"الجلة" و"الفروة" و"الواوية" وسائل تراثية للتدفئة في شتاء الرقة

"الجلة" و"الفروة" و"الواوية" وسائل تراثية للتدفئة في شتاء الرقة

07 نوفمبر 2022
كل شيء يمكن حرقه في المدافئ لمواجهة برد الشتاء (العربي الجديد)
+ الخط -

تشهد مناطق مدينة الرقة وريفها دخول الموسم الشتوي والمصاعب التي يحملها من برد وتكاليف ومستلزمات تقض مضجع العائلات الفقيرة، ويشمل الواقع الأكثر إيلاماً المخيمات العشوائية ومراكز الإيواء.

لم تعد وسائل التدفئة التقليدية، مثل مدافئ مادة المازوت أو تلك التي تعمل باستخدام الكهرباء، متاحة لسكان مدينة الرقة والمخيمات الـ58 المحيطة بها، والتي تضم 16145 عائلة من حلب وحماه وإدلب ودير الزور والسخنة وتدمر، إذ تتجاوز تكلفتها حدود إمكاناتهم، ما يدفعهم إلى إيجاد بدائل تقليدية وتراثية تمثل الحلّ بالنسبة إليهم في مواجهة برد الشتاء.
وقبل ثلاثة أعوام خصصت الإدارة الذاتية مستحقات من محروقات المازوت والكاز وأسطوانات الغاز المنزلي وفق بطاقات تمنح سنوياً، وقررت توزيعها شهرياً أو فصلياً حسب نوع المادة وضرورتها، مع اعتماد جدول بمنح 30 ليتراً من وقود التدفئة في النصف الأول من العام، و300 ليتر في نصفه الثاني، وأسطوانات الغاز المنزلي مرة كل شهرين.
إلى ذلك، يعاني سكان الأحياء الشعبية في الرقة، وبينها الرميلة ونزلة شحادة والدرعية وشمال السكة، إلى جانب سكان المخيمات ومراكز إيواء المهجرين من أوضاع إنسانية صعبة، فالعائلات التي تسكنها لا تكفيها مستحقات مادة المازوت، كما لا تملك بعضها دفاتر وأوراق ثبوتية رسمية، ما يحرمها من المستحقات، ويمنع حصولها على وقود مدعوم للتدفئة من الإدارة الذاتية.
وبين مواد التدفئة التراثية التي عاد سكان الرقة إلى استخدامها "الجلة" الأقل كلفة لمعظم السكان. وتوضح سعدة العيسى من سكان منطقة الزغير في ريف دير الزور التي تقيم حالياً في مخيم "سهلة البنات" قرب مدينة الرقة، لـ"العربي الجديد"، أن صنع "الجلة" يبدأ في فصل الصيف عبر جمع مخلفات الحيوانات خاصة الأبقار والقش وكميات قليلة من الطين، وعجنها باستخدام الماء، قبل أن تداس بالأقدام حتى تختلط بشكل جيد وتتماسك، ثم يجري تشكيلها على شكل أقراص، ووضعها على الأرض أو الصخور وحتى الجدران كي تجف، وبعدها تحفظ في أماكن جافة أو غرف من طين من أجل إبعادها عن الرطوبة وإبقائها صلبة حتى استخدامها.

الصورة
يحمل ما تيسر من خشب وكرتون استعداداً للشتاء (العربي الجديد)
يحمل ما تيسر من خشب وكرتون استعداداً للشتاء (العربي الجديد)

وتقول: "أقراص الجلة موروثة منذ القدم في أرياف دير الزور والرقة وعموم منطقة الجزيرة السورية. وحين جئنا إلى المخيم الذي نقيم فيه، لم يكن في مقدورنا شراء حطب أو مازوت لاستخدامه في التدفئة، لذا جهزت نساء المخيم الجلة في فصل الصيف، وغالبية العائلات ستستخدمها خلال فصل الشتاء فهي تجلب الحرارة في المدفأة، أو ما يمكن وصفه فعلياً ببقايا المدفأة، وتساهم في توزيع الدفء في كل الخيمة، خصوصاً أنها سريعة الاشتعال".

ويقول أبو مصطفى الذي يملك محل دباغة في السوق الشرقي بشارع القوتلي، وهو أحد أقدم أسواق المدينة، ويعمل لوقت طويل في فصل الشتاء، لـ"العربي الجديد": "قد أعمل 12 ساعة يومياً، لأن هذا الوقت من العام هو موسم الطلبيات. وخلال هذه الساعات أحتاج إلى دفء يحتم اعتمادي على وسيلة تدفئة قديمة كوني عاجزاً عن شراء المازوت".

يضيف: "عملي شاق وطويل في تنفيذ عملية دباغة الجلود وتمليحها وتنظيفها. وخلال فصل الشتاء أستعمل الحطب والكرتون في وعاء من تنك كي أستطيع متابعة عملي دون الإحساس بالبرد، فيما قد استمر في العمل 12 ساعة يومياً لأن الشتاء هو الموسم السنوي لصنع الفروة (لباس شعبي قديم). ويستخدم الخشب والكرتون في التدفئة ضمن صفيحة تنك بسعة تتراوح بين 16 أو 18 ليتراً تثقب جوانبها للسماح بمرور الهواء بشكل جيد، وتوضع بقايا الكرتون والأخشاب فيها لإشعال النار. ويطلق سكان الرقة تسمية الواوية على وسيلة التدفئة تلك".
وتقول أم أسعد، وهي امرأة خمسينية من منطقة الرميلة، لـ"العربي الجديد": "الواوية متوارثة منذ القدم، وكان استخدامها محصوراً سابقاً في رعاة الغنم وبعض أصحاب المحلات في الأسواق الشعبية، لكن ارتفاع سعر المازوت حالياً إلى 2000 ليرة لليتر الواحد (0.3 دولار) يجبرها على استعمال هذه النار في التدفئة".

الصورة
بقايا وسيلة تدفئة (العربي الجديد)
بقايا وسيلة تدفئة (العربي الجديد)

تتابع: "نطهي أحياناً على نار الواوية. وبعدما ابتكرت ورش الصناعة جسماً معدنياً مخصصاً للواوية، ووضعت صفيحاً من الفونت أعلاها كي تبقى مشتعلة، أصبح الأمر أفضل بكثير من استعمال الواوية القديمة، وأكثر فعّالية في طهي الطعام وإعداد الشاي وتسخين الطعام. ونحن نجمع في فصل الصيف ما يتيسر من أخشاب وكرتون وغيره من المواد التي يمكن استخدامها في إشعال نار الواوية في فصل الشتاء، ما يحمينا من البرد، رغم أن وجودها مزعج في مكان مغلق لأنها تتسبب في حرقة في العينين والدموع".
وبسبب الفقر وانعدام الدخل تستخدم عائلات مخلفات البلاستيك والأحذية القديمة وكل شيء يمكن حرقه في المدافئ لمواجهة برد الشتاء، خاصة تلك للنازحين المعدمين في مدينة الرقة الذين لا تتاح وسائل التدفئة القديمة لهم.
ويحدد إحصاءات أخيرة نشرها مجلس الرقة المدني التابع للإدارة الذاتية عدد سكان المدينة بنحو 300 ألف شخص، وعدد النازحين المقيمين فيها بـ 3200.

المساهمون