسألني عن ذلك، فهو قد يوقفني ويفتّش السيارة تفتيشاً دقيقاً. لكنّه قد يكون ابن حلال ويتركني أتابع سيري". على الرغم من كلّ ذلك، يؤكد أبو مصطفى أنّ "العمل ولو بالقليل ومع كلّ العذاب أفضل من البقاء عاطلاً من العمل".

المساهمون