استمع إلى الملخص
- تؤثر الحرائق على الطقس وتطلق كميات كبيرة من ثاني أكسيد الكربون، حيث أطلقت حرائق كندا 2023 كميات تفوق انبعاثات روسيا السنوية، وساهم دخان حرائق أستراليا في اتساع ثقب الأوزون.
- تتسبب الحرائق في آثار غير متوقعة مثل تكاثر العوالق في المحيط وتسريع ذوبان الجليد، وتبقى البقايا الضارة لفترات طويلة، مما يتطلب تنظيفًا دقيقًا.
في عصر تكثر فيه الحرائق الضخمة التي تدمّر مدناً وتولّد أعمدة من الدخان مرئية من الفضاء، يقرّ علماء بأنّهم بعيدون عن فهم مختلف آثارها على البشر والطبيعة والمناخ. وقد واجهت أثينا (اليونان) وهاواي ولوس أنجليس (الولايات المتحدة الأميركية) أخيراً حرائق مدمّرة، في حين حطّمت أخرى في غابات كندا الأرقام القياسية خلال السنوات الأخيرة.
وفي العام الماضي، حذّرت مجموعة علماء من مختلف أنحاء العالم، في تقرير دعمته وكالة الفضاء الأوروبية وشبكة "فيوتشر إيرث"، من أنّ التغيّرات المسجّلة في حدّة الحرائق "تمثّل خطراً غير مسبوق ما زال غير مفهوم جيداً". ويسعى الباحثون في كلّ أنحاء العالم إلى فهم ما يحدث، فيستقلّون طائرات تعبر الدخان الناجم عن الحرائق، أو يحلّلون صور الأقمار الاصطناعية لأعمدة دخان مرئية من الفضاء، أو يأخذون عيّنات من التربة والممرّات المائية، في محاولة لتقييم آثار الحرائق على البشر والكوكب.
وفي بعض الأحيان، يقع العلماء بأنفسهم ضحايا للحرائق. على سبيل المثال، طُلب من الأستاذة في جامعة "كولورادو" الأميركية المتخصصة في تلوّث الهواء والانبعاثات الناجمة عن الحرائق كريستين فيدنماير، في نهاية ديسمبر/ كانون الأول 2021، إخلاء منزلها بصورة مفاجئة لأنّ حريقاً كان يقترب منه بفعل الرياح. وتقول لوكالة فرانس برس: "رأينا عمود دخان خلف منزلي مباشرة"، علماً أنّها كانت تعمل فيه، وقد اضطرت إلى الفرار وسط الدخان والنيران مع عشرات آلاف الأشخاص. وفي اليوم التالي، شهدت المنطقة تساقطاً للثلوج. وعندما عادت إلى منزلها، وجدته مليئاً بالسخام، وبدأ جيرانها يسألونها عن كيفية تنظيف المنازل المتضرّرة.
نار الحرائق "أسوأ عدوّ لنا"
يقول المؤرّخ المتخصص في الحرائق ستيفن باين إنّ النار لطالما كانت "رفيقاً" للبشرية، أمّا اليوم فباتت "أسوأ عدوّ لنا". وأطلق هذا الخبير تسمية "بيروسين" على العصر الحالي، علماً أنّ تغيّر المناخ في خلال القرن الماضي يجعل ظروفاً عدّة، الحرّ والجفاف والرياح القوية، مؤاتية بصورة أكبر لاندلاع حرائق مدمّرة. لكنّ ذلك ليس السبب الوحيد في تزايد الحرائق وتفاقم حدّتها. فالأمطار الغزيرة، التي يعزّزها تغير المناخ لأنّه يغيّر دورة المياه، تزيد من مخاطر الحرائق، لأنّها تتسبّب في نموّ سريع للنباتات التي تصير في فترة الجفاف التالية أشبة بـ"وقود مثالي للحرائق"، مثل ما حصل في لوس أنجليس أخيراً.
وقد توصّلت أبحاث أُجريت في عام 2021 إلى وجود صلة ما بين ذوبان الطبقة الجليدية في القطب الشمالي وحرائق الغابات التي تزداد حدّتها في غرب الولايات المتحدة الأميركية. لكنّ الحرائق تكون أحياناً ناجمة عن البرق أو خطوط كهرباء معطّلة أو متعمّدة ببساطة. وفي عدد من المناطق، تسبّبت أساليب غير مناسبة للوقاية من الحرائق في تراكم النباتات القابلة للاشتعال.
اكتشافات جديدة بشان تأثيرات الحرائق
ويواصل العلماء اكتشاف تأثيرات جديدة. ويتبيّن أنّ الحرائق تغيّر الطقس، إذ تبدّل الرياح وتطلق السخام عالياً، الأمر الذي من الممكن أن يسبّب البرق. كذلك، تولّد الحرائق كميات هائلة من ثاني أكسيد الكربون، وتؤثّر حتى على الغلاف الجوي. وقد أطلقت حرائق الغابات الكندية في عام 2023 كمية من الكربون خلال خمسة أشهر تفوق انبعاثات الكربون الناجمة عن احتراق الوقود في روسيا في عام واحد، وفقاً لحسابات علماء في وكالة الفضاء الأميركية (ناسا)، مع العلم أنّ الأشجار أعادت امتصاص كميّة منه. وفي عام 2023، أظهر علماء أنّ تفاعلاً كيميائياً ناجماً عن الدخان المتأتّي من حرائق هائلة في أستراليا تسبّب في اتّساع ثقب الأوزون بنسبة 10% في عام 2020.
وتكون للحرائق أحياناً آثار غير متوقعة. فقد أظهرت إحدى الدراسات أنّ الرماد الناتج عن حرائق أستراليا سقط في المحيط على بعد آلاف الأميال، الأمر الذي أدّى إلى تكاثر العوالق التي امتصّت ثاني أكسيد الكربون الإضافي، مؤقتاً على أقلّ تقدير. ويجتاز هذا الرماد مسافات بعيدة. ويقول المشرف على الدراسة خوان يورت، من مركز الحوسبة الفائقة في برشلونة، إنّ بعضاً من الرماد سقط على الغطاء الجليدي، فأدّى إلى ذوبانه بسرعة أكبر. ويتحدّث يورت عن "تغيير النظام" في القطب الشمالي.
وفي شتاء 2021 في كولورادو، تعيّن على كريستين فيدنماير معرفة كيفية تنظيف المنازل التي اسودّت بسبب الدخان، الأمر الذي يشكّل قضية الساعة لعشرات الآلاف من سكان لوس أنجليس في مناطق الإخلاء. وتقول الباحثة إنّ "مواد ضارة كثيرة تتسرّب عندما يحترق منزل أو سيارة أو أجهزة إلكترونية". وقد أخذت مع زملائها عيّنات من الهواء والتربة والمنازل قبل تنظيفها وبعد ذلك. وأظهرت، من خلال عملها، أنّ البقايا الأكثر ضرراً تمتصّها الجدران ومن الممكن أن تبقى أياماً أو أشهراً. ومن أجل إزالة الدخان بصورة فعّالة، تتمثّل نصيحة فيدنماير العلمية بغسل الجدران والأرضيات بالمياه والصابون.
(فرانس برس)