الحرائق تهدّد مؤسّسات العراق الحكومية

الحرائق تهدّد مؤسّسات العراق الحكومية... ومرضى يخشون المستشفيات

24 مايو 2021
في أحد المستشفيات العراقية (صباح عرار/ فرانس برس)
+ الخط -

 

تعاني مؤسسات القطاع الحكومي في العراق، من بينها المستشفيات، إهمالاً كبيراً قد يتسبب في اندلاع حرائق. وهذا ما يحصل بالفعل، إذ تجاوز عدد الحرائق في البلاد سبعة آلاف منذ بداية العام الجاري.

عبّر مسؤولون عراقيون عن مخاوف من تكرار حوادث الحرائق في المؤسسات العراقية الحكومية، على غرار حريق اندلع في نهاية شهر إبريل/ نيسان الماضي في مستشفى "ابن الخطيب" وسط بغداد وأوقع عشرات الضحايا، مؤكدين أنّ غالبية مؤسسات الدولة تفتقر إلى شروط السلامة والأمان، ما يجعلها عرضة لمثل تلك الحوادث. وقد كشف حريق المستشفى أخيراً وحرائق أخرى عن مدى ضعف الإجراءات الوقائية في الدوائر الحكومية، حتى أنّ عدداً من المسؤولين الحكوميين تحدثوا عن أرقام مرعبة لحرائق سُجّلت في الفترة الأخيرة. وقال المتحدّث باسم وزارة الداخلية اللواء خالد المحنا في تصريح سابق إنّ "البلاد شهدت سبعة آلاف حريق بحسب مديرية الدفاع المدني في عموم مناطق البلاد في خلال العام الحالي"، متوقعاً زيادتها في الفترة المقبلة في ظل ارتفاع درجات الحرارة. وعلى الرغم من أنّ الإهمال واضح في هذا الملف، فإنّ أحداً لا يتحمل المسؤولية.

يقول مسؤول حكومي في وزارة الداخلية تحفّظ على الكشف عن هويته لـ"العربي الجديد" إنّ "شروط السلامة في الدوائر والمؤسسات العراقية كانت مفقودة في عهود الحكومات السابقة، وهي تركة ثقيلة لا يمكن للحكومة الحالية النهوض بها في ظل المسؤوليات الأخرى والأزمة المالية الحالية". يضيف أنّ "رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي وجّه المؤسسات والدوائر باتخاذ إجراءات السلامة من الحرائق، وهدد المسؤولين عن الإهمال والتقصير بعقوبات رادعة"، لافتاً إلى أنّ "المؤسسات العراقية متهالكة بشكل عام، وذلك نتيجة فساد الحكومات السابقة، ولا يمكن أن يُحسب ذلك على حكومة الكاظمي كونها حكومة مؤقتة، وقد كُلفت على أساس التمهيد للانتخابات. كذلك فإنّ الأزمة المالية التي يمرّ بها العراق غير مسبوقة، ما يجعل الحلول الحكومية غير مجدية". ويؤكد  المسؤول نفسه أنّ "الحكومة تبذل جهودها بهذا الملف، وتحاول أن تحسّن من مستوى عمل فرق الدفاع المدني ومنظّمات الإطفاء، وأن تشدّد العقوبات على كل من يثبت إهماله بشكل متعمد أو غير متعمد". ويتابع أنّ "الملف يحتاج إلى تكاتف من قبل البرلمان والقوى السياسية المؤثرة في عمله، ونحتاج إلى تخصيص موازنات مالية، خصوصاً لجهة دعم هذا المفصل المهم في الدولة".

من جهته، يحمّل النائب جواد الموسوي إدارات مؤسسات الدولة المسؤولية، ويرى أنّه "من المفترض أن تضم فرقاً تابعة للدفاع المدني ولجانا خاصة للمتابعة، لكن للأسف، فإنّ هذه الوحدات في كل المؤسسات تشكو من الإهمال وعدم الجدية في العمل". ويؤكد لـ"العربي الجديد" أنّ "ثمّة عدم جدية في صفوف تلك الفرق، في ظل إهمال إدارات المؤسسات من جهة والإهمال الناتج عن عناصر تلك الفرق من جهة أخرى، فضلاً عن عدم توفّر مخصصات مالية كافية لهذا الملف". ويشير الموسوي إلى أنّ "البرلمان تسلّم شكاوى كثيرة من الدوائر الحكومية، تشكو فيها من ضعف المخصصات المالية الخاصة بالصيانة. وعلى سبيل المثال لم يُخصَّص للمستشفى الكبير في بغداد إلا أربعة ملايين دينار عراقي (نحو 2700 دولار أميركي) فقط لعام كامل، وهذا مبلغ ضئيل جداً". يضيف الموسوي أنّ "لجنة الصحة والبيئة النيابية تتابع في البرلمان استضافة المدراء العامين في الدوائر الحكومية للاطلاع على العقبات والمخاطر والمصاعب التي تعانيها مؤسساتهم لتوفير شروط السلامة العامة، قبل رفع توصيات إلى مجلس الوزراء ووزارة المالية والجهات المسؤولة الأخرى، وفقاً لما يتوفّر لدينا من معطيات".

الصورة
إصلاح أنابيب أوكسجين في العراق (سفين حميد/ فرانس برس)
في خلال إصلاح أنابيب أوكسجين (سفين حميد/ فرانس برس)

ويوضح الموسوي أنّ "الفساد هو أحد المشاكل التي تؤثر في هذا الجانب. فمؤسسات عراقية كثيرة هي مؤسسات قديمة، الأمر الذي يؤدي إلى زيادة احتمال اندلاع الحرائق في خلال فصل الصيف، وغيرها من الحوادث". ولم يستبعد الموسوي "وجود أياد خفيّة تتسبب في تلك الحوادث وغيرها، بسبب صراعات حزبية لتحقيق مكاسب معيّنة". ويشدد الموسوي على أنّ "دور البرلمان هو رقابي، وسوف نعمل على إعداد توصيات لمتابعة الملف واتخاذ الإجراءات اللازمة لتوفير شروط السلامة والأمان وإيجاد حلول لهذا الملف".

أمّا النائب العراقي صفاء العزي، فيحمّل مديريات الدفاع المدني في المؤسسات مسؤولية الحرائق، مؤكداً لـ "العربي الجديد" أنّ "ثمّة ضرورة لتفعيل الرقابة في كل الدوائر، وتنظيم زيارات ميدانية من قبل الجهات الرقابية الأخرى كالبرلمان والجهات الحكومية، ومتابعة توفّر شروط السلامة والأمان، ومحاسبة المسؤولين والمقصّرين في الدوائر". ويقول إنّ "الإهمال قد يكون متعمداً أحياناً أو غير متعمد في أحيان أخرى، لجهة توفير شروط السلامة في الدوائر كافة، في المستشفيات والمدارس والدوائر الأخرى"، مشدداً على "ضرورة اتخاذ إجراءات وقائية بدلاً من انتظار وقوع الكارثة، ومراعاة شروط السلامة العامة في كل المستشفيات تلافياً لوقوع الحوادث". ويدعو العزي إلى "محاسبة شديدة للمقصّرين والمهملين في داخل المؤسسات، حتى يتحمّل كل شخص مسؤوليته وواجباته".

في المقابل، حاولت لجنة الأمن البرلمانية ربط تلك الحرائق بالملف الأمني، ورأت أنّها "عمل إرهابي" في وقت أبعدت المسؤولية عن أيّ جهة أخرى. وقد صرّح عضو اللجنة النائب محمد حسين أبو ذر بأنّ "الأعمال الإرهابية قد تكون بأشكال عدّة، منها القتل أو الخطف أو الأوكسجين أو الكهرباء أو التخريب والأفكار السامة التي تدخل للشباب وغيرها، كما أنّ من بينها الحرائق في المستشفيات وغيرها". وأوضح أنّ لجنته "أوصت اللجان الأمنية الأخرى بأن يكون لها دور في تتبّع حرائق المستشفيات، وفحص أنابيب الأوكسجين والكهرباء. فتلك الحوادث لا تتعلق بالجانب الصحي أو الخدماتي فقط، وإنّما بالجانب الأمني أيضاً". يُذكر أنّه في ظل تلك التجاذبات، بدأ المواطن العراقي يشعر القلق والخوف في خلال مراجعته أيّ دائرة حكومية أو مستشفى، بعدما تيقّن الجميع أنّ تلك الدوائر فاقدة لإجراءات السلامة والأمان.

المساهمون