الروبوتات المفخخة... سلاح إسرائيلي ينشر الدمار والرعب في غزة

25 مايو 2025
حجم الدمار هائل في قطاع غزة، 23 مايو 2025 (أنس فتيحة/الأناضول)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- كثف جيش الاحتلال الإسرائيلي استخدام الروبوتات المفخخة في غزة، مما أدى إلى دمار واسع ورعب بين السكان، حيث تحمل كل روبوت حوالي 5 أطنان من المتفجرات، مما يفاقم معاناة الأهالي ويزيد النزوح.

- تعرضت مناطق مثل بيت لاهيا وبيت حانون لتفجيرات متكررة، مما أدى إلى تدمير واسع النطاق واستشهاد العديد، حيث يعيش الأهالي في رعب مستمر وفرق الإنقاذ تواجه صعوبة في التعامل مع الدمار.

- تسببت التفجيرات في إصابات خطيرة بين السكان، مما يدفع المزيد من العائلات للنزوح، كما حدث مع عائلة مصعب شابط، مما يبرز حجم المعاناة تحت العمليات العسكرية.

كثف جيش الاحتلال استخدام الروبوتات المفخخة في قطاع غزة في الآونة الأخيرة، وخلال الأسبوع الماضي، فجر خمسة روبوتات في بلدة بيت لاهيا وحدها، الأمر الذي أدى إلى مضاعفة حجم الدمار.

تخلف الروبوتات المفخخة التي يسيرها جيش الاحتلال داخل المناطق السكنية في قطاع غزة، دماراً شديداً مقارنة بما يخلفه القصف الجوي أو المدفعي، ما يفاقم الموت والدمار والرعب بين الأهالي. يتشكل الروبوت من مدرعة عسكرية إسرائيلية خفيفة تحمل اسم "M113"، ويفرض توقفه أمام مشفى أو منزل حالة من الترقب، إذ لا يمكن تحديد موعد الانفجار، أو مكان وقوعه بدقة، وقد تبقى الآلية متوقفة في نفس المكان لعدة ساعات، أو عدة أيام، ما يسرق النوم من عيون الأهالي طيلة فترة وجودها، وقد يؤدي ذلك إلى نزوحهم.

وتشير التقديرات إلى أن الاحتلال يمتلك نحو 6 آلاف آلية مدرعة من نوع "M113"، ومن غير الواضح كم عدد الآليات التي حوّلها إلى روبوتات متفجرة يتم التحكم بها عن بعد، ويحمل الروبوت الواحد قرابة 5 أطنان من المتفجرات، ويحدث انفجاره ما يشبه هزة أرضية، ويخلّف دماراً هائلاً قد يصل إلى تدمير خمسة منازل متجاورة، أو محو مربعٍ سكني كامل. وعقب التفجير، تظهر سحابة كبيرة من الدخان، وتتطاير الشظايا والحجارة إلى مسافات بعيدة عن الموقع المستهدف، ما يعرّض حياة عدد كبير من الأهالي للخطر، إضافة إلى تضرر المباني المحيطة.

خلال تلقّي الفلسطيني محمود ناصر العلاج بمستشفى كمال عدوان في شمالي القطاع، وخلال العملية العسكرية الإسرائيلية الثالثة في شمال القطاع، والتي بدأت في 5 أكتوبر/تشرين الأول 2024، وامتدت لثلاثة أشهر، تعرّض المشفى للحصار، ثم اقتحمه جنود جيش الاحتلال لاحقاً، وبعدها ظهر الروبوت أمام بوابة المشفى.

يحكي ناصر لـ"العربي الجديد": "توقف الروبوت أمام البوابة، فبقينا مترقبين موعد انفجاره، وكنا طوال الوقت ننظر من النوافذ كي نراقبه. في تلك الليلة لم نستطع النوم، والجميع كانوا يحبسون أنفاسهم، لأن تفجيره سيؤدي إلى تدمير المشفى بالكامل على رؤوس من فيه. سادت حالة من الرعب بين الجميع، خاصة الأطفال والنساء، وعندما ابتعد الروبوت في الصباح تنفسنا الصعداء، وعادت الحياة من جديد إلى المشفى، ووقتها كنا نعيش في حالة تجويع شديدة".

حفر كبيرة يخلفها الانفجار، 25 مارس 2025 (معز صالحي/الأناضول)
حفر كبيرة يخلفها الانفجار، 25 مارس 2025 (معز صالحي/الأناضول)

قبل إصابته، قرر ناصر عدم النزوح من بلدة بيت حانون (شمال)، وقد عايش تفجير الاحتلال لروبوتات في مناطق عدة بمحيط سكنه. يوضح: "كان صوت التفجير مرعباً، وكأنه زلزال حقيقي يرجّ الأرض، وتهتز معه الجدران، ويؤدي إلى مسح معالم محيط التفجير بالكامل. بات الأهالي يعرفون هذه المدرعة غير المأهولة من خلال حركتها غير الطبيعية، وطريقة تحركها غير المرنة، ويدركون أنها تحمل معها الموت. في السابق، لم يكن بعض السكان يستطيعون تحديد هذه الآلية على أنها روبوت مفخخ، وفي أحد أيام الحرب، توقفت أمام منزل عائلة أبو عودة في بيت حانون، واعتقدوا أنها آلية عادية، لكنها انفجرت واستشهدت العائلة بالكامل، وكان عددهم سبعة أفراد".

وتقف طواقم الإنقاذ والإسعاف عاجزة تماماً أمام الدمار الذي يخلفه الروبوت المفخخ، وعادة تنعدم قدرتهم على الوصول إلى جثامين الشهداء بسبب الدمار الهائل الذي يسببه التفجير. يقول ضابط الإسعاف والإنقاذ بالدفاع المدني، محمد طموس، لـ"العربي الجديد": "في شهر نوفمبر/تشرين الثاني 2024، وصلتنا إشارة حول تفجير الاحتلال 15 روبوتاً في شارع العجارمة وشارع الهوجا شمالي مخيم جباليا. بعد انسحاب قوات الاحتلال، ذهبنا إلى المكان، وعاينا آثار الدمار بسبب التفجيرات الهائلة، والتي أدت إلى محو الشارعين تماماً، وكذلك تدمير عدة مربعات سكنية، ونتج عن ذلك استشهاد العشرات، وفي تلك الفترة نزح غالبية سكان المنطقة تحت وطأة الخطر، وتكرار القصف المدفعي والجوي وأوامر الإخلاء القسري".

رغم تواجد طموس ورفاقه على بعد نحو 5 كيلومترات من مكان التفجير، إلا أنهم سمعوا صوت الانفجار وكأنه وقع بالقرب منهم. يضيف: "رأينا سحابة دخان كبيرة تملأ السماء، وقذف الانفجار ركاماً وحجارة تطايرت لمسافات بعيدة، حتى أنه وصلت إلينا بعض الشظايا، وهناك أشخاص فقدوا السمع نتيجة قوة ضغط الانفجار. عندما يحدث تفجير بواسطة روبوت، لا يمكن أن نقوم بأي عملية إنقاذ، لأن معالم المنطقة تكون قد مُسحت بالكامل".
في اليوم الذي فجر الاحتلال فيه 15 روبوتاً في يوم واحد، كان الفلسطيني "أبو نصر" يتواجد على بعد كيلومتر واحد من مكان الانفجارات الهائلة التي توالت على مدار أكثر من 12 ساعة. ويقول لـ"العربي الجديد": "كنت أجلس مع مجموعة من الشبان، وطوال اليوم كنا نحصي عدد الروبوتات التي تتفجر. سلّمنا أمرنا لله يومها، فقد كانت الأصوات مرعبة والدمار هائلا".

تدمير مربعات سكنية كاملة، 23 مايو 2025 (أنس فتيحة/الأناضول)
تدمير مربعات سكنية كاملة، 23 مايو 2025 (أنس فتيحة/الأناضول)

ويتسبب تفجير الروبوت في إصابات صعبة، عايش أبو نصر بعضها. ويضيف: "قمنا بنقل عدة إصابات إلى مشفى كمال عدوان. من الخارج يبدو الشخص سليماً، لكن بعد فحصه من قبل الأطباء يتبين حدوث نزيف داخلي، ويؤكد الأطباء أن سبب الإصابة هو قوة التفجير الناتج عن انفجار الروبوت المفخخ".

وبسبب الرعب الذي يسببه انفجار الروبوتات، فضلاً عن تكرار القصف المدفعي والجوي، بدأت خلال الأيام الأخيرة موجة نزوح جديدة من شمالي قطاع غزة، سبقها أوامر إخلاء نشرها جيش الاحتلال. ولعدم تكرار تجربة سابقة حوصروا خلالها، قرر الفلسطيني مصعب شابط وعائلته النزوح مبكرا من شمال غزة.

في شارع الجلاء بمدينة غزة، كان شابط يدفع عربة بيده التي أصيبت خلال الحرب، ويساعده طفله الصغير يزن (12 سنة)، في دفع العربة التي يحملان عليها بعض الفراش والأغطية كمستلزمات للنزوح بعد إن عايشوا ليلة دامية قبل قرار مغادرة المنزل، فجّر الاحتلال خلالها عدة روبوتات على بعد كيلومتر واحد من منزلهم، إضافة إلى قصف جوي ومدفعي متواصل.
يستطيع شابط تمييز التفجير الناجم عن الروبوت المفخخ من بين أصوات الانفجارات المختلفة بسبب شدة الموجة الانفجارية، ويحكي لـ"العربي الجديد" بينما يواصل الحركة بحثاً عن مستقر جديد مشياً على الأقدام: "تشعر عند التفجير بهزة أرضية، ويكون الوضع أقرب إلى زلزال يضاف إليه صوت الانفجار المدوي. حتى لو كان التفجير يحدث على بعد كيلومتر منك، فإنك تشعر كأنه ينفجر قربك".

ويتابع: "مع تكرار التفجيرات، لم أستطع السيطرة على أطفالي، أو إسكات مخاوفهم وأو تهدئة بكائهم، رغم حدوث التفجيرات على مسافة بعيدة. بشكل عام، كل شيء يستخدمه الاحتلال ضدنا يجلب الدمار والخوف، ولكن بدرجات متفاوتة، وعند الحديث عن الروبوت فإن الصورة التي ترسم أمامنا هي مربعات سكنية تُمسح من الوجود".

ويتركز تفجير الروبوتات في بلدتي بيت حانون وبيت لاهيا شمالي قطاع غزة، لكن صوتها يسمعه أهالي مدينة غزة، ومن بينهم شيرين موسى حمدان (37 سنة) وعائلتها، وهم نازحون من بيت حانون إلى مقر الجامعة الإسلامية في مدينة غزة. وخلال تواجدها في بيت حانون خلال الأشهر التي سبقت اتفاق وقف إطلاق النار الموقّع في 19 يناير/كانون الثاني 2025، شاهدت شيرين الروبوتات المفخخة في البلدة.

وتروي لـ"العربي الجديد": "كان الاحتلال يرسل الروبوتات يومياً، وكانت تتجول في حارات البلدة، وأثناء تجولها بين المنازل، كانت تتسبب في حالة فوضى وتشيع الخوف. تعرّض منزلنا المكون من ثلاث طبقات لقصف جوي، ونتج عنه استشهاد ابني، وإصابتي بكسر في الجمجمة وكسور في يدي وقدمي منعتني من المشي، وأصبحت أتنقل بواسطة كرسي متحرك لوجود مثبت عظام (بلاتين) في يدي وقدمي. في لحظة القصف، تطايرنا على الأرض، وأصيب كل أولادي وزوجي، واستشهد جميع أفراد عائلة شقيق زوجي".

بعد تلك الواقعة، نزحت العائلة إلى مركز إيواء في البلدة، وأثناء تواجدهم في المركز سمعوا عن تفجير روبوت مفخخ في مربعهم السكني، تقول حمدان: "دمر تفجير الروبوت 5 منازل تتكون من عدة طبقات وحوّلها إلى ركام ورماد، ورغم أن منزلنا كان يبعد مسافة عنها إلا أنه طاولته أضرار كبيرة. الدبابة تطلق قذيفة واحدة، لذا يمكننا الهرب منها، أو الاحتماء بالغرف الداخلية، لكن أن يهددك روبوت مفخخ، فهذا يعني أننا أمام كتلة مرعبة من المتفجرات التي ستحولك أنت ومنزلك ومنازل جيرانك إلى رماد يتطاير في الهواء".

المساهمون