الحد من أكلاف الهجرة على الأقل!

الحد من أكلاف الهجرة على الأقل!

25 يوليو 2022
لا إحصاءات حديثة للكفاءات العربية التي تغادر بلدانها ومجتمعاتها (آغوس روديانتو/ الأناضول)
+ الخط -

 

لا وجود لإحصاءات حديثة تحدد أعداد وتوزع ونوعية الكفاءات العربية المغادرة بلادها ومجتمعاتها، تحت وطأة جملة الأوضاع الضاغطة، سواء على صعيد الدول منفردة، أو على الصعيد العربي العام. كل ما يتوافر من معطيات، هي تقديرات نقابية وقطاعية غير مكتملة ولا تتميز بالدقة المطلوبة. وهذه مشكلة كبرى باعتبارها تحول دون تبين أثر وكلفة مثل هذا الوضع، وبالتالي قياس نتائجه ومضاعفاته، على المدى القريب والمتوسط والبعيد. خصوصاً أن هذه الهجرات، وبعضها مؤقت، قد تتحول إلى هجرات دائمة. 

لكن هذا لا يعني بأي حال من الأحوال أن مثل هذا الوضع خارج التداول والمناقشة، وإن في بعض الدوائر المحدودة، وإذا أمعنا النظر في دولتين عربيتين كانتا في مصاف الدول العربية تقدماً على الصعيد العلمي هما العراق ولبنان، نجد أن قطاعات معينة باتت في حال من الشلل جرّاء هذا النزف في العديد من المجالات الحيوية الرئيسية، وبما يتجاوز القطاع التعليمي من رأس الهرم إلى قاعدته، كالقطاع الصحي والتكنولوجي والهندسي والفني وغيره، ما يؤشر على معضلة فعلية. لكن المشكلة المضاعفة تتمثل باستمرار الدوران في حلقة الانقسام السياسي والتردي الاجتماعي المفرغة، التي تحول دون البحث عن الحلول الفعلية، التي لا بد وأن تهدف إلى الحد من هذه الهجرة، كمقدمة لاستعادة هذه الكفاءات إلى بلادها. وهو طموح يجب أن تتوافر له مقوماته السياسية والاقتصادية والاجتماعية والمعيشية، وهي جميعاً لا تزال مفقودة. وما هو متوافر منها يزداد تردياً. لكن معضلة من هذا النوع الكوارثي تنسحب على بلدان عربية أخرى هي بأمس الحاجة إلى كفاءاتها، فيما خط الهجرة يستنزف طاقاتها كاليمن وسورية وتونس وليبيا وغيرها. 

موقف
التحديثات الحية

بالعودة إلى الوضع التعليمي، سبق أن قدمنا الكثير من المعطيات حول المعيقات التي تضاعفت نتيجة تفشي وباء كورونا، في ظل عجز السلطات التربوية، والقطاع الخاص هو الآخر عن التفاعل مع هذا الوافد، وحجم الخسائر المترتبة عنه. علماً أن القطاع الخاص يمكن قسمته إلى قسمين: قطاع خاص مؤسساتي مرتبط أصلاً بمؤسسات تعليمية أجنبية. وقطاع أهلي يعيش على فتات ما يبقى من قطاع حكومي، يعجز عن استيعاب الأعداد الكبرى من المتدفقين على المدارس والجامعات الرسمية.  فالدول التي يفتقر أهلها وأبناؤهم إلى القاعدة التكنولوجية للتعليم عن بُعد عانت من تراجع حاد في مستويات التعليم كمّاً وكيفاً، معطوفاً على ما شهده بعضها من فوضى سياسية وأمنية وإدارية، خلافاً لدول تملك من المقدرات المادية والتقنية والخبرات ما جعل الوباء يمر دون أن يترك آثاراً سلبية على مستوى انتظام مؤسساتها ومرافقها وتحصيل تلامذتها وطلابها. ما يعني أننا بتنا أمام ميزان مختل الكفتين تماماً. فالدول العربية الغنية تحديداً تعاملت مع الجائحة، وكأنها كانت تتوقع قدومها، لجهة دخول التكنولوجيا مسبقاً كعامل رئيسي في العملية التعلمية على صعيدي الأساتذة والمعلمين والطلاب والتلامذة والأهل، وتوفير التجهيزات اللازمة. وقد سبق أن توسعت في اعتمادها بعد أن تهيأت لكل ذلك، بما قاد إلى تلافي الثغرات التي ظهرت في أدائها. بينما الدول الفقيرة التي تفتقر إلى التيار الكهربائي المنتظم، والبرمجيات والأجهزة والألواح الذكية، ودورات التدريب للأساتذة والطلاب، ومع ظروف الأهل الحياتية، تفاقم وضعها وحصدت نتائج بالغة السلبية برزت في غضون الأعوام المنصرمة، وستتفاقم إذا لم تعالج في الآتي من الأيام.

(باحث وأكاديمي)

المساهمون