الجنس "الخفي"... مكافحة معقدة في السويد

الجنس "الخفي"... مكافحة معقدة في السويد

15 أكتوبر 2021
الشرطة السويدية تواجه الدعارة بصعوبة (كارلسون بيرت/ فرانس برس)
+ الخط -

أورد تقرير حديث أصدرته "هيئة المساواة بين الجنسين" في السويد أن "تجارة الجنس (الدعارة) مقابل المال تنتشر في نحو 200 نقطة في أراضي البلاد"، ما يؤكد مواجهة السلطات والشرطة مشكلة "الالتفاف" على القوانين التي تمنع هذه التجارة، والتي يشكل إحدى وسائلها نقل الممارسة من الشوارع إلى شبكة الإنترنت، حيث قد يقع قصر وأطفال ضحايا للاستغلال الجنسي. 
عموماً، تحظر السويد البغاء بموجب قانون أصدرته في الأول من يناير/ كانون الثاني 1999 بهدف منع العنف، وظاهرة إجبار النساء أكانوا مواطنات أم أجنبيات على ممارسة الدعارة. لكن ذلك لم يمنع انتشاره في البلاد، علماً أن العاصمة استوكهولم تضم شارعاً مخصصاً للظاهرة أطلقت عليه اسم "مالمسكيلنا غاتا" الذي عرف لسنوات طويلة محلياً وأوروبياً بأنه "شارع الجنس السويدي".  
واللافت أن الدنمارك تشرّع بخلاف السويد الدعارة استناداً إلى قانون أقرّه برلمانها في السبعينيات، ما جعله ينتشر كالفطر في شارع أستر بالعاصمة كوبنهاغن
وما يقلق سلطات السويد اليوم هو انتقال الظاهرة من العلن إلى السرية، أو إلى عالم الإنترنت الافتراضي خلف الشاشات، حيث يتفق مروّجو الخدمات والعروض مع الزبائن بعيداً من الأعين. 

الجريمة والعقاب
التحديثات الحية

تحايل على الحظر  
وبعدما كثفت الشرطة السويدية دورياتها في شارع "مالمسكيلنا غاتا" الذي ضم حوالى 250 فتاة مارسن الدعارة ضمن مساحة 650 متراً مربعاً فقط، انخفضت نسبة الزبائن نحو 80 في المائة، بحسب تقارير قسم مكافحة الدعارة في الشرطة الذي ربط الأمر بخوف هؤلاء الزبائن من توقيفهم، ونشر أسمائهم. 
وتقدّر الشرطة بأن غالبية النساء والفتيات اللواتي يعملن في الدعارة من صاحبات السوابق والمدمنات على المخدرات، لكنها تعلم أنهن لا يعملن بلا مشغلين يعرفون باللغة المحلية باسم "ألفونس" (قوادون) الذين أوقفت العشرات منهم خلال الأعوام الماضية. وقد أدانت السلطات نساءً بأحكام خضعت لقانون العقوبات الذي يحظر الدعارة، لكن انتقال الظاهرة إلى شبكة الإنترنت بات يمثل تحدياً كبيراً لها وللشرطة، خصوصاً أنه عرّض قانون المنع لانتقادات كثيرة شملت تحديداً إجبار النساء على ممارسة الدعارة في الخفاء.
وأكد التقرير الأخير لهيئة المساواة انتشار "عصابات" متخصصة في الاستغلال عبر الإنترنت، وتزايد تشغيل نساء محليات في وقت شهد العقدان الأولان من الألفية الثانية انخفاضاً في عدد الأوروبيات الشرقيات اللواتي يعملن بالدعارة في السويد. لكنه أشار إلى استقدام نساء من آسيا وأفريقيا، وتوزيعهن على سوق يشمل دولا مجاورة أيضاً بينها الدنمارك والنرويج.  
من هنا يرى محللون أن الأمور "لا تسير على ما يرام" بالنسبة إلى تطبيق قانون المنع الصادر قبل 21 عاماً. وتقول مسؤولة تحقيقات التشغيل في الدعارة والمستشارة القانونية في المجال آنا سكارهيد: "لم يخفّض قانون 1999 ظاهرة النساء العاملات في تجارة الجنس، بل أضرّ بهن بعدما أفقدهن شبكات الأمان والاتصال بالسلطات المجتمعية".   
وتؤكد منظمات متخصصة بمساعدة الإناث اللواتي يعملن طوعاً في الدعارة من أجل تأمين أموال لشراء مخدرات، أن "الظروف المعيشية وتلك المتعلقة بسلامتهن، ساءت منذ تطبيق قانون المنع". 

الصورة
الدعارة أقل ظهوراً في الشوارع (يوناس غراتزر/ Getty)
الدعارة أقل ظهوراً في الشوارع (يوناس غراتزر/ Getty)

حيل "الظل"
ومنذ سنوات، تطالب مؤسسات اجتماعية وحقوقية المشرّعين السويديين بإجراء دراسات رصينة لتأثيرات قانون المنع والأخطاء التي رافقت تطبيقه، في وقت يرى اختصاصيون اجتماعيون وباحثون أن "تراجع الدعارة في شوارع المدن لا يدل على أنها اختفت، إذ تنتشر حيلة العمل في الظل، ما جعل التجارة أكثر بدائية وسرّية وخطيرة على الصحة النفسية للعاملات في الدعارة". 
ويصف هؤلاء ما يجري بأنه "جنس تحت الأرض (خفي) يزيد مخاطر انتشار أمراض معدية، ومواجهة عنف نفسي، والعيش ضمن بيئات إجرامية لعصابات تتنافس على سوقي الدعارة والمخدرات في مدن عدة، وتنفذ عمليات قتل ومخالفات. ويشير الباحثون إلى أن تجارة الجنس "متفلتة على  صعيد الأماكن، وتتعرّض لعنف واستغلال، مع منع الفتيات من التواصل مع السلطات المجتمعية".  
ورغم أن الشرطة السويدية تحاول خرق شبكات التشغيل عبر التنصت على هواتف وتصوير أشرطة فيديو، ومراقبة صفحات على الإنترنت، لكنها تواجه صعوبة في إثبات الجرائم وتقديم الجناة من أفراد العصابات المشغلة إلى القضاء في ظل صعوبة جمع الأدلة عن ممارسة الدعارة خارج المنازل، علماً أن المشغلين يجبرون الفتيات على عدم استخدام الواقي كي لا تستطيع الشرطة إثبات حصول انتهاك القانون، إذا اعتقلت إحداهن.  
وتقول المسؤولة عن الاتجار بالبشر والدعارة في "هيئة المساواة" فريدا يوهانسون، إن "الدعارة تشهد اليوم تحايلاً في التسويق عبر منتديات متسترة في وسائل التواصل الاجتماعي، وحتى عبر تطبيقات خاصة بالأطفال". وقد زاد من 10 في 2014 إلى 32 اليوم عدد المواقع التي تسوّق خدمات جنسية عبر أكثر من 12,000 إعلان.

الصورة
الشرطة السويدية وسط بيئة إجرامية (يوهان نيلسن/ فرانس برس)
الشرطة السويدية وسط بيئة إجرامية (يوهان نيلسن/ فرانس برس)

أوكار العصابات
ورغم صعوبة تقديم رقم محدد حول إجمالي انتشار الدعارة في السويد، يقدّر تقرير "هيئة المساواة" انتشار أكثر من 200 نقطة في مدن مختلفة وضواحيها، ويكشف أن سوق الدعارة يتسبب في عنف بين العصابات على "مناطق النفوذ"، علماً أن تقارير الشرطة تؤكد تزايد عمليات إطلاق النار، واستخدام المفرقعات في معارك تندلع بين العصابات خصوصاً في العاصمة استوكهولم ومدينتي مالمو وغوتبورغ (جنوب). ويفيد التقرير أيضاً بأن "جائحة كورونا زادت ضحايا الاتجار بالبشر والدعارة وتعرضهم إلى عنف".
ويسجل التقرير تزايد عدد الشبان والفتيات الباحثين عن مساعدة ودعم بعد تعرضهم لاستغلال جنسي بدافع تجاري، ويشير إلى أن "قضاء الأطفال والقصر وقتاً أطول على شبكة الإنترنت خلال فترة جائحة كورونا، وبلا رقابة من الأهل، عرّضهم لخطر الوقوع في حبائل الجناة المشغلين للدعارة". 
وينتقد التقرير تقصير السلطات في دعم الضحايا، ويطالبها بأن تصبح أفضل في تحديد الضعفاء من خلال الخدمات الاجتماعية والرعاية الصحية، تمهيداً لتوفير دعم مناسب لهم في أنحاء البلد". وهنا تؤكد يوهانسون "أهمية العمل الاستباقي، علماً أننا نقترح أن تُلحق مسألة الدعارة بقانون جديد يعاقب كل شخص، حتى المتزوجين، إذا مارسوا الجنس بلا موافقة الشريك". وتعتبر أن غياب الموافقة يجعل ممارسة الجنس في مصاف الاغتصاب الذي يعاقب عليه القانون بالسجن.   
وتحدد هيئة المساواة أساليب عمل عصابات تقديم الخدمات الجنسية من خلال شبكة الإنترنت بتقديم نفسها باعتبارها شركات للتجارة الإلكترونية التقليدية. 

الصورة
مخاطر العنف كبيرة على ممارسي الدعارة (آلي لوريستينا/ فرانس برس)
مخاطر العنف كبيرة على ممارسي الدعارة (آلي لوريستينا/ فرانس برس)

وتكشف أرقام نشرتها مصلحة الصحة الشعبية السويدية عام 2017 أن 1.5 في المائة من النساء و1 في المائة من الرجال جربوا "شراء الجنس" مرة واحدة على الأقل. وفي صفوف المثليين، ارتفعت النسبة بين الجنسين إلى 7 في المائة. كذلك تفيد دراسة أجريت أخيراً أن 1.4 في المائة من طلاب الثانويات و0.8 في المائة من الفتيات مارسوا الجنس مقابل مال. وتوضح أن مجموعات محددة أكثر عرضة للظاهرة، بينها السجناء إذ أفادت بأن 24 في المائة من النساء المحكومات مارسن الجنس مقابل المال، فيما أكدت نسبة 11 في المائة تعرضهن للاتجار بالبشر. وتظهر الدراسة أيضاً أن واحدة من كل ثلاث نساء جربن العلاج للخروج من الإدمان الذي وقعن فيه بسبب الدعارة، في مقابل نسبة 7 في المائة من الذكور. 
والغريب في أرقام الدراسة، أن 13 في المائة من الفتيات و5 في المائة من الصبيان خاضوا تجربة "بيع الجنس" بسبب الحاجة إلى المال، ونحو 70 في المائة منهم جربوا الأمر أكثر من مرة، وبينهم قصر. 

قضايا وناس
التحديثات الحية

وتشير دراسات سويدية مختلفة إلى أن الدعارة لا تقتصر على فئة سكانية من دون غيرها، حيث تسجل التقارير والدراسات انتشارها بين مهاجرين أيضاً.  

المساهمون