الرجال أيضاً يتأثرون بصورة الجسد

الرجال أيضاً يتأثرون بصورة الجسد

04 نوفمبر 2020
تمارين في حديقة فينسبيري بلندن (ستيف تايلور/ Getty)
+ الخط -

بينما تقع النساء تحت التأثير السلبي للصور الجاهزة النمطية المقولبة للجسد المثالي، فإنّ هناك دعوات إلى التركيز على أثر هذا التنميط على الرجال أيضاً

أدى التصوير غير الواقعي للمرأة في وسائل الإعلام والأعمال السينمائية والتلفزيونية ووسائل التواصل الاجتماعي، إلى إطلاق حملات تتمحور حول "حبّ الذات" و"الجسد الإيجابي" في السنوات الاخيرة. هناك عدد لا يحصى من الدراسات التي تشير إلى الضرر الذي قد يلحق بالمرأة، نتيجة التلاعب الإعلامي بصورة الجسد ومعايير الجمال. ونادراً ما كانت أجساد الرجال محور نقاش وسائل التواصل الاجتماعي مثلاً، مع العلم أنّه لا ينبغي أن يشعر أيّ شخص بالسوء بسبب مظهر جسده.
كشف الخوض في هذا الموضوع بشكل متزايد، أنّ الرجال باتوا أكثر تعاسة من مظهرهم، من أيّ وقت مضى. ويجد العديد من الرجال صعوبة في التحدث عن هذه المسائل، بسبب ما يعرف بالثقافة الذكورية، في كثير من المجتمعات. 

وتظهر إحصاءات خدمات الصحة الوطنية الرقمية في بريطانيا، أنّ الكثير من الرجال يعانون من المظهر الخارجي لجسدهم (البدانة أو العيوب). في إنكلترا، تضاعف عدد حالات الدخول السنوية إلى المستشفيات، للرجال الذين يعانون من اضطرابات الأكل، بأكثر من أربعة أضعاف منذ عام 2007. 
وكشفت دراسة أجرتها مؤسسة الصحة العقلية، في المملكة المتحدة عام 2019 أنّ 28 في المائة من الرجال شعروا بالقلق من مظهر جسدهم، و11 في المائة كانت لديهم أفكار انتحارية بسبب مخاوف جسدية. كذلك، وجد استطلاع أجرته "يوغوف" (شركة بريطانية دولية لأبحاث السوق وتحليلات البيانات) خلال العام الجاري، أنّ الرجال الأصغر سناً يعانون من ضعف الثقة بمظهر أجسادهم، بشكل أقرب إلى النساء.
يقول الطبيب النفسي غسان التتري، كبير المسؤولين الطبيين في مركز خدمات الصحة الذهنية للشباب "هيدسبيس ساوثبورت" في أستراليا، لـ"العربي الجديد"."لا يمكن تفسير أيّ مرض أو اضطراب نفسي، من دون النظر إليه من عدة جوانب. ففي التفكير التقليدي للطب النفسي، نتحدث عن علم النفس الإجتماعي أو العوامل البيولوجية النفسية والاجتماعية والثقافية، وأحياناً نضيف إليها عوامل دينية أو روحانية، ما يعني أنّ أيّ ظاهرة نفسية ترتبط بعوامل بيولوجية على علاقة بفيسيولوجية الإنسان وجنسه (ذكر أو أنثى)، وإن كان يعاني من أمراض أخرى، فكلّ هذه الأمور قد تساهم في ظهور أمراض نفسية وتحدّد ميولنا وخياراتنا في الحياة". 
يتابع أنّ زيادة اضطرابات  المظاهر الجسدية واضطرابات الأكل عند الرجال، تعود لأسباب معقدة، أهمها الدور الوظيفي والنفسي والعاطفي والاجتماعي للرجل مقابل المرأة. ويضيف التتري، أنّ هناك نظرة عامة ترى في الرجل، الشخص القوي المتماسك الذي لا يعبر عن عواطفه بكثرة، خصوصاً المشاعر السلبية كونها ترتبط بالضعف. ويشير إلى أنّ التركيز الشديد خلال السنوات الأخيرة، على عدة مستويات ثقافية وفكرية وسياسية، على موضوع المساواة التامّة بين الرجل والمرأة، والحملات التي تنادي بحرية المثليين والمتحولين جنسياً، ساهمت بشكل كبير في تغيير أدوار الرجل والمرأة، حتى أصبحت وظائف المرأة في المجتمع مماثلة جدا للرجل وتنافسه. ويكمل أنّ العيب لا يكمن في قضية المساواة بين المرأة والرجل، بل في الزخم الهائل، الذي طالب بإعطاء المرأة حقوقها، ولم يقابله مجهود مماثل ينادي بإعطاء الرجل الحق في التعبير عن رغباته ومشاكله، خصوصاً النفسية من دون التعرض للانتقاد. 
أما عن سبب ازدياد ظاهرة اضطرابات المظاهر الجسدية واضطرابات الأكل،  فيقول التتري، إنّ وسائل التواصل الاجتماعي فاقمت هذه القضية، بشكل كبير جداً، وذلك من خلال التركيز على المظهر، إذ تسبّبت باضطرابات نفسية عند النساء والرجال على حدّ سواء، ودفعت كثيراً من الأشخاص الذين لا يمتلكون معايير الجمال المطلوبة أو الحافز أو القدرة على ممارسة الرياضة أو كمال الأجسام، إلى الإحساس بالنقص.
يقول التتري، لـ"العربي الجديد" إنّ الجيل الناشئ يواجه مشكلة هوية عميقة جداً، ليس فقط بالنسبة لمسألة الهوية الجنسية بل في نظرته إلى الحياة وتفكيره السطحي. وبهدف تصحيح هذه المفاهيم من جذورها، من الضروري مراجعة شركات وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي، خصوصاً "إنستغرام" و"فيسبوك" بخصوص الإعلانات التي تروّج لفقدان الوزن وتكبير العضلات وعمليات التجميل. فهذه الحملات لها أثر كارثي على هذه الأجيال الصاعدة. وقد تكون بداية الحلّ، في إطلاق حركة في المجتمع تثير هذا النقاش على نطاق واسع.
في دورها، تقول اختصاصية علم النفس في مركز "آوت ألاود" في مومباي، بالهند، نامراتا جاين، لـ"العربي الجديد"، إنّه منذ الطفولة، يلقَّن الرجال أنّ ذكورتهم وقوتهم يرتبطان بنجاحهم وإنجازاتهم وثروتهم، بينما كلّ ما يتعلق بالمرأة، يدور حول الاهتمام ببشرتها وجسدها ومظهرها. تضيف جاين: "نتحدث دائماً عن المساواة، لكنّنا لا نتعامل مع الرجال والنساء على قدم المساواة. لا عيب في اهتمام أيّ شخص بمظهره وصحته الجسدية والعقلية والعاطفية، بغض النظر عن جنسه. كذلك، ننصح الناس بالتوقف عن متابعة وسائل التواصل الاجتماعي، التي تقدّم معايير غير واقعية للجمال، وتدفعنا إلى الإحساس بالنقص".
وتظهر بيانات موقع "ثريف غلوبال" (أول منصة إلكترونية لتغيير السلوك) في ديسمبر/ كانون الأول 2019، أنّ 26 في المائة من الرجال، حول العالم، لا يشعرون بالارتياح من مظهر أجسادهم. كذلك عبر 58 في المائة من الرجال عن رغبتهم بأن يكون حجمهم متوسطاً، بينما عبرت 96 في المائة من النساء عن رغبتهن بأن يكنّ أصغر حجماً. 

في المقابل، وافق 33 في المائة من الرجال على أنّ المحتوى على وسائل التواصل الاجتماعي، جعلهم يشعرون بالسلبية تجاه أجسادهم مقارنة بـ72 في المائة من النساء. وعلى الرغم من أنّ المعدل أعلى بكثير بالنسبة للنساء، فإنّه يظهر أنّ نحو ثلث الرجال يتأثرون سلباً بما يشاهدونه على الإنترنت. ويعتقد 36 في المائة من الرجال أنّهم سيكونون أكثر رضى عن أجسادهم إذا لم يتعرضوا لهذا المحتوى على وسائل التواصل الاجتماعي، مقابل 56 في المائة من النساء.

المساهمون